هل هناك واقعية في رواية مئة عام من العزلة؟

هل هناك واقعية في رواية مئة عام من العزلة؟

ترجمة/ المدى
يكتب الصحفي والكاتب سام جوردسون مقالة له عن رواية مئة عام من العزلة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز يتسائل فيها عن الحدود بين الواقع والسحر فيها :
يقول الكاتب سلمان رشدي: ”المشكلة في الواقعية السحرية، ان الناس يجدون السحر فقط. و لا يجدون الواقعية”.

وأنا اميل إلى إعطاء الناس العذر في ذلك. فمن الطبيعي أن تركز على العناصر السحرية في رواية مثل مائة عام من العزلة، مع ما تحمله من حكايات عن العذراوات، والغجر المتناسخون والجنرالات والكهنة في البداية وفي المنتصف. هذا السحر هو الذي جعل منها رواية غير عادية عندما صدرت في الستينات وجعلها تظل مثيرة لاهتمام اجيال من القراء منذ ذلك الحين.
هذا ليس انتقادا لسلمان رشدي. فله الحق في الإشارة إلى أنه حتى فقرات الرواية الغارقة في الخيال تحتوي على الكثير مما يمكن أيضا أن نطلق عليه واقعية. كما يتجلى ذلك في الحديث المشهور بين خوسيه أركاديو و والدته. فالروابط بين الأم وطفلها هي حقيقية وواقعية مثل أي شيء آخر، أليس كذلك؟
فإذا أردت أن أذهب إلى أبعد من ذلك فسوف أدخل الى الاماكن الحرجة، و سوف أحتاج إلى تحديد ما هو حقيقي وما هو سحري - وبصراحة لا اعتقد انني سانجح خصوصا وأن هذه الرواية محت ببراعة الحدود بين هذين المفهومين (الواقعية والسحرية)
في بداية رواية مائة عام من العزلة، هناك العديد من الدلائل التي تذكرنا بالعالم المادي الملموس. فجزء كبير من الفصل الأول يتضمن وصفا لأعمال الأسطرلاب والتلسكوبات في عالم”دائري، مثل البرتقالة". وغالبا ما يتم اعتبار الرياضيات والفيزياء على أنها غريبة عن الأحداث الخارقة للرواية. الاختراعات تثير الحذر والتعجب. والرحلات إلى السينما تحير سكان ماكوندو عندما يشاهدون الممثلين الذين لقوا حتفهم في احد الافلام يعاودون”الظهور مرة أخرى على قيد الحياة”في فلم آخر، وينتابهم الغضب حين يعرفون أن آلة التشغيل السينمائي هي”آلة لعرض الأوهام".
خط السكة الحديد الذي يصل اخيرا إلى المدينة هو أسوأ من ذلك، جالبا معه كل المعدات المجنونة والمحيرة للعقل من السوق الرأسمالية وسرعان ما تقاتل المدينة”شركة الموز"، وهي شركة متعجرفة،و سخيفة تدفع السكان إلى إضراب كارثي. تصرفاتها الغامضة تتحدى العقل.
ولكن الإضراب هو مثال جيد على الطريقة التي يقدم بها غابرييل غارسيا ماركيز فهما أوسع لعالمنا. عانت شركة الفواكه المتحدة من فوضى مماثلة في بلدة غارسيا ماركيز، وفي تشيلي و العديد من”جمهوريات الموز”في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية. وحتى اطلاق النار على الحشود كان يستند على حدث حقيقي.
وتستند الكثير من احداث الرواية على نحو مماثل على وقائع حقيقية سواء في السياسة اوالتاريخ، او مجالات اخرى. رواية مائة عام من العزلة فيها الكثير من التأملات في الشعور بالوحدة و مرور الوقت. ويمكن أيضا أن ينظر إليه على أنه يتضمن النقد اللاذع لشرور الحرب، أو التقدير الحار للروابط العائلية. وكانت لدى غارسيا ماركيز لديه أشياء عاجلة اراد ان يفصح عنها كان لا يزال يشعر انها قريبة من قلبه، وهنا على الجانب الآخر من العالم، وبعد 50 عاما من نشر الكتاب لأول مرة. بعد الإضراب والمجزرة، قال لنا:”لم يعد في شركة الموز، أي عامل على الاطلاق لأنهم جميعا تم تعيينهم في عقود مؤقتة". وبالتالي فان المناقشات التي جرت في المملكة المتحدة مؤخرا حول العقود المؤقتة ليست حديثة العهد كما قد نتخيل...
ومثل هذه الصلة بالواقع تضيف جاذبية إلى الرواية. ولكن إذا كان لنا أن نتفق على أن الرواية ذات وزن ادبي، يجب أن نعترف أيضا أنها ليست خالية من المشاكل.
وفي وقت سابق من هذا الشهر في مجموعة للقراءة في الصحيفة،كتب أحد القراء:”توقفت عن قراءة الرواية بعد مائة صفحة، ففيها تعابير قاسية جدا عن الاغتصاب الزوجي، والولع الجنسي بالأطفال، والموت المؤلم للفتاة الحامل".
وكلما تمعنت اكثر هذا التعليق أزددت قلقا. سيكون من العار أن نضع جانبا مثل هذا الكتاب المثير للاهتمام (الغني بالاحاسيس والعاطفة) على هذا الأساس. ولكن ربما لا يمكن استبعاد جميع النساء المغتصبات والأمهات المهجرات والأطفال المعتدى عليهم في الرواية كعناصر غير ضارة في عالم لا قيمة له. هل يمكننا أيضا أن نقبل جميع المواد الإضافية حول البغايا المحترمات، الدافئات المشاعر، اللواتي يحسن معاملة زبائنهن وبدرجة اكثر او اقل نستسيغ الفقرات المضحكة التي تتحدث عن اطلاق النار على العازفين؟ هل يمكن أن نقول إن غارسيا ماركيز كان يشير الى قضية سياسية عندما كان يتحدث عن إساءة معاملة النساء؟ هل ينبغي لنا أن نمنحه العذر أن كل هذه الفقرات التي تبدو خاطئة على ما يبدو تم موازنتها بالحديث باعجاب عن الشخصيات النسائية القوية مثل أورسولا؟
هل يمكننا أن نقول إن العناصر غير المقبولة في الكتاب لا تهم لأن أيا منها غير حقيقي؟ إذا كنا نسلم بأن الواقعية السحرية تعمل كجهاز لمناقشة الحقائق الصعبة، أليس من المنطقي أيضا أنه لا يمكن أبدا أن تقرأ على أنها مجرد خيال؟ إذا كان هذا هو الحال، هل ستبقى هذه الرواية محبوبة دائما كما اعتاد الناس على وصفها؟ أم هل ينبغي علينا أن نعترف بأن غابرييل غارسيا ماركيز كان أحيانا يروعنا بعض الشيئ؟

عن الغارديان