أنا وهو أولى القراءات

أنا وهو أولى القراءات

خضير فليح الزيدي
الفضاء الثقافي الذي ساد في مطلع السبعينات في العراق عموما، هو الذي دفع بي كقارئ غر للبحث عن عالم الرواية الغربية عن طريق الصدفة المحضة، كان البرتو مورافيا هو الروائي الذي سمعت عنه من أحد أصدقاء المرحلة الدراسية، وكان صديقي من الثقاة في الكم القرائي في فرز أمهات الروايات العالمية عن غيرها وفق برنامج وعيه وتمثلات الثقافة السمعية في التلاقح مع الآخرين،

قال: انصحك بقراءة مورافيا يا صديقي. بوعي مسبق وحذاقة مبكرة لفهم عالمنا الجنسي الخفي.
ذهبت لكشك الكتب على ناصية الشارع وطالعتني رواية (أنا وهو) لألبرتو مورافيا بغلافها الشمعي بصورة فاضحة لفتاة بفخذ ممتلئ وشعر أشقر قصير. إنها اللوحة التي تزيد من الشبق والشهوانية أكثر من التوجه الثقافي في موضوعة استثناية.
بدأت التهم صفحات هذه الرواية فوق سطح الدار، بكل شغف لتتفتح أمامي آفاق العالم المحجوب، فلسفة الجنس والمحرمات والشخصيات القلقة في الرواية تعبّر بطريقة أكثر حرية مما سمعت وشاهدت في صباي، في حينها لم أهتم بتلك الفلسفة سوى تخيل العوالم الجنسية والمشاهد المرعبة في المحرمات.
لم أدرك حينها أن مورافيا كان متأثرا بسيجموند فرويد ونظريته الخارقة في الايحاءات الجنسية المهيمنة على كل حركة في الحياة الداخلية والخارجية. بعد تبلور الوعي الثقافي أستطيع إدراك ما رمى اليه مورافيا في هذه الرواية الآن، فقد استطاع عبر هذه الرواية الممتعة من تخطي الجنس والأعضاء الجنسية إلى الإيروتيك كحداثة مسبقة في حينها، لكني استطيع القول الآن أن قراءة هذه الرواية في السن المبكر جعلني اليوم استذكر تلك السخرية في مشاهد منها وفصول أخرى اكثر تراجيدية من غيرها.
مورافيا هو واحد من الكتاب الذين شكّل عندي دافعا قويا لتلمّس الطريق نحو القراءة أولا ومن ثم الاتجاه نحو فضاءات الكتابة. هو الذي مزق ستار المسكوت عنه الأول في حياتي ويأتي طبعا خلفه كولن ولسن وكامو وسارتر، في حين أن مورافيا له قول بهذا الصدد يقول: أنا أكثر وجودية من كامو وسارتر.
واليوم بعد تقدم العمر بي أدرك أن مورافيا قد أعتمد نظرية فرويد في تقسيم الشخصية البشرية بين الانا العليا والسفلى وطبقة الهو، الذي ضمنه في عنوان الرواية. تلك الحقيقة التي غابت عني في حينها، مستويات القراءة تعد واحدة من القضايا الشائكة فهي بحاجة إلى مزاج خاص ومن ثم إلى وعي يوازي نسبيا كمية ضخ نسبة الأفكار والنظريات داخل العمل الأدبي. ونحن نقرأ من دون منهاج قرائي دقيق وفق ما نسمع من الآخرين دون تدخل الذائقة الطرية آنذاك، لذلك نقع أحيانا في التمرد والانفصام أو الجنوح الفكري/ الفردي وفق دفق القراءات غير الممنهجة.
بعد فرصة متعة القراءة المبكرة لم تعد آفاق الوعي كما كانت قبلها، وهذا الدافع الأساس للبحث عن رواياته الأخريات كالسأم والاحتقار والانتباه، استقطعت من مصروفي الشخصي لاقتني الادب المورافي للمتعة وعذوبة الأسلوب وخفة الروح وطريقة الأداء الحكائي في رواياته.