3 رجال..يحكمون تركيا

3 رجال..يحكمون تركيا

كانت تركيا تسمي نفسها صديقة المانيا وحليفة بريطانيا، ولا شك ان في هذا تناقضا عجيبا.. ولكن تركيا عرفت دائما بانها بلاد التناقض والاعاجيب (وبالرغم من انها بلاد الديمقراطية.. إلا ان حكامها الحقيقيين ثلاثة رجال لا غير).
واشهر الثلاثة هو عصمت اينوتو زعيم الدولة والثاني المارشال فوزي قاقماق كبير القواد الحربيين، والثالث السيد سراج اوغلوا رئيس الوزراء..

وحياة الزعماء الثلاثة تفسر تناقض السياسة التركية..

الأول
فالاول يحكم الدولة من مكتبه الامريكاني المجهز باجهزة تكييف الهواء، وعشرات من عدد التليفون والميكروفنات، ومئات من الاجراس!
ويبدو عصمت اينوتو في مظهره اقرب الى كاتب في الدرجة التاسعة منه الى رئيس جمهورية..
فهو ضئيل الحجم، لا يتحدث الا في خف، ولا يبتسم الا في حياء ومظهره يدل على انه في الاربعين ولكن الواقع انه في السبعين من عمره ولضآلة حجمه وضخامة تأثيره يسمونه بين الكواليس في تركيا "الفلفل".
ولقد اشتهر هذا الرئيس بقدرته على سماع ما يريده والتظاهر بالصمم في الوقت المناسب.
وهو رجل حربي قبل ان يكون من السياسيين.. ولكنه ترك الحروب، ولم يعلق به الا اسم "ايتونو" وهي الموقعة التي هزم فيها جيوش اليونان.
ويعيش الزعيم التركي في برج عاجي، بخلاف سلفه اتاتورك الذي كان يرقص حتى الصباح وينتقل في الليل من كباريه الى ناد ليلي.
ولقد قابله اخيراً احد الصحفيين الامريكيين، وطلب منه ان يشرح سياسته التي حيرت الحلفاء الالمان، فاجاب:
- ان المانيا لا تستطيع ان تحمي ظهرها بغير الدردبيل، وتركيا لن تتنازل عنه باي حال من الاحوال. وما دامت بريطانيا لا تستطيع وضع يدها على هذه المضايق فهي تؤيدنا في موقفنا.
"ونحن نشعر ان بريطانيا قد فهمت اخيراً لغتنا، وهي لغة نهضة الشرق وعلى رأسه تركيا.. ولكن المانيا لا تفهم لغة غير لغتها، ولا تنظر الى الشرقيين الا كما ينظر الاسياد الى العبيد.
"وليس لتركيا اطماع استعمارية ولكن لها اهداف سياسية واقتصادية وهي ان تحافظ على كيانها واستقلالها بجيشها لا بجيوش غيرها.
ولما سأله الصحفي:
- متى تدخل تركيا الحرب؟
تظاهر رئيس الجمهورية بالصمت ووقف مجيبا وهو يقول:
- هل انت مضطر للانصراف وصاح الصحفي الامريكي
- ابداً.. انني كنت اسألك متى تدخلون الحرب؟
- وربت رئيس الجمهورية على كتف الصحفي وهو يقول:
- بكل سرور.. انني ارحب بزيارتك القادمة في الموعد الذي تحدده!
وحياة عصمت اينوتوتفسر لنا التناقض في السياسة التركية.. فقد تعلم في المدارس الحربية الالمانية وحارب في صفوف الجيش الالماني اثناء الحرب الماضية، ولكنه كره في الالمان الصلف والغرور، واحب في اعدائه الانجليز التواضع والجلد.
ولقد استطاع عصمت ان يسير على صراط الحياد المستقيم خمس سنوات. ولم يؤثر على اتزانه صياح متفرجي اليمين او صفير نظاره اليسار..
وساعدته على ذلك عاهة الصمم.. او "عاهة الجيب".. تلك العاهة التي كان يستغلها عند الطلب، او على الاصح عندما يلتقي بسفراء الحلفاء والالمان على السواء..
الثاني
والزعيم الثاني في تركيا هو المارشال قاقماق، ومعناها بالتركي الفولاذ..
وقاقماق في سن الستين، غير انه قصير القامة ضخم الجثة، عابس الوجه لايبتسم عادة الا بعد انتهاء المناورات السنوية!
وهم متمسك بتقاليد الاسلام ويفخر بانه لم يذق الخمر في حياته، وانه حدث ان خرج في احدى المعارك فقدموا اليه جرعة من الكونياك، فحطم الزجاجة بين سخط زملائه الضباط!
وهو لا يحب الالمان، ولكنه تعلم الكثير من تعاليمهم وخططهم الحربية. وبهذه المعلومات استطاع ان يحول الجيش التركي القديم الى جيش حديث المعدات.
والجنود الاتراك مجهزون باحدث المعدات الحربية، ويبلغ عددهم مليونا ونصف مليون جندي، وللاهالي خبرة واسعة بحرب العصابات، وقد استطاعوا بهذه الدراية ان يحيروا اليونان والحلفاء منذ عشرات الاعوام..
الثالث
والثالث هو السيد شكري سراح اوغلو، وهو في الخامسة والخمسين من عمره، قصير القامة، ملئ الجسم، وقد نشأ نشأة بسيطة وبدأ حياته محاميا بسيطا في قرية تركية، ثم اشتغل بالسياسة، وقطع طريقه بسرعة في الميدان السياسي.
ولا يبدو على وجه سراج اوغلوا العلامات التي تظهر عادة على وجه الرجل السياسي.. فمنظره يدل على انه في دهشة مستمرة، والنظارة الامريكية التي تغطي عينيه تجعله اقرب الى موظف في بنك من رئيس وزارة، وهو يحب الامريكان، ويتحدث على الطريقة الامريكية، فيحرك يديه وعينيه اثناء الحديث!
وهو محبوب بين افراد الشعب لانه يبتسم دائما، ويرقص دائما.!
ورقصته المحبوبة هي رقصة "الدبكة" ولقد تقلد وزارة الخارجية من سنة 1938 الى سنة 1943. وفي تلك الفترة رأى هتلر يزحف على اوروبا فيبتلع مسالك ويقضي على جمهوريات رأى الجيش الالماني يزحف حتى يصل الى ابواب تركيا.
ويقول الاتراك: ان سر عدم هجوم الالمان على بلادهم هو مرونة رئيس الوزراء.. فلقد بقي صامتا لا يفتح فمه الا ليلقي اليهم بالوعود الخلابة!
كان الالمان في حاجة الى معدن الكروم، فوعدهم بالمعدن المطلوب..
ولاحظ الالمان ان تركيا تظهر من الصداقة نحو الروس ما يثير الشك، فما كان من رئيس الوزراء الا ان ادار ظهره الى ستالين.
ولقد نجحت سياسة سراج اوغلوا نجاحا عجيباً، فاستطاع في السنوات الخمس ان يقوي الجيش التركي، ويضاعف معداته عشرات المرات، وان يرفع مستوى المعيشة في بلاده بفضل الذهب الانجليزي والبضائع الامريكية والماكينات الالمانية.
والان وقد نفذ برنامجه اصبح في استطاعته ان يخلع نظارته الامريكية ويخرج لسانه للهرفون بابن سفير المانيا في اسطنبول.
الأثنين والدنيا / آب- 1944