من قصور بغداد العثمانية الباقية..قصر كاظم باشا في الكريمات

من قصور بغداد العثمانية الباقية..قصر كاظم باشا في الكريمات

رفعة عبد الرزاق محمد
قصر كاظم باشا في محلة الكريمات ببغداد،وهو اليوم مقر السفارة البريطانية ببغداد. شيد هذا القصر كاظم باشا الداماد، والداماد تركية بمعنى الصهر، وكان كاظم هذا صهرا للسلطان عبد الحميد الثاني، وغضب السلطان عليه فنفاه الى بغداد، فبنى لنفسه هذا القصر في الربع الاخير من القرن التاسع عشر واقام فيه الى ان قام الانقلاب الدستوري سنة 1908، فعاد الى اسطنبول وتوفي فيها.

اشتراه فيما بعد المهندس الفرنسي فيوله لحساب احد التجار الفرنسيين بكفالة محمود جلبي الشابندر، وكان فيوله قد استدعته الحكومة التركية لتطوير مدينة بغداد، وله اهتمامات اثارية وتاريخية معروفة. وعندما اندلعت الحرب العالمية الاولى سنة 1914 اصبح مستشفى ومستقرا للضباط الالمان العاملين في الجيش العثماني حتى سقوط بغداد بيد البريطانيين في اذار 1917، فاصبح تابعا لقيادة الجيش البريطاني، وقيل ان حكومة الاحتلال اشترته بخمسين الف باوند انكليزي على ما ذكره الاستاذ يعقوب سركيس في مباحثه (جـ2ص390)، واصبح مقرا للمندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس عند اعلان الانتداب البريطاني على العراق سنة 1920، وبعد اعلان استقلال العراق سنة 1932 اصبح مقرا للسفارة البريطانية. تحيط القصر حدائق غناء وشوارع صغيرة وكانها في الريف الانكليزي، ويطل على نهر دجلة، وكان يقف امامه مركب جميل يحمل العلم البريطاني.
كان المندوب السامي ومن بعده السفير البريطاني ذا نفوذ وسلطان، وكان منتقدوه يتحاشون ذكر الاسم الصريح له، ويكنون عنه بمختار الكريمات، او ابو ناجي، يقول الملا عبود الكرخي في هجاء احد المتعلقين بالمندوب السامي....... :
من مختار الكريمات هالمندوب بالشدات
والمذخور للعازات صك هذا الولد جايب
من احداث السفارة المشهورة حصارها في احداث مايس 1941 (حركة رشيد عالي الكيلاني) عندما لجأ اليها عدد كبير من البريطانيين واحتموا بها لما كان السفير كورنواليس. ومن احداثها احتراقها صبيحة يوم ثورة 14 تموز 1914، وتبين ان العاملين بالسفارة احرقوا وثائقها ووثائق حلف بغداد. دخلت قصر باشا وانا في مرحلة الفتوة لمرات عديدة لتسلم مجلة (هنا لندن) الصادرة عن البي بي سي، فكان موظف الاستعلامات الانكليزي في الباب الجانبي المطل على محلة الكريمات يستقبل الناس ببشاشة، ويتحدث معهم بعربية واضحة، ولعله كان لبنانيا. كنت ارى الساحة الجميلة امام القصر ويتوسطها حديقة صغيرة ومدفعان صغيران من مدافع الحرب العظمى، وكل مافي الموقع يوحي بالعظمة والجمال والهيبة. البيت المجاور بني على موقعه قصر كبير على طراز شرقي، وسكنه الثري اليهودي حسقيل شمطوب، ثم اشتراه المرحوم عبد المجيد الشاوي ثم ابنه المرحوم سعدون ثم ابنه صديقي احسان الشاوي، وهم من الاسرة الشاوية الحميرية الشهيرة ببغداد منذ قرون، واستملكته الحكومة العراقية في ثمانينيات القرن الماضي ضمن حملة تطوير بغداد التي لعب الاستاذ المهندس هشام المدفعي دورا مهما فيها. وقد شغله المعهد العربي للموسيقى بعد تجديده على افضل ما يكون، ولا اعلم ما ال امره اليوم.