مقارنة البيانات المالية الفصلية  {غير المدققة}  للمصارف الأهلية العراقية

مقارنة البيانات المالية الفصلية {غير المدققة} للمصارف الأهلية العراقية

محمد صالح الشماع
تمثل البيانات المالية الفصلية غير المدققة للربع الرابع من السنة على وجه التقريب الحسابات الختامية السنوية التي ُتعد من قبل إدارة الشركة وتدقق من قبل مراقب الحسابات الخارجي ، لذا أصبح بالإمكان إجراء تقييم مبكر للأرباح السنوية المتحققة (الهدف الأساس من تأسيس المشروع أو الشركة أو المصرف) ،

ولهذا التقييم طرق وأساليب وأشكال متعددة، منها ما يعتمد على إستخدام النسب المئوية . ولأغراض التحليل المالي للمصارف ُوضعت عدة أنواع من النسب المئوية لتقييم الأرباح المتحققة إخترنا منها ـ لأغراض أرباح مصارفنا الأهلية ـ نوعان :-
الأول ُتنسب فيه الأرباح الإجمالية إلى حجم المصرف (مجموع الميزانية العامة) أي قياس الأرباح تبعاً لكيان وأداء المصرف (وليس تبعاً لمقدار رأسماله) بإعتبار أن لمقدار الأرباح علاقة طردية مع مجموع موجودات المصرف أو مجموع ودائعه . والنوع الثاني ُتنسب الأرباح الصافية المعدة للتوزيع على المساهمين إلى مقدار رأس المال المدفوع للوصول إلى معرفة حصة سهم شركة المصرف من العائد السنوي ، وهذا ما إتبع في جدول الجزء الرابع من هذه المقارنة لتأمين هذين التقييمين اللذين تحتاج اليها إدارات المصارف وكبار المساهمين في رؤوس أموالها وعموم المستثمرين باسهم شركاتها في سوق المال . وقد كشف الجدول النقاب عن أن مصارفنا لم تشملها القاعدة المشار إليها أعلاه ، إن لم تعاكسها . فأكبر المصارف المقارنة حجماً بلغت نسبة أرباحه المتحققة إلى مجموع ميزانيته العامة 1.7% [ وهذه مقاربة للنسبة السائدة عند أكبر (50) مصرفاً خليجياً للعام 2009 في ضوء ما نشرته مجلة اتحاد المصارف العربية مؤخراً ] في حين أن نسبة أرباح مَنْ هو ِمنْ أصغر المصارف المقارنة حجماً بلغت 6.6% ، أي حوالي أربعة أضعاف نسبة أرباح أكبر المصارف المقارنة الذي حجمه يفوق تسعة أضعاف حجم المصرف الأصغر الآخر المشار إليه . وقد تحدث أمثال هذه المفارقات عادة ، ولكنها ليست بهذه الحدة الشديدة أو التفاوت الواسع جداً الأمر الذي شكل حالة فريدة أو غريبة . وقد ُيعزى السبب إلى توجه مصارفنا إلى إرتقاء المخاطر المصرفية العالية والتساهل في تقديم خدمات مصرفية بمبالغ كبيرة بدون ضمانات أكيدة كافية لا تتناسب مع قدرة وحجم المصرف... والله اعلم .
إن المحلل المالي شخص خارج المؤسسة ، وهو يعتمد في تحليلاته على البيانات المنشورة فقط التي لا ُتسمن ولا ُتغني في معرفة أسباب المخالفات والإختلافات والمفارقات التي قد يكون لها ما يبررها . فهو أيضاً لا يستطيع أن يتعمق أكثر من الحد الذي تسمح به تلك المعلومات . علماً بأنه يوجد الكثير من المعلومات القيمة ، لو أمكن الحصول عليها ، لساعدت في جودة التحليل ودقته ، وقد ُتغيّر إتجاه أو مسار أو نتائج التحليل المالي الذي جرى بدونها ، لكن هذه المعلومات لا ُُتنشر لإعتبارها من أسرار المؤسسة الخاصة التي تحرص على عدم إطلاع الغير عليها مادامت التشريعات المحلية لم تجبرها على ذلك . وحتى لو أن التشريعات طلبت تقديم ونشر هذه المعلومات ، فإن مبدأ إرتكاب المخالفات أصبح سائداً عندنا نظراً لسكوت الجهات الرقابية عنها وعدم وضع حد لها . إذ بسبب عادة المسايرة والإقتباس ُيقلد الآخرون أقرانهم المخالفين دون أن يشعروا بأنهم بذلك قد تجازوا على الشرعية، معتقدين بأن ما يقومون به إسوة بغيرهم صحيح لأنه لم يسبق أن إحتج عليه أحد، بل وقد يجري التقليد حتى وإن علموا بأنه مخالف لنفس السبب ، فسكوت رب العمل على إنجاز عامله المخالف لما هو مطلوب منه قبول له .
وعلى سبيل الإستطراد ، وأن الشيء بالشيء يذكر ، بشأن تفشي ظاهرة المخالفات القانونية ، فإن الأمثلة على قبول مخالفة التشريعات لجوء دائرة تسجيل الشركات إلى الاجتهادات والتبريرات لمعالجة ماهو مخالف لنص قانوني صريح وملزم ، مما قضى على القاعدة القانونية ((لا جدال في مورد النص)) ، منها عدم التقيد بالفترات الزمنية المحددة في قانون الشركات وقبولها عدم الإلتزام ببعض المتطلبات الواردة فيه نصاً أو صراحة وفي تعليمات النظام المحاسبي للشركات الأمر الذي جعل إدارات الشركات تخالف القانون أو النظام بدون إعتراض أو تنبيه أو توجيه من قبل الدائرة المذكورة . وكذلك مخالفة المصارف للتوقيتات الواردة في قانون المصارف التي منها موعد تقديم الحسابات الختامية السنوية المدققة وموعد توفيرها للمساهمين على سبيل المثال ، وعدم إعدادها لها وما يتضمنه التقرير السنوي لمجلس الإدارة وفق متطلبات القاعدة المحاسبية رقم (10) الصادرة من مجلس المعايير في جمهورية العراق . ومن الأمثلة الأخرى تساهل هيئة الأوراق المالية بقبول البيانات المالية الفصلية غير المنشورة، مما يخالف ما إشترطته أحكام القانون المؤقت لأسواق الأوراق المالية ، كما أنها تقبلها وإن لم تكن معدة وفق ((معايير المحاسبية الدولية)) حسبما طلبه القانون ، كخلوها من فقرة الإيضاحات عن البيانات المالية .
فقيام إدارات المصارف بإعداد البيانات المالية الفصلية ونشرها في جو تسوده المخالفات المقبولة يعني أن كل إدارة تنشر وفق ما تراه الذي قد يختلف عن رؤية غيرها ، إضافة إلى أن ما تعده أو تنشره هو مخالف لما هو مطلوب من قبل التشريعات والمعايير والقواعد المحاسبية ، فتصبح البيانات المالية غير قابلة للمقارنة ، وتتعسر مهمة المحلل المالي لعجزه عن المعالجة المنظمة للبيانات المالية المتاحة التي يُستهدف منها توفير معلومات تستخدمها إدارة المصارف في اتخاذ القرارات ، وفي تقييم أداء مصارفها ، وعدم تحقيق الغرض من التحليل المالي الذي هو ((التعرف على مواطن القوة والضعف في وضع المصرف)) .
إن نسبة الأرباح الإجمالية إلى موجودات المصرف أو ودائعه تهم بالدرجة الأولى إدارات المصارف للتعرف على مستوى أدائها ونتائجه أي ربحيته ، وتهم كذلك كبار المساهمين في رؤوس أموال شركات المصارف والمساهمين المؤسسين والمساهمين الأصليين ، الذين ُيعتبرون شركاء دائمين يحرصون على ما لديهم من أسهم شركة مصرفهم لا يفرطون بها أو يتداولونها أو يبيعون منها إلا عند الضرورة ، بل يسعون إلى زيادتها لأن ما يهمهم هو جودة كيان المصرف قبل ربحيته. أما النوع الثاني من نسب الأرباح لمعرفة حصة السهم الواحد من صافي الأرباح السنوية ، فهو ما ينتظره أو يتطلع إليه عموم المساهمين في رؤوس أموال المصارف على إختلاف أنواعهم ، وعلى الخصوص المستثمرين منهم في أسهم شركاتها والمساهمين الطارئين الذين يتداولون الأسهم عادة أو باستمرار في سوق المال التي إشتروها بغية الحصول على حصتها من الأرباح الصافية أو الاستفادة من فروقات الأسعار في حالة إرتفاعها . كما أن تقييم الأرباح هذا ُيكسب مستخدمي البيانات المالية معلومات جديدة وإن كانت تقديرية أو تخمينية إلا أنها مستندة أو مستقاة من مصادر موثوقة هي البيانات المالية التي تنـشرها إدارات المصارف وهي المسؤولة عن صحتها ، فيساعد هذا التقييم المستثمرين منهم المتداولون بالأسهم في اتخاذ قراراتهم الإستثمارية من بيع وشراء على أسس موضوعية بعيدة عن التكهنات والإشاعات التي لا سند لها .
لقد جرى تقدير الأرباح السنوية الصافية بتنزيل 20% من الأرباح الإجمالية المتحققة لأغراض إحتياطي رأس المال القانوني أو الإلزامي وحصة ضريبة الدخل منها ، وُتستخرج حصة السهم الواحد من صافي الأرباح بعد التوزيع بتقسيم مبلغها على عدد أسهم شركة المصرف كما هو وقت اتخاذ قرار الهيئة العامة بكيفية التصرف بالأرباح المتحققة في اجتماعها العام السنوي . وقد كشف الجدول النقاب مرة أخرى عن تصدر أحد المصارف صغيرة الحجم للمصارف الكبيرة وغيرها في مقدار حصة السهم المتوقعة من صافي الأرباح السنوية التقديرية ، إضافة إلى تفوق عدد اخر من المصارف صغيرة الحجم في هذه النسبة على التي هي أكبر منها . وقد بلغت حصة السهم الواحد من رأسمال المصرف صغير الحجم عندنا حوالي ضعف حصة سهم أكبر مصرف في المقارنة . وهذه الحالة لم تختلف كثيراً عما حدث لدى أكبر المصارف الخليجية ، بل صادف أن الفارق عندها أوسع قليلاً ، حيث بلغت نسبة أرباح (مصرف الراحجي / السعودية) إلى حقوق المساهمين 23.6% مقابل 10.5% نسبة أرباح أكبر تلك المصارف حجماً الذي هو (بنك الإمارات دبي الوطني/ الإمارات) .
ما هو مذكور هنا من أرقام وأرباح هو حسبما ورد في البيانات المالية الفصلية غير المدققة التي تنشرها المصارف الأهلية ، وإن الأرباح الصافية التي استخرجها الجدول هي تقديرية ،كما أسلفنا ، ومقدار رأس المال وقت التوزيع هو حسب المتوقع ، الأمر الذي ينبغي أخذه بنظر الإعتبار قبل الإعتماد عليها . علماً بأن ماسيقرر توزيعه ليس نفس الأرباح الواردة في الجدول بالضرورة لخضوع حسابات المصارف الختامية إلى تدقيق مراقبي الحسابات ، وإن ما سيكون قابلاً للتوزيع ليس الأرباح السنوية الصافية وحدها وإنما قد يضاف إليها الأرباح السابقة المدورة أو تنزل منها خسائر سابقة مدورة إن وجدت أو اقساطها.. وغير ذلك . وقد لا يتقرر أصلاً توزيع أرباح سواء نقداً (وهذا مستبعد لسعي إدارات المصارف إلى زيادة رؤوس أموالها) أم على شكل أسهم مجانية يُزاد بقيمتها الإسمية رأس المال إذا لم يكن قد وصل إلى الحد المقرر له ، بل وحتى إذا وصل ، نظراً لضرورة زيادته مرة أخرى ، وإنما قد ُتفضِّـل الهيئة العامة تدوير الأرباح المتجمعة إلى السنة التالية التي ينبغي خلالها زيادة رأسمال المصرف إلى ما لا يقل عن 150 مليار دينار .
الملاحظات والتعليقات

أحرز (المتحد) مركز الصدارة في نسبة أرباحه الإجمالية السنوية المتحققة قياساً بحجمه (مجموع الميزانية العامة) لتوفقه في الحصول على أرباح عالية جداً بالمقارنة مع أرباح جميع المصارف المقارنة الأخرى التي بلغ مجموعها معه (21) مصرفاً ، وذلك بالرغم من عدم كونه أكبر أقرأنه حجمـاً ، فأرباحه أكبـر مما ناله أي من أربـعة مصارف الأكبـر منه حجماً .
احتل (إيلاف) المركز الثاني في نسب الأرباح إلى مجموع الميزانية العامة على الرغم من تواضعه ، تلته أربعة مصارف غير كبيرة أيضاً نسب أرباحها أعلى من نسبة أرباح (الشمال) الكبير الحجم وهي حسب الأفضلية (الاتحاد ـ آشور ـ الموصل ـ الهدى ) .
أما نسب أرباح المصارف الأخرى التي زادت على المعدل العام للنسب البالغ 3.1% فقد اقتصرت على أربعة مصارف هي ( الاقتصاد ـ الشمال ـ الاستثمار ـ التعاون ) .
باقي المصارف البالغ عددها (11) مصرفاً إنخفضت نسب مراكز أرباحها السنوية عن نسبة المعدل العام لجميع المصارف المقارنة ، أفضلها نسبة (المنصور) ، ثم تلتها نسب (بابل ـ الخليج ـ دجلة ـ كردستان ـ الأوسط ـ بغداد ـ الأهلي ـ الائتمان ـ السلام ـ الإسلامي) . ومن الواضح وجود خمسة من المصارف كبيرة الحجم بين هذه المصارف عجزت عن تحقيق أرباح توازي أو تتوافق مع أحجامها ، مما يستوجب تقديم التوصية لإدارتها العليا بالتحري للوقوف على أسباب تدني أرباحها مقارنة مع أرباح غيرها والعمل على تلافيها حفاظاً على مستوى مصارفها الراقي الذي يؤمل منه أو يُفترض فيه أن يستمر في النمو والتطور بمرور الزمن .
إذا انتقلنا إلى احتساب حصة شركة المصرف من الأرباح السنوية الصافية نجد أن أفضلها هو (إيلاف) الذي بلغت نسبة الحصة عنده 23.3% أي أعلى من نسبة (المتحد) البالغة 21.4% الذي كان الأول في نسبة الأرباح الإجمالية إلى حجمه. تلاهما في الأفضلية وبما يوازي أو يفوق نسبة المعدل العام التي هي 10.8 % (الشمال ـ الموصل ـ الإقتصاد ـ بغداد ـ الإتحاد ـ آشور ـ الإستثمار) . أما المصارف الأخرى البالغ عددها (12) مصرفاً ، فإن نسب أرباحها التقديرية الصافية إلى رؤوس أموالها أوطاً من المعدل ، وهي إعتباراً من أعلاها (الخليج ـ كردستان ـ الأوسط ـ الهدى ـ بابل ـ دجلة ـ الائتمان ـ التعاون ـ المنصور ـ الأهلي ـ السلام ـ الإسلامي) . وهنا نجد أيضاً أربعة مصارف كبيرة الحجم لم تتمكن من تدبير حصة جيدة أو مناسبة لسهم شركاتها من صافي الأرباح المتحققة ، والتي هي نفس المصارف المشار إليها في الفقرة السابقة عدا (بغداد)، الأمر الذي يعزز إعادة تقديم التوصية السابقة لإدارتها العليا.
تألقت في هذا التقييم أسماء مصارف صغيرة الحجم ، منها ما هو حديث التكوين ، لكونها حققت أرباحا عالية ليس في نسبها وإنما في مقاديرها أيضاَ التي تجاوزت ما حققته مصارف كبيرة الحجم . هذا من جانب مقدار الأرباح ، أما من حيث النسب فقد تميزت تلك المصارف الصغيرة في إحرازها مراكز صدارة أو متقدمة بين المصارف المقارنة في تقييم أرباحها تبعاً لحجم المصرف أولاً ولرأسماله المدفوع ثانيا معاً . أفضلها بالطبع (إيلاف) ، ثم ( الاتحاد ـ الموصل ـ آشور ـ الاستثمار ) .
ولابد من التذكير أن نسبة حصة السهم من الأرباح الصافية ، احتسبت تبعا لقيمتها الإسمية البالغة ديناراً واحداً للسهم الواحد وليس لسعر أو كلفة شرائه التي لا نعرفها ، فهي تختلف بين مستثمر واخر ، إذ يتحدد بموجبها العائد على المبلغ المستثمر الذي هو بيت القصيد .