50 عاما على رحيل  جيفارا

50 عاما على رحيل جيفارا

"هناك فرق عظيم ما بين تنمية المشاريع الحُرة وبين التنمية الثورية. في إحداهما تتركز الثروة في أيدي محظوظين قليلين أصدقاء الحكومة، وأفضل تجار السيارات والدراجات النارية وفي الآخر تتركز الثروة في تراث الشعب"، هكذا كان يقول القائد العسكري تشي جيفارا، عن الثورة والثوار.

ميلاده
ولد”إرنستو غيفارا لينش”يوم 14 يونيو 1928 في”روساريو”في الأرجنتين، وكان هو الأكبر بين خمسة أطفال في عائلة من أصول إيرلندية وإسبانية باسكية، واشتهر باسم”تشي جيفارا”بين الأوساط الشعبية والحياة الثورية في كوبا.
دراسته
درس الطب في جامعة بوينس آيرس وتخرج عام 1953، وكان مصابًا بالربو فلم يلتحق بالخدمة العسكرية، قام بجولة حول أمريكا الجنوبية مع صديقه ألبيرتو غرانادو على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الطب وكونت تلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أميركا الجنوبية وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين على المزارع اللاتيني البسيط.
زواجه
في عام 1955 قابل جيفارا المناضلة اليسارية”هيلدا أكوستا”من”بيرو”في منفاها في جواتيمالا، فتزوجها وأنجب منها طفلته الأولى، وهيلدا هي التي جعلته يقرأ للمرة الأولى بعض الكلاسيكيات الماركسية، إضافة إلى لينين وتروتسكي وماو تسي تونغ.
الثورة
سافر جيفارا للمكسيك بعد أن حذرته السفارة الأرجنتينية من أنه مطلوب من قبل المخابرات المركزية، والتقى هناك راؤول كاسترو المنفي مع أصدقائه الذين كانوا يجهزون للثورة وينتظرون خروج فيدل كاسترو من سجنه في كوبا. ما إن خرج فيديل كاسترو من سجنه حتى قرر جيفارا الانضمام للثورة الكوبية، وقد رأى فيدل كاسترو أنهم في أمس الحاجة إليه كطبيب.
وفي 1959 اكتسح مجموعة من الرجال”الهافانا”برئاسة فيدل كاسترو وأسقطوا الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا، بينهم كاسترو وأخوه”راؤول”وجيفارا، ولكن هذا الهجوم الفاشل أكسبهم مؤيدين كثيرين خاصة في المناطق الريفية، وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين وخسروا نصف عددهم في معركة مع الجيش.
وعلى جانب آخر، كان خطاب كاسترو سببًا في إضراب شامل، وهو ما استغله”جيفارا”ووضع خطة للنزول من جبال سييرا باتجاه العاصمة الكوبية حيث تمكن الثوار من دخول العاصمة هافانا في يناير 1959 على رأس ثلاثمائة مقاتل، لكي يبدأ عهد جديد في حياة كوبا بعد انتصار الثورة وإطاحتها بحكم الديكتاتور”باتيستا"، وفي تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب”تشي”الأرجنتيني.
بعد الثورة.. جيفارة وزيرًا
بعد نجاح الثورة الكوبية، صدر قانون يعطي الجنسية والمواطنية الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة عقيد، ولم توجد هذه المواصفات سوى في جيفارا الذي عين مديرًا للمصرف المركزي وأشرف على محاكمات خصوم الثورة وبناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن وجهها الشيوعي، وما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور -وبخاصة الجيش- حتى قامت الحكومة الشيوعية التي كان فيها جيفارا وزيرًا للصناعة وممثلاً لكوبا في الخارج ومتحدثًا باسمها في الأمم المتحدة.
نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شائعات تدعي فيها اختفاء إرنستو تشي جيفارا في ظروف غامضة، ومقتله على يد زميله في النضال القائد الكوبي فيدل كاسترو، مما اضطر الزعيم الكوبي للكشف عن الغموض الذي اكتنف اختفائه من الجزيرة للشعب الكوبي فأدلى بخطابه الشهير الذي ورد في بعض أجزائه ما يلي:

التخلي عن المنصب والجنسية
"لدي هنا رسالة كتبت بخط اليد، من الرفيق إرنستو جيفارا يقول فيها: أشعر أني أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك الذي أصبح شعبي. أتقدم رسميًا باستقالتي من قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، ومن رتبة القائد، ومن جنسيتي الكوبية، لم يعد يربطني شيء قانوني بكوبا"، هكذا ودع الثائد الثوري جيفارا كوبا في أكتوبر 1965، لكي ينتقل بحلمه إلى دولة أخرى للرغبة في تحرير مواطنيها من ظلم الاستعباد.
و كما قال أيضًا، :”إن الثورة تتجمد وإن الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون فوق الكراسي، وأنا لا أستطيع أن أعيش ودماء الثورة مجمدة داخلي."
تصدير الثورة للكونغو
وسافر إلى الكونغو حتى يعيد مجد ما فعله في كوبا، وتموه بملابس رجل أعمال ثري، لينطلق في رحلة طويلة سافر فيها من بلد إلى آخر ليواجه المصاعب تلو الأخرى، حتى يساند الثورات التحررية، قاد 125 كوبيًا، ولكن فشلت التجربة الأفريقية لأسباب عديدة، منها عدم تعاون رؤوس الثورة الأفارقة، واختلاف المناخ واللغة، وانتهى الأمر بالـ"تشي”في أحد المستشفيات في براغ للنقاهة.
وبعدما علم كاسترو، أرسل له أن يعود إلى كوبا، لكنه رفض وظل في زائير، جمهورية الكونغو الديمقراطية، محاربًا بجانب قائد ثورة الكونغو باتريس لومومبا.
مشروع ثورة في بوليفيا
لم يكن مشروع”تشي”خلق حركة مسلحة بوليفية، بل التحضير لرص صفوف الحركات التحررية في أمريكا اللاتينية لمجابهة النزعة الأمريكية المستغلة لثروات دول القارة. منذ بداية عام 1967 وجد جيفارا نفسه مع مقاتليه العشرين، وحيداً يواجه وحدات الجيش المدججة بالسلاح بقيادة السي أي إيه في براري بوليفيا الاستوائية. أراد جيفارا أن يمضي بعض الوقت في حشد القوى والعمل على تجنيد الفلاحين والهنود الحمر من حوله، ولكنه أجبر على خوض المعارك مبكراً.
اعتقاله
في يوم 7 تشرين الاول أبلغ مخبرًا للقوات البوليفية الخاص بموقع جيفارا وفرقته في معسكر بواد جورو، فحاصرت القوات المنطقة، وجرح جيفارا وأسر حين كان يحاول قيادة الفرقة مع”سيمون كوبا سارابيا". ذكر”جون لي اندرسون”كاتب سيرة تشي في تقاريره عن رواية الرقيب البوليفي برناردينو اوانكا:
أن غيفارا أصيب مرتين وعندما أصبحت بندقيته عديمة الفائدة هتف”لا تطلقوا النار! أنا تشي جيفارا، وأساوى حيا أكثر من ميتا.
اطلق النار يا جبان
صباح يوم 9 تشرين الاول أمر الرئيس البوليفي رينيه باريينتوس، وقبل لحظات من إعدام غيفارا سأل عما إذا كان يفكر في حياته والخلود. أجاب:”لا أنا أفكر في خلود الثورة"، ثم وجه حديثه للجلاد قائلًا”أنا أعلم أنك جئت لقتلي أطلق النار يا جبان انك لن تقتل سوى رجل". لحظات قليلة مرت حتى أطلق الجلاد وابل من النيران من بندقيته النصف آلية، لتصيب جيفارا في الذراعين والساقين، حتى سقط جيفارا على الأرض وهو يقضم الرباطة التي أعصموا بها عينه ليتجنب الصراخ، ويموت المناضل والقائد الثوري جيفارا مدافعًا عن حرية الشعوب.