يقول عباس محمود العقّاد: (كان عصره –يقصد المتنبي- عصر التمام للثقافة العباسية وعصر التطلع من المتأخرين الى مجاراة الأولين.. وكان سعي الأمراء الى اكتساب مديح الشاعر المشهور أشد من سعي الشعراء الى اكتساب جوائز الممدوحين وارتضى هؤلاء الأمراء من الشاعر – المتنبي- ما لم يكن يرتضيه ممدوح لمادح)، إذ سمحوا له بالجلوس وهو يلقي شعره وكان خوف أمراء تلك الفترة ,وهي القرن الرابع الهجري أن يتخطاهم الشاعر الى غيرهم فيمدحه وينساهم.
تلك كانت بعض تصرفات ذوي السلطة في عصر المتنبي تجاه الشاعر فمن هو أبو الطيّب؟
يقول الثعالبي انه ولد بالكوفة في كندة سنة 303 للهجرة وأنه هو أحمد بن الحسين بن مرةبن عبد الجبار الجعفي الكندي (لانه ولد في محلة كندة بالكوفة) وكان والده يصحبه في ترحاله المستمر الى بلاد الشام ويسلمه الى المكاتب حيث ظهرت عليه إمارات النباهة والنبوغ، حيث توضح نضجه الشعري والذهني وهو ابن عشرين وقد توفي والده وملك هو زمام أمره.
لقب المتنبي بهذا اللقب لأسباب تشير اليها بعض الدراسات المدونة عنه التي لا تستبعد ادعاءه النبوة في عصر كثرت فيه الملل والنحل والفتن الدينية، حيث ظهر القرامطة والمانوية الذين بحثوا في النور وقد درس أبو الطيّب الفلسفة، وقد يكون ذلك قد اثر على معتقداته لفترة.
ويقول الباحث العراقي عبد الغني الملاح في كتابه: (المتنبي يسترد أباه) أن هذا الشاعر الكبير من نسل علوي ويورد دلائل متعددة على قوله ومنها ان مطاردته من قبل الدولة العباسية وحبسه لفترة يعد جزءا من أسباب محنته، وما زالت الآراء تحتدم حول ادعاءات المتنبي وحقيقة نسبه، لكن الثابت انه التحق بخدمة الأمير سيف الدولة الحمداني أمير حلب وأصبح صفيه وقرأ الشعر في حضرته جالساً والشعراء وقوف حتى استوجب ذلك حسد حاسديه بحيث اوغروا صدر سيف الدولة عليه فلم ينصفه خلال عدوان ابن خالويه عليه أمام الأمير فأدرك المتنبي أن عليه ان يغادر البلاط الحمداني فغادر الى مصر طلباً لولاية لوح له بها حاكمها كافور الاخشيدي الذي استقبله وأكرمه لكنه لم يعطه الولاية فغادر مصر غاضباً وهو يشتم أبا المسك في قصيدة لا يحبها أهل مصر الى يومنا هذا.
قصد المتنبي عضد الدولة بن بويه في فارس ومدحه فاجزل الرجل العطاء فقرر المتنبي المغادرة الى بلده الكوفة وفي الطريق اليها وقريباً من بلدة النعمانية تصدى له فاتك بن أبي جهل الاسدي مع مجموعة من أنصاره وقاتله-لهجائه له – وقاوم المتنبي وولده وعبده ذلك العدوان حتى قتلوا جميعاً وكان عمر المتنبي آنذاك لا يتجاوز الخمسين عاماً ودفن هناك دون أن تذكره الدراسات الميدانية حتى كشف عن وجود قبره وكشف موقعه في ستينات القرن العشرين الباحث صبيح رديف ودرس موقعه الباحث عادل البكري فيما كتب الفنان الكبير فيصل الياسري سيناريوات استقصائياً عن مكان القبر نشره في كتاب. والمتنبي شاعر موصوف بالعبقرية والقدرة على فك أسرار اللغة وتحريك مفاتيحها بالقدر الذي يراه مؤثرا حاويا للمعنى الذي يريد بحيث ظل المتنبي شمس الشعر التي لا تغيب على مر الزمان.