آخر كتاب: همنغواي يتذكر سنوات الجنون في باريس

آخر كتاب: همنغواي يتذكر سنوات الجنون في باريس

كه يلان محمد :
القراءة هي مثل سباق التتابع كل كتاب يوصلك الى كتاب آخر الى أن يكادُ الزمن غير محسوب خارج عملية القراءة. آخر ما قرأتُه هو كتاب (ولية مُتنقلة، باريس عيد) للكاتب الأمريكي أرنست همنغواي الذي حاز على جائزة نوبل للآداب سنة.1954يدون الكاتبُ في هذا العمل ذكرياته في باريس إذ نشر في عام 1963بعد إنتحار صاحب (الشيخ والبحر) سنة 1961

هنا يطلعُ القارئ على تجارب همنغواي مع الكتابة والحياة إذ تُرى بأن أرنست همنغواي قد حولَ حياته بأكملها الى القصص والروايات دون أن يخسر الحياة مقابل مُغامرة الكتابة بل أنه كان يستمدُ من حياته الشخصية مواد أعماله القصصية والروائية كما أن الكتابة لديه كانت بمثابة دافعٍ ليشرع الباب على مصراعيه على رهانات الحياة، فهو كان مُراسلاً صحافياً لتغطية الحرب الأهلية الإسبانية بين الجنرال فرانكو والجمهوريين وأثمرت هذه التجربة روايته (لمن تُقرعُ الأجراس) وعندما لم يُقْبلْ مجنداً في الحرب العالمية الأولي لأنَّ باطن رجله مُسطح لايكفُ همنغواي من الإلحاح حتي أصبحَ سائق سيارة الإسعاف وأرسلوه الى الجبهة الإيطالية،يُشارُ الى أن السنوات التي عاش فيها همنغواي ب(باريس) يسميها الفرنسيون بسنوات الجنون،ويَذكرُ مؤلف (وداعا أيها السلاح) طبيعة الحياة بمدينة النور إذ يقولُ بأن المرءَ يشعر بالجوع كثيراً في باريس لأنَّ واجهة المخابز مزينة بحلويات لذيذة، وحين كان يداهمه الجوعُ ولا يجدُ ما يسددُ به ثمنَ الطعام يسلك طريق المتحاف ليطالع اللوحات لاسيما في متحف اللكسمبورغ حيثُ يقول همنغواي أنَّ الجوع عمق فهمي للوحات (سيزان) وكنتُ أتساءلُ ما إذا كان سيزان جائعاً عندما رسمَ لوحاته وإفترضتُ أن هذا الرسام نسي أن يأكلَ وهو يرسمُ تُحفه الفنية، ومن ثُمَ يستخلصُ همنغواي حتي من الجوع رؤية مُقتنعاً بأنَّ الجوع نظام جيد وبإمكانك أن تتعلم منه، هذا يكشفُ ما تتصف به شخصية الكاتب من القدرة على التأقلم مع ظروف صعبة وإيمانه بأنَّ نهر الحياة لايتوقف ودائماً يوجد ما يُعَضِدُ إعتقاده بضرورة البحث عن أوجه جديدة للحياة، بجانب ذلك يتفاعلُ أرنست همنغواي مع الفصول إذ يعجبه فصل الربيع ويقرب لك صورة بديعة لحلول الربيع في باريس حيث يمكنك من خلال الأشجار رؤية الربيع وهو يقترب،هذا مايعني أن همنغواي مداركه منفتحة وذائقته صافية، كان يقيمُ همنغواي في شارع الكاردنال لوموان مع زوجته هادلي ويبدو مما يذكره الكاتب أن علاقته مع هادلي مبنية على الحب العميق والتفهم والإحترام،ينخرط همنغواي في أطياف المجتمع الباريسي ويرتادُ مقاهيه وحاناته ويتواصل مع الشعراء والأدباء والفنانين ويقيم علاقات وثيقة مع بعضهم مثل الكاتبة غير ترود شتاين حيث يناقش مع الأخيرة حول مواضيع أدبية مايعطيك تصوراً عن إهتمامات همنغواي والكتب التي كان يقرأها فهو قد راق له د.ه.لورانس لاسيما روايته (أبناء وعشاق) كذلك الطاوس الأبيض، كما هو مُعجب بتولستوي ويعتقدُ بأن صاحب (الحرب والسلام) جعل كتابات ستيفن كرين عن الحرب الأهلية الأمريكية تبدو كأنها تخيلات لامعة لطفل مريض لم يرَ الحرب، كما يضم هذا الكتابُ حواراً شيقا بين همنغواي وإيفان شبمان حول الأدب الروسي وأعمال دوستويفسكي هذا فضلاً عما يذكره الكاتبُ عن تقديره للشاعر إزرا باوند وإخلاص الأخير لأصدقائه إذ أراد همنغواي أن يعلم الشاعر الملاكمة كماكان يلعب معه التنس، وصاحب همنغواي الكاتب الأمريكي الشهير (سكوت فيتزجرالد) مؤلف رواية (غاتسيبي العظيم) حيث كان يعاني من فوبيا مرض إحتقان الرئة ويشكو لصديقه همنغواي ما ينغضُ حياته الأسرية مانعتبره ضروريا في هذا السياق أن همنغواي يبدأ بالقراءة بمجرد توقفه عن الكتابة ويرى بأنَّه من الخطأ أن تواصل التفكير في ماتكتب و تفقدُ الشيء الذي تكتبُ عنه. مايميز هذا الكتاب هو أسلوبه السلس الشيق وإهتمام الكتاب بإيراد تفاصيل حياته اليومية وبذلك تدرك بأنَّ همنغواي لم يكن كاتباً روائياً فقط بل عمل مراسلاً صحافيا وشغف بمتابعة مسابقة الخيل ولعبة التزلج والمراهنات والقمار وعشق المقاهي فبالتالي عشق الحياة وانت تنتهي من قراءة الكتاب لاتُصدق بأنَّ مؤلفه قد إنتحر! الكتاب من ترجمة الكاتب العراقي /علي القاسمي