(قوانين الحب الأربعون) : رواية عن التصوّف.. وحوار الحضارات والأديان.. والحب

(قوانين الحب الأربعون) : رواية عن التصوّف.. وحوار الحضارات والأديان.. والحب

د : علي عبد الامير صالح
تحكي لنا رواية (قوانين الحب الأربعون) قصتين متوازيتين تعكس كل منهما صورة الأخرى عبر ثقافتين مختلفتين جداً وعبر سبعة قرون هي المدة الزمنية التي تفصل بينهما.
إيللا روبنشتاين ذات الأربعين عاماً ربة بيت اعتيادية وتعيسة تعيش مع ثلاثة أولاد وزوج غير وفي، إلا أن حياتها تبدأ بالتبدل بصورة درامية حين تعمل بصفة قارئة لمصلحة وكالة أدبية.

وأول واجب تُكلف به هو قراءة وتقييم رواية تحمل عنواناً مغوياً ألا وهو (تجديف حلو)، حول شاعر القرن الثالث عشر الميلادي جلال الدين الرومي ومعلمه الصوفي المحبوب شمس التبريزي. المؤلف روائي غير معروف اسمه عزيز زهارا، وهذه هي أول رواية له، يقيم في مدينة أمستردام في هولندا، مع كتبه، وقططه، وسلاحفه حينما لا يكون في إحدى جولاته حول العالم. في البداية لا ترغب إيللا في تقييم كتاب حول زمان ومكان مختلفين عن زمانها ومكانها، هي التي تعيش في مدينة نورثامبتون بولاية ماساشوسيتس الأمريكية في سنة 2008. وفي الحال تجد إيللا نفسها أسيرة الرواية والرجل الذي دوّنها. لم تكنْ إيللا تعرف أن هذا الكتاب سوف يغير حياتها ؛ وفي الوقت الذي كانت تقرأه، كانت حياتها تُكتب من جديد. تبدأ إيللا بمغازلة الكاتب عبر الرسائل الإلكترونية (الإيميلات). وفيما هي تقرأ الرواية تبدأ بمساءلة الطرائق الكثيرة التي اعتادت عليها من أجل أن تعيش حياة اعتيادية خالية من الولع والحب الحقيقي.
في قلب الرواية التي تطالعها إيللا يظهر الدرويش المتجول، اللافت، شمس التبريزي، وهو محرّض يتحدى الحكمة التقليدية والانحيازات الاجتماعية والدينية حيثما يصادفها. إنه يفتش عن رفيق روحي حكم عليه القدر أن يقوم بتعليمه. غرضه الروحي هو أن يحوّل طالبه الرومي – وهو واعظ غير صوفي، محبوب، راضٍ عن نفسه – إلى واحدٍ من أعظم شعراء العالم،”صوت الحب”، أو”شكسبير العالم الإسلامي”، كما يُدعى غالباً. الرومي يرغب في الاستجابة، إلا أن أسرته ومجتمعه يستاءان استياءً عميقاً من شمس التبريزي لأنه يفسد طريقة حياتهم المستقرة. الرومي رجل نال الإعجاب والتبجيل في مجتمعه ولابد أن يرشده شمس إلى ما وراء رفاهية الطريقة المحترمة للحياة، إلى ما وراء القناعات الضحلة للذات. في 1244 وفي مدينة قونيا بآسيا الوسطى، يلتقي الرومي بـ شمس. وهذا اللقاء غير المتوقع يغير حياتيهما معاً. وفي الوقت نفسه يؤشر إلى بداية صداقة متينة وفريدة شبهها الصوفيون خلال القرون التالية باتحاد محيطين. ومن خلال لقائه بهذا الرفيق الاستثنائي، تحول الرومي من رجل دين منغلق إلى صوفي منهمك، وشاعر مشبوب العاطفة، ومدافع عن للحب، ومنشئ الرقص النشوان للدروايش المدومين، ورجل جريء في التحرر من القوانين التقليدية.
تجتذب إليف شفق الحقائق من سيرة حياة كل من الرومي وشمس التبريزي وتعيدها إلى الحياة عبر سرد بارع ونابض بالحيوية. القوانين الأربعون في عنوان الرواية تشير إلى لائحة القواعد التي ترسمها شفق تعود في الأصل إلى شمس التبريزي إذ يؤلفها فيما هو يجوب الأرض.
تكشف لنا رواية (قوانين الحب الأربعون) التأثير البالغ الذي تُحدثه القراءة في نفوس القراء وأفكارهم، من خلال شخصية البطلة إيللا روبنشتاين التي تقرأ رواية (تجديف حلو). كما أن المراسلات الإلكترونية المستمرة مع صاحب الرواية تقلب حياتها رأساً على قلب. لقد أقبل الحب إلى إيللا بغتةً وبفظاظة كما لو أن حجراً قُذف من اللامكان صوب بركة حياتها الراكدة. كانت هي وصاحب الرواية عزيز زهارا مختلفين اختلاف الليل عن النهار، وكان أسلوبا حياتيهما متباينين جداً وقد أقبل إليهما الحب على جناح السرعة بحيث أن إيللا لم يكن لها متسع من الوقت كي تفهم بوضوح حقيقة ما جرى.
دوّنتْ الكاتبة روايتها هذه من كل قلبها، حيث أرادت أن تُظهر كيف يمكن أن تردد حياتنا الحديثة في القرن الحادي والعشرين أصداء كلمات شاعر وفيلسوف عاش في القرن الثالث عشر، وما يزال صوته مسموعاً. لقد بنتْ الكاتبة روايتها على امتداد زمنين متوازيين وقياسين : اليوم والأمس، الشرق والغرب، الروحي والدنيوي.