صورة جيفارا... من الثورة الى الدعاية التجارية

صورة جيفارا... من الثورة الى الدعاية التجارية

ترجمة: زهير رضوان
انظر فقط الى ما فعلوه بجيفارا... ان الطلعة المشرقة للقائد الكوبي الماركسي تفرقع في كل مكان في الفن على اغلفة المجلات وعلى القدامات والمحافظ الجلدية والصحون والقمصان وقلنسوات الرأس وسلاسل المفاتيح والمحارم الورقية ولعب الاطفال.. وعلى شيء يسمى صودا قشدية حمراء.

انها دائما اللقطة ذاتها للرجل الذي ولد باسم ارنستوا جيفارا، وهو يحدق في البعيد بتصميم ملتهب، بيرية عسكرية منتصبة على رأسه سترة جلدية مزممة حتى رقبته والشعر عصفت به الريح باناقة.
يبجل مقاتلو الحرية في جميع انحاء العالم هذه الصورة كتبجيل المسيحيين لقديسيهم لكن المقاولين التجاريين يحبونها ايضا. وضعت شركة الصورة على منتوجها المثلج الذي اسمته”شيري جيفارا”وهو عبارة عن ايس كريم مغلف بالشوكولاتة وبطعم الكرز كتب على الغلاف”ان النضال الثوري للكرز قد اخمد عندما وقع في فخ طبقتي الشوكولاتة.
نتمنى ان تدوم ذكراه في فمك؟.
"شيري جيفارا”والامثلة الاخرى على ما يمكن تسميته”اساءة استعمال جيفارا.. تعرض الان في المركز الدولي للتصوير الفوتوغرافي في نيويورك في معرض بعنوان”تشي! ثورة وتجات"
المعرض عبارة عن صورة فوتوغرافية واحدة، ورحلتها المتقلبة من صورة على ورق الى حضور عالمي ومن ثم الى هزلية سقط المتاع التجاري. التقطت الصور من قبل مصدر عرف بتصويره عروض الازياء يدعى البيرتو كوردا، ولعلها اكثر الصور انتاجا وطباعة في تاريخ التصوير الفوتوغرافي.
يعمل المعرض، ايضا كدرس موضوعي لقوة ولجمال اقتصاديات السوق التي بمقدورها امتصاص وسلعنة أي شيء حتى اعدائها اللدودين.
اليوم، هنالك عشرات المواقع على الشبكة العنكبوتية تعرض بيع سلع مزخرفة بصورة جيفارا وهذه المواقع في اغلبها تستهدف الشبان الذين، كما نفترض غير مندفعين للعصيان المسلح.
لقد بدأ الامر برمته بشيء اكثر جلالة.. التقط كوردا الصورة في يوم اجتماع جماهيري في موبا. نظم للاحتجاج على تفجير سفينة محملة بالذخيرة في ميناء هافانا في مستهل شهر آذار من عام 1960 قتل اكثر من 100شخص واعتقد العديد من الكوبيين بأن الانفجار لم يكن حادثا عرضيا بل جريمة نظمتها المخابرات المركزية الامريكية.
وفي اليوم التالي حوّل فيدل كاسترو الجنازة الكبيرة الى احتجاج جماهيري. وكوردا، الذي ارسلته صحيفة ريفوليوسن التي يعمل بها، كان هنالك لتغطية الحدث.
لم يتحدث تشي الى الحشود. التقط كوردا لقطتين سريعتين من كاميرته”لايكا”ظهرت الصورة للمرة الاولى من نيسان عام 1961 على صفحات صحيفة ريفوليوسن للدعوة الى حضور مهرجان يكون جيفارا فيه المتحدث النجم. نعم، لقد بدأت كإعلان!.
بعدها انتشرت الصورة. لم يحتفظ كوردا بحقوق النشر، وبعد ذلك ظهرت الصورة على صفحات المجلات والصحف في أوروبا والولايات المتحدة.
وكوردا الذي مات في باريس عام 2001، لم يجن أي مال من صورته الشهيرة، مع انه كسب تسوية خارج المحكمة في انكلترا ضد شركة استخدمت الصورة للاعلان عن فودكا مع الكلمات”الفودكا الاكثر كمالا”ولعلها كانت محاكاة لقول جون بول سارتر الذي وصف جيفارا بأنه”الرجل الاكثر كمالا في عصره”حينها قال كوردا: انا ضد استغلال صورة تشي جيفارا للدعاية عن منتجات مثل الكحول او لاي غرض يشوه سمعة تشي جيفارا.
لكن لماذا جيفارا؟ كيف كسب هذا الطبيب الارجنتيني المصاب بالربو الحاد هذه المثيرة العالمية المثيرة للدهشة؟ ناهيك عن الطلب التجاري المتواصل؟ الطلعة الرائعة والجذابة لا تؤذي، انها تساعده في الواقع، هنالك القليل ممن يشكون في صدقه، حتى وان كانت رغبته الاكثر صدقا قد خطط لها على نحو يخيب الامال ويقبض الصدر.
يقول جون لي اندرسون، الكاتب الذي كتب سيرة جيفارا: حتى اعداؤه الايديولوجيون معجبون به لانه يمثل القيم العظيمة التي يتطلبها الثوري مثل الشجاعة، البسالة، الصدق، التقشف والقناعة المطلقة، هذه هي المتطلبات الرئيسية لحمل الاخرين على اتباع حياة بائسة بحق، هو عاش هذه الحياة.. عاشها بحق.
بعد ان ساهم جيفارا في الاطاحة بحكومة باتيستا في كوبا، توجه الى دول اخرى، شملت الكونغو وبوليفيا، محاولا اشعال ثورة هناك.
وكي يضاف الى الاسطورة، مات جيفارا شهيدا عام 1967 اعتقل واعدم وهو في التاسعة والثلاثين من عمره وهو يقاتل القوات البوليفية التي دربتها الولايات المتحدة. وقيل ان كلماته الاخيرة للجندي الذي اطلق عليه النار: اطلق ايها الجبان، انك تقتل رجلا فحسب.
ويبدو ان الاسطورة قد خلقت وسمها. فالمتمردون في جميع انحاء العالم يكرمونه في اماكن تختلف عن بعضها جذريا، مثل بورما وافغانستان.
في الشهر الماضي، طلب الرئيس البوليفي الجديد اثناء ادائه اليمين الوقوف لحظة صمت لذكرى جيفارا. في الوقت نفسه تقوم الحكومة الكوبية، ومنذ وقف الروس دعمهم المالي، باستغلال الهوس الجيفاري، مقدمة جيفارا الى السياح على انه الوجه الشعبي للجزيرة.
قمصان جيفارا هي اول ما تراه عيناك عندما تحط في مطار هافانا. لكن الكوبيين يعلمون على الاقل من الذين يبخلون، في الولايات المتحدة قصة حياة جيفارا وطموحاته لا علاقة لها بالموضوع، او قد تكون قلصت الى كاريكاتير. لقد اختزل وجه الرجل الى”انا ارفض الواقع الراهن”انه الاجابة السياسية لجيمس دين المترد ذي القضية الخاصة جدا وطالما ان القليل من الناس يعرفون شيئا عن القضية او التمرد فان قمصان جيفارا تمتلك شيئا من القصة، انها تجعلك جزءا من انتليجنسيا المحال التجارية، حتى وان كان تركيزك الحقيقي منصبا على علبة بيرة. ولهذا السبب ربحت الرأسمالية. انها النظام الوحيد الذي يفهم بأننا جميعا راغبون في تغيير العالم لكننا كسالى نوعا ما خاصة اذا كان في الجوار آيس كريم. عندما تنتهي من”شيري جيفارا”يتبقى في يدك عود خشبي كتب عليه”سنقضم حتى النهاية”ان كان هنالك مسامير في نعش جيفارا فانها بلا شك تشبه هذه العيدان.

عن الواشنطن بوست

عن صحيفة العربي الجديد