أوّل كتاب قرأته...هادي ياسين: معلمي أعارني أول كتاب

أوّل كتاب قرأته...هادي ياسين: معلمي أعارني أول كتاب

عندما كنتُ طالباً في المرحلة الابتدائية، لا أدري من أين كان والدي يجلب لي مجلتَي (سمير) و (بساط الريح) فأضع قدميّ على طريق القراءة ونحن نعيش في قرية نائية منسية على ضفة شط العرب في جنوب البصرة. هذه الطريق قادتني الى شابٍ في قريتنا، يكبرني سناً، إسمُهُ”عبدالسلام"، كان مولعاً بقراءة المجلات التي يجلبها من المدينة،

من بين هذه المجلات كانت مجلة (العربي) الكويتية هي التي شدتني أكثر من سواها، فكنتُ أستعير أعدادها منه واستمتعُ بقراءة مواضيعها المتنوعة، ما أوجد لديّ متعةً في القراءة و قد توسعت معرفتي البسيطة تدريجياً، و أدركت أن هناك حقولاً للقراءة هي غير حقول الكتب المدرسية المحددة، فهذه الكتب إنما هي مفاتيح للمعرفة و الثقافة في نهاية المطاف.
لم تكن في قريتنا (الزيادية) مدرسة، مدرستنا كانت في قرية أخرى، يفصلها نهرٌ عن قريتنا، إسمها (المحيلّة) وتحمل المدرسة إسمَها. بطبيعة الحال لا يوجد في المدرسة معلم للتربية الفنية، هذه المادة توضع ـ عادة ـ بصورة شكلية في جداول التعليم في المدارس العراقية. و في مدرستنا أوكلت هذه المادة الى معلم التاريخ (أستاذ راشد)، ذي العينين الخضراوين والشارب الكث.
ماذا كان (أستاذ راشد) يعمل في حصة التربية الفنية؟ كان يُخرجنا الى الساحة القاحلة للمدرسة ويطلقنا، فيما يجلس هو على كرسي قرب ما تسمى (حديقة المدرسة) و يقضي وقت الحصة مستغرقاً في قراءة كتاب. كل مرة كان يفعل ذلك، ومع الصفوف الأخرى. ذات مرة دفعني الفضول واقتربتُ منه وهو مستغرقٌ في القراءة، وطلبتُ منه أن يعيرني واحداً من كتبه التي يقرأُها. نظر اليّ باستهزاء وحاول أن يصرفني، على الرغم من أنه يعرف جيدأ أنني المجتهد الأول في المدرسة وأنال أعلى الدرجات في مادة التاريخ عنده. رضخ ـ في النهاية ـ أمام إصراري، فوعدعني أن يجلب لي كتاباً في اليوم التالي. ذاك كان كتاب (عباسة أخت الرشيد) للكاتب”جورجي زيدان"، فرحتُ بذلك أيما فرح وتباهيت أمام زملائي بأن معلمنا يعيرني كتباً مما يقرأ. بعد يومين أعدت اليه الكتاب، فتفاجأ، وعمل اختباراً لي ليتأكد من صدقي في القراءة، فرويتُ له كامل مضمون الكتاب، فرح كثيراً، و أشاد بي أمام زملائي، بعدها أعارني جميع كتب”جورجي زيدان”، ثم تحول الى كتب”المنفلوطي”ثم كتب”نجيب محفوظ”.. و قد أخذ بيدي. أما أول كتابٍ غير عربي قرأته فهو رواية (بائعة الخبز) للفرنسي”كزافيه دي مونتابين”، وقد اشتريتها من بائع كتب على الرصيف في المدينة.