دستور السودان الجديد يجعل روبرت هاو ملكا لملوك العالم!

دستور السودان الجديد يجعل روبرت هاو ملكا لملوك العالم!

لقد اصبح السر روبرت هاو الحاكم العام للسودان – بحكم الاوضاع القائمة.. ملكا تفوق سلطاته، سلطات جميع الملوك في العالم، وفي اي عصر من عصور التاريخ!
ولو اقرت الجمعية التشريعية دستور السودان الجديد الذي بدأت في مناقشته منذ اول امس – الاثنين – فان السير روبرت هاو سيصبح وحده، لاجل غير محدود، ودون ما معقب على تصرفاته، السيد المطلق في السودان ومستقبله!

لقد وضع الدستور الجديد في يد السير روبرت هاو السلطات التالية:

1- اصبح الحاكم العام هو رأس الدولة الاعلى.
2- اصبح للحاكم العام حق الاعتراض على اي قانون.
3- اغتصب الحاكم العام لنفسه صفة حامي حمى جنوب السودان فقد نص في الدستور على:
* ان للحاكم العام سلطة مراقبة اي تشريع للجنوب.
* ان للجنوب مقعدين في مجلس الوزراء يطلب الحاكم العام استقالة الوزارة كلها اذا رأى احد الوزيرين الجنوبيين ان يستقيل.
4- اصبح للحاكم العام حق اقالة الوزارات وحل مجلس النواب.
5- اصبح من حق الحاكم العام في اي وقت ان يوقف العمل باحكام الدستور وان يحكم السودان بوساطة مجلس مستشاريه مباشرة.
6- احتفظ الحاكم العام لنفسه بحق توجيه السياسة الخارجية.
7- احتفظ الحاكم العام لنفسه بحق الاشراف على قوات الدفاع.
8- احتفظ الحاكم العام لنفسه بحق الاشراف على كل ما يتعلق بالموظفين في حكومة السودان.
9- لم يعين الحاكم العام موعداً لتقرير المصير.
10- لم يشر الحاكم العام الى القوة التي يستمد منها سلطاته.. بل لم يشر بحرف الى دولتي الحكم الثنائي.

قصة الدستور
والمفروض ان المناقشة في الجمعية التشريعية ستستغرق خمسة عشر يوما تستعرض فيها مواد الدستور الجديد مادة مادة ولكن من المشكوك فيه ان تستطيع الجمعية التشريعية ان تعدل في الدستور كلمة واحدة.
وما من شك في ان اصواتا متفرقة سوف تنبعث في اركان قاعة الجمعية التشريعية في ايام المناقشة ولكن هذه الاصوات لن تزيد على مجرد شرشرة خافتة مع الاسف الشديد لان المعارضة للدستور الجديد معارضة ضعيفة واكثر من ضعفها معارضة منقسمة على نفسها.
ولقد كانت الفرصة فسيحة امام هذه المعارضة لتتكلم، وتناقش، وتعمل ولكن هذه المعارضة تركت الوقت يمر.
لقد شكل الحاكم العام لجنة وضع الدستور برئاسة القاضي ستانلي بيكر منذ شهور طويلة، وبدأت اللجنة عملها ثم تقرر حلها لان الخلاف دب بين اعضائها ولقد استقال من اللجنة خمسة من اعضائها هم الاساتذة:
* محمد احمد محجوب.
* الدرديري محمد عثمان.
* ميرغني حمزة.
* حسن عثمان اسحاق.
* عبد اله ميرغني.
وكان سبب الخلاف ان الاعضاء المستقيلين رأوا ان تحل محل الحاكم العام – الذي انتهى وضعه القانوني بعد اقدام مصر على الغاء اتفاقيتي الحكم الثاني – لجنة دولية تشرف عليه حتى موعد تقرير المصير الذي راى الاعضاء المستقيلون تحديده بسنة 1953.
وتحايل الحاكم العام على الاوضاع.. فقد اصدر امره بحل لجنة وضع الدستور ثم اصدر امره في نفس الوقت الى القاضي ستانلي بيكر رئيس اللجنة الانجليزي بان يكتب له تقريرا كاملا يستوحي فيه مختلف الاتجاهات التي بدت اثناء مناقشات لجنة وضع الدستور!
وكتب القاضي ستانلي بيكر تقريره ورفعه الى الحاكم العام الذي قام بتحويله الى "السير كاننج" المستشار القاضي الانجليزي لحكومة السودان لكي يضع على اساسه دستوراً للحكم في السودان.

كيف ينظرون اليه
وفي كل مرحلة من هذه المراحل كان في وسع المعارضة في السودان ان تنشط وان تعمل وان تجاهد، ولكن هذه المعارضة تركت الوقت الغالي يمر بهدوء وسلام حتى انتقل مشروع الدستور بالفعل الى داخل الجمعية التشريعية ويمكن تلخيص موقف الجماعات في السودان من الدستور الجديد كما يلي:
1- اهل الجنوب
ان الوسيلة الوحيدة لمعرفة رأي الجنوب المغفل المحاط بالاسرار هي سماع اراه ممثليه في الجمعية التشريعية في الخرطوم، وزعيم هؤلاء هو "السيد بوسيجيو" و"السيد بوسيجيو" يبدو متحمسا للدستور الجديد اكثر من السير روبرت هاو والسير كانتج والقاضي ستانلي بيكر مجتمعين!!
2- السيد عبد الرحمن المهدي باشا
لم يبد السيد عبد الرحمن المهدي باشا رأيه صراحة في الدستور، ولكن اقرب المقربين اليه وبعضهم من زعماء الجمعية التشريعية التي ستنظر الدستور، بل وبينهم ايضا السيد الشنقيطي رئيس هذه الجمعية يرون: ان الدستور الجديد وان كان لا يحقق اطلاقا امل السودان في الاستقلال الا انه خطوة لا بأس بها الى الامام.
وهذا الرأي ايضا هو رأي حزب الامة الذي يرأسه السيد صديق المهدي ويتزعمه السيد عبد الله خليل بك.
3- السيد علي الميرغني باشا
لم يقل السيد علي الميرغني باشا شيئا عن الدستور، لا بالتأييد ولا بالمعارضة، وفضل سيادته ان يترك الامور تجري على هواها!
4- الحزب الجمهوري الاشتراكي
ويجاهز هذا الحزب الذي يضم عددا كبيرا من زعماء القبائل والعشائر في السودان بموافقته على الدستور.
5- الجبهة الوطنية
ان الجبهة الوطنية التي يرأسها الاستاذ الدرديري احمد عثمان تعارض في الدستور بوضعه الحالي بحكم ان رئيسها كان من بين اعضاء لجنة الدستور، وكان احد الخمسة المستقيلين من اللجنة احتجاجا على عدم تحديد حق تقرير المصير وتقوم الجبهة الوطنية – للانصاف – بالجهد الوحيد الايجابي في معارضة الدستور بالخرطوم.
6- حزب الاشقاء.. ومؤتمر السودان
لم يقم الاشقاء باي جهد واضح مركز لمقاومة الدستور برغم ان الظروف كانت تقضي بان يكونوا هم وحدهم المعارضة كلها.
ويلقي عدد كبير من زعماء الاشقاء كل المسؤولية على الاستاذ اسماعيل الازهري بك الذي يقيم في القاهرة حتى الان – ومنذ ثلاثة شهور تقريبا – دون ان يتحرك ويعود الى الخرطوم ليبدأ المعركة.
والامر في مؤتمر السودان الذي يرأسه الاستاذ نور الدين بك هو نفسه بالنسبة للاشقاء، فان الاستاذ نور الدين ايضا يقيم في القاهرة حتى الان.!
7- صحافة السودان
ان صحافة السودان منقسمة وراء الاحزاب في شأن الدستور الجديد، وهي تمثل في تباين ارائها واتجاهاتها تباين الاراء والاتجاهات السياسية نفسها.
وقد كتب الاستاذ احمد يوسف هاشم صاحب جريدة السودان الجديد مقالا في جريدته يقول:
ان الدستور الجديد حصل من الحاكم العام ملكا لكل ملوك العالم!
واعطى الحاكم الذاتي للموظفين الانجليز في السودان.. وليس لشعب السودان! وجعل من الجنوب دولة ثانية داخل الدولة الاصلية! واعطى للدولة الثانية حق التحكم في مصير الدولة الاصلية!!

قبل البداية!
وفي هذا الجو تجري مناقشات الدستور الجديد.
والعجيب ان مواعيد الانتخابات التي ستجري على اساسه قد تم تحديدها قبل ان تنتهي الجمعية التشريعية من مناقشة مواده.. بل قبل ان تبدأ هذه المناقشة!!
آخر ساعة/ نيسان - 1952