الدكتور غانم حمدون.. الرفيق والصديق الذي رحل عنا

الدكتور غانم حمدون.. الرفيق والصديق الذي رحل عنا

وداد عبد الزهرة فاخر
لا أريد أن استشهد بفقدان العزيز الدكتور غانم حمدون ببيت الشعر الذي انشده عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وهو من شعراء صدر الاسلام، الذي يقول فيه :
ذَهَبَ الذينَ أُحِبُّهُمْ وبَقِيتُ مَثْلَ السَّيْفِ فَرْدا
فالاستسلام للألم، والانسياق مع المصيبة، هي مصيبة أخرى، وإحباط لا حد له، في زمن كثرت فيه المصائب، وندرت فيه السعادة النسبية.

ويوم تعرفت شخصيا على الفقيد كنت قد كتبت عن الأديب والروائي ذنون ايوب، بعد ان جرى الحديث عنه وعن تراثه الادبي، ووجود بعض المخطوطات العائدة له التي لم تنشر والتي كانت، في عهدة احد اطباء الاسنان العراقيين في العاصمة النمساوية حيث أقيم. وكتبت انذاك وفي العام 1998، وفي جريدة المؤتمر المعارضة التي كانت تصدر في لندن، عن الراحل ذنون ايوب وخاصة روايته”كوجكا”كما كان يطلق هذا الاسم على زوجته اليوغسلافية، أي”القطة”، وعن تراثه الموجود بفيينا.
وبعد ايام من نشر مادتي جاءني اتصال تلفوني من لندن ليقول لي المتصل : أنا الدكتور غانم حمدون، وكنت اعرف أن غانم حمدون كان رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، وكنت اشارك بالكتابة في”فن وادب”التي يحررها صديقي ورفيقي السابق الشاعر المرحوم مهدي محمد علي، وكنت ايضا مراسل”رسالة العراق”التي كانت تصدر عن حزبنا الشيوعي العراقي في لندن. وجرى بيننا حديث طويل ابتدأه الراحل حمدون بعبارة”هل تعرف ان ذنون أيوب هو خالي؟”، ولأنني لا اعرف هذه الحقيقة فقد رحبت باتصاله، وطلبت منه ان يصحح لي بعض ماورد من معلومات استقيتها ممن عايشه بفيينا. وهكذا بدأت علاقة الصداقة التي استمرت فيما بيننا بواسطة الهاتف.
وكنت أجد بساطة وأناقة ألفاظ، وادب جم في كل حديث يجرى بيننا، حيث التواضع ودماثة الخلق، والهدوء في تناول الموضوع.
ويوم كتبت في المؤتمر أيضا بعد جدال حول مكان دفن الفقيد ذنون إن كان كما ادعى البعض بمقبرة فيينا المركزية، او في العراق كما ادعى البعض الأخر، ثم اخبرني احد الأصدقاء وهو المرحوم وابن البصرة يعقوب ارشاك بان هناك شخص كان اقرب الناس للراحل ذنون ايوب، وهو الفنان الرسام محمود شاكر، مترجم السفارة العراقية بفيينا سابقا، واتصل به لمواجهتي بغية سؤاله عن مكان دفن ذنون ايوب فاخبرني بأن هناك قرار صدر عن الحكومة العراقية بنقل جثمان المتوفين من العراقيين لأرض الوطن، وكان ذنون ايوب أحد المستفيدين من ذلك القرار، وتم نقله للعراق حيث دفن هناك. وجاءني بعد يومين من ذلك التاريخ اتصال من الفقيد الدكتور غانم يؤكد هذه الحقيقة لننشرها كتصحيح للخبر السابق.
وهكذا تعمقت وتيرة علاقتنا، مع دوام السؤال عن الحال، وأمور الدنيا، والنشر والأدب، وما يحصل داخل الوطن في زمن الدكتاتورية، وما يلاقيه شعبنا جراء تعسفها.
وبعد فترة من الحديث عن تراث ذنون ايوب وما تركه من مخطوطات لم يتم نشرها اتصل بي الفقيد ليخبرني بان نجل ذون البكر الموجود في روسيا تحدث معه عن أحقية العائلة بما تركه والده من تراث لم يتم نشره، وطلب رأيي بذلك فأيدت ما طرحه ابن خاله ذنون ايوب واخبرته بأنني سأتفاهم مع صديقي الدكتور والصحفي زهير المخ الذي اخذ ما تبقى من تراث خاله ذنون ايوب، واحتفط به في بيته في فيننا لكي نعيده لعائلته بموجب الأحقية. وفعلا اتصلت به بعد موافقة صديقي الدكتور زهير، وجرت بعد ذلك اتصالات بالمعني اليه بيني وبينه وهو نجل الروائي ذنون ايوب وجاء لفيينا وتسلم ما تبقى من تراث والده.ويوم توفيت زوجة ذنون ايوب”الكوجكا”في يوغسلافيا، نشرت خبر وفاتها، وارسلت تعزية بوفاتها للفقيد العزيز الدكتور غانم.
لكن ظلت علاقتي ممتدة مع الفقيد العزيز الصديق والرفيق الدكتور غانم حمدون، الرفيق والانسان الرائع الذي يفيض أدبا، وحسن خلق، ودعة، ووداعة.
الذكر الطيب للرفيق والصديق العزيز الدكتور غانم حمدون الذي نفقده، وهو العزيز في زمن الجدب، والصبر والسلوان لكل آله وأحبته، وأصدقاءه ومريديه.