(تسارع الخطى) لأحمد خلف

(تسارع الخطى) لأحمد خلف

هادي الحسيني
بآليات فنية متقنة يلفها القناع ووهم الأسماء، يصف الروائي العراقي احمد خلف، مأساة المثقف العراقي المستمرة منذ عقود من الزمن، جراء التهميش والخوف والقلق، ويؤكد الروائي في روايته صاحبة العنوان الملفت للنظر (تسارع الخطى)

وهو عنوان يحيلنا الى زمن العراق ما بعد عام 2003 الذي كثرت فيه الاختطافات وجرائم القتل والسرقات بسبب الطائفية التي أشعلت حروباً داخل العاصمة بغداد، حروب أقل ما يقال عنها، بأنها حروب جبانة! فالقتل على الهوية كان أسوأ مرحلة مرت بتاريخ عراق ما بعد عام 2003، ومن ثم الخطف ومطالبة ذوي المخطوف بالفدية والتي تبلغ عشرات الملايين من العملة العراقية، عنوان الرواية اختاره الكاتب بعناية ودقة فهو جزء لا يتجزأ من احداث الرواية، حيث أن العنوان لوحده يدل القارئ الى الإسراع بقراءة تلك الرواية التي تتسارع بها خطى الضحية من اجل الهروب من خاطفيه بعد محاولات سيدة لمساعدته على الهروب.
في تسارع الخطى يأتي السرد بانسيابية متقنة ومتسلسلة للأحداث ولن يغيب عن القارئ عنوان الرواية الذي يتواجد في كل الاحداث ويبدو السرد ممتعاً وكذلك عند الضحية الذي يسارع في الهرب من أجل الوصول الى بر الأمان بعيداً عن خاطفيه والمأساة التي وقع فيها.
الروائي العراقي الكبير احمد خلف، قدم لنا في تسارع الخطى فناً روائياً بالغ الأهمية في حدثه وأستخدم القناع ليوصف مآسي وآهات المثقف العراقي، وكان الاستاذ احمد خلف في وسط تلك الأحداث والآلام وهو الذي عاش داخل وطنه العراق ولم يغادر بلاده..
في رواية (تسارع الخطى) ثمة علاقة متشنجة تسودها الكثير من الأزمات في القهر والألم ما بين المثقف الملغي أصلاً من تفكير اغلب الأنظمة التي حكمت العراق على طول تاريخ دولته التي أسست عام 1921، وما بين السلطة المهملة بكل أنواع الأهمال للبلاد وأهلها الذين رزحوا ومازالوا يرزحون تحت طائلة الخطف والارهاب والتهميش والقتل والتزوير وانعدام الخدمات والرشاوى وتفكيك مبرمج للدولة العراقية عبر سرق ثروات البلاد.
لقد جسّد الروائي بدقة مأساة بلاده من خلال الواقع اليومي وإن كان قد أبتكر احداث روايته من خياله، لكن الواقع في العراق أصبح يتفوق حتى على خيال الروائي والشاعر في تراجيديا الموت والدمار، الأمر الذي يقف الفن عاجزاً أمام تلك المآسي والآلام وليس باستطاعته فعل أي شيء من شأنه رفع الحيف والظلم عن المثقف والانسان العراقي..
أحمد خلف الذي بشر به استاذه الشاعر مظفر النواب في بداية العقد الستيني عندما كان تلميذاً في احدى مدارس بغداد وأبدع في كتابة القصة والرواية منذ منتصف الستينات وحتى اليوم، ونشر قصته في عام 1969 (خوذة لرجل نصف ميت) في مجلة الآداب البيروتية وقد حظيت باهتمام النقد الأدبي وقتها ثم استمر بنشر العديد من الكتب، بدءاً من مجموعته القصصية (نزهة في شوارع مهجورة) مروراً بمنزل العرائس والخراب الجميل وصولاً الى روايته المهمة (موت الأب) وتسارع الخطى وروايات أخرى كثيرة صدرت له لاحقاً وهو في تألق دائم ومستمر، وبرغم المرض الذي اقعده في البيت منذ أكثر من سنة إلا أن الروائي الكبير الاستاذ احمد خلف كان يقرأ ويكتب ويتابع باستمرار أنه مفخرة السرد العراقي..