الحـاج زايـر وإشكالات المـوال العراقي..!  ما نسـب إليه وما هـو لـــه..

الحـاج زايـر وإشكالات المـوال العراقي..! ما نسـب إليه وما هـو لـــه..

.د. خيـرالله سـعيـد
كنت قد اطـلعت على ديوان الحاج زاير. جمـع محمد باقر النجفي الأيرواني. مجلد واحد في خمسة اجزاء. الطبعة الرابعة 1972 مطبعة الغري في النجف الأشرف، للمرة الأولى عام 1980 بدمشق، وقتها كنت ميـّالاً الى حفظ أشعاره أكثر منـّي للتحقق منها، إذ كنت في بداية عهـدي في الكتابة، وبحكم المنفى الجد يـد علي، فإن مـواويـــل الحـاج زايـر كانت أسكن للـروح عندي،

وقد أجد فيها سـلوة أكثر من باقي فــنون الأدب الشعبي العراقي، وحين انتقلت الى مـوسـكو عــام 1993 لإكــــمال دراساتي العلـيا في الـتراث العباسي صادفت الأستاذ الصديق”طـارق الهـيدان”وهو دبلــوماسي بارز في دولــة الإمــارات العربية المتحـدة، ومن عشـّاق شعر الحـاج زاير،بدأنا نلتقي إسبوعيا ونبدأ بقراءة أشعاره ونحللها وننقـدها، ونعرف تأثيرها على بقية جيل الشعراء المعاصرين لـه،واللاحقين عليه، بل نصادف الكثير من الباحثين والشعراء وحتى بعض المؤرخين للأدب الشعبي العراقي قـد أهـملوا تحـقــيق شعر الحـاج زاير الدويـج، نظرا لطغيان سمعته وأصالة نظمه، وقـوة حضوره في نظم المـوال العراقي، وخصوصاً الـزهيـري منـه، فـهو لم يكتب مـوالاً الاّ من هذا النمط، بمعنى أنـّه لم يكتب المـوال الرباعي ولا الأعـرج ولا النعماني ولا المشـط ولا النايل القريب منـه، بـل حافظ على نظم الموال ذى البنـدين، ذى السبعة أبيات، أي الـزهـيري، وقـد أجاد فيه أكثر من بقية الفـنون الشعبية الأخرة كالأبوذية والمربــّع والقصيدة، ومن هـنا نفهـم إرتـباط المـوال بإسم الحـاج زايـر، هذا الأمر أشكل على الكثيرين من النقـاد والباحثين لأن يتمحـّصوا نصوص الـديوان، وإعـادة النظـر فيها، نظرا لوجـود”مـوالات مقحمـة”على الـديوان، فقط واحد من أبـرز الباحثين في نظم المـوال إنتـبه الى ذلك، وهـو الشيخ المحقق الكبير محمد صـادق الكرباسي في كتـابه”ديـوان المـوال الزهـيري»الصادر في لندن- ط1 -1422 هـ/ 2001 م صـ 395 وما بعـدها، الاّ أنـّه لم يعـد بتحقيق نصوص الـديوان، بل أشار الى بعض هـذه النصوص المقحمة على ديوان الحـاج زايـر. ونحن أيضا لم نقم بهذه المهـمـة نظراً لوجـودنا في المنفى، حتى هذه الساعة، وكنت وادّاً لـو أن الشيخ على الخاقاني قد تصدى للمهمة، أثناء كتابته لموسوعة”فـنون الأدب الشعبي». على العـموم، سوف نشير الى تلك النصوص المقحمة على الديوان، إعتماداً على إشارات الشيـخ الكرباسي في كتابه المذكور أعـلاه، مع الإشارة الى تكرار ورود هذه النصوص في بعض المصادر العراقية وغيرها.
تعريف أولي بشخصية الحـاج زايـر: هو الحاج زايربن الحاج عسكورة بن علي بن جبر الدويج من قبيلة بني مسلم نسبة الى ابي المكارم مسلم بن قريش بن بدران بن مقلد العبادي!! وبنو مسلم فخذ من قبيلة طفيل العربية المنتسبة الى طفيل بن عامر القيسي ويقطن بنو مسلم على ضفاف الفرات فرع الهندية ضمن منطقة الجـفل”نسبة الى النبي”ذو الكفل.”مجتزا من دراسة أ د. عبد الإله الصايغ- الإغتراب في الشعر الشعبي- نصوص الحاج زاير- ضمن دراسته الهامة”الخطاب الشعري الحداثوي والصورة الفنية». الحداثة وتحليل النص،طبعة المركز الثقافي العربي بيروت كازابلانكا 1999 الفصل الرابع ص 295 وما بعدها.
وقـد أثـار شعـر الحاج زاير- المـوال بشكل خاص- اهـتمام الكثير مـــن الباحــثين العرب، والمستشرقين الأجانب، فـهــذا المستشرق الفرنسي الكبير جــاك بيـرك يقــــــــول عنـه:
في كتابه». العرب من الأمس الى الغد. ترجمة د. علي سعد. طبعة دار الكــتاب اللبناني بيروت 1982
الصفحات 28 - 29 - 270 - 273 : الحاج زاير شكسبير الشعر الشعبي العراقي، فأنت مثلا قبالة الصور الفنية المتدفقة الحارة والموسيقى التي تساعـد المعنى على السطوع وتجمله فضلا عن ولعه باستعمال الحواس الى اقصى شحناتها”ويضيف الى ذلك بالقول:
الحاج زاير وهو أكبر شاعر شعبي في العراق، وقصائده تدوي على كل الشفاه منذ جيل في بيئة تلهبها محبة أهـل البيت!! حدث بعد وفاته أن ظهر في الحـلم وحين سألـوه كان مختبئا وراء صمته لكي يحافظ على السر!! وكــان التوافق بين إيمانــــــه الجماعي ومغامرات حياته الخاصة مع دوي اشعاره يعكس اندماج المكان والزمان!! وكان إلهــام الشاعر الحاج زاير يهبط عليه في اي مكان حتى لو كان بين اخوانه وبالطبع كان يرتجل المقاطع الصوفية في حـب اهــل البيت بالدفق الذي يوجه فيه النداءات الأنيقة الى فـــتاة عابرة!!”نقـلاً عن الصـايغ في مقاله أعــلاه»
ويقول الأستاذ حسن الأسدي :............ هو أشـعر شعـراء الحسجة على الإطلاق وشعره صورة ناطقة لحوادث عصره وتقاليد مجتمعه وسيـرة مواطنيه! والجيل الــذي عاصــره والجيل الذي تلاه يردد بإعجاب وفخـر أشعاره التي يجــد فيها كل شخص ما يوافق طبعه ويلائم غرضه وهذه هي ميزة الخلود التي تمتع بها سلفه المتنبي”نقلاً عن الصايغ...»
* أما كبير مؤرخي العراق السيد عبد الرزاق الحسني فيقول :
الحاج زايرأسرع شعراء عصره بديهة! وينشد القصيدة التي تبــلغ المئة بيــــت ارتجـالاً وفي آن واحد فيخال السامع أنه كان يحفظها منذ مدة دون إعمال فكره! وله اليد الطولى في الموال والأبوذية والمربع
والميمر” نقلاً عن الصـايغ..».
وقال السيد محمد جمال الهاشمي :
وزاير في الشعر أنشودة غنى بها البادي مع الحاضر
هلهل في قيثاره مطربا أيامه في لحنه الساحر».”نقلاً عن الصايغ»
المـوالات المقحـمة على الـديــوان:
من الملاحـظ أن الحـاج زايـر، لم يضع ديـوانه بنفسـه وهــذا يعني أن جامع شعر ديوانـه الأستاذ محمد باقـر الإيرواني، لم يقم بالتدقيق أو التحقيق، في نصوصه التي جمعها ووضعها في الديوان، وقد يلحظ على جامعي أشعار تلك الفترة، بأن الغالب الأعم،لم يهـتموا بمسألة التحقيق بالشكل المعرفي المتعارف عليه في مثل هذه الأعمال الجليلة، ولم تكن مطابع ذلك الوقت تهـتم هي الأخرى في شأن تلك المسألة، إذ نلاحظ على الكثير من مطبوعات تلك الفترة المنصرمة”عشرينات وثلاتينات القرن الماضي”أنها تهتم بالجمع والنشر،وتكشف لنا أغلب الكتب المطبوعة- وقتذاك- أن لاتوجد إشارات لإسم المحقق، بل نكشف إسم الجامع أو المؤلف!! بمعنى آخر، أن الحـاج زاير لم يكن الإستثناء من تلك الظاهرة، بل غيره الكثير من الكتاب والمؤلفين، قد تعرضوا لنفس الحالة، وخصوصاً الذين لم يضعوا مؤلفاتهم بأنفسهم، وهذا إشكال معرفي يحتاج الى جهـد كبير يقوم به فريق عمل من الإختصاصيين والنقـاد.
ومن هــذه المـوالات،التي نسبت الى الحاج زاير، سـذكر الموالات التالية:
1- تتسـامه عالنـاس...محـّـد يلحـكَـك بالسـّمـا
وهـذا المـوال الى الحـاج جـابر الكاظـمي: أنظر أبوذية جـابر الكاظمي،صـ 139 ط2، وراجع كذلك، ديوان الموال الزهـيري، للشيخ الكرباسي صــ 395.2- يـانبـعــة الـروح... ياطيـّب يصاحب كَــدر.
وهذا الموال، أيضا نسب له، إلاّ أنـه من منظومات الحاج جابر الكاظمي أيضا، أنظر أبوذية جابر الكاظمي، صـ 139 ط2، والكرباسي، نفس المكان.
3- كَــلبي بفكّـد خـلّـتي... بخير النحـب مـالـفن.
وهذا أيضاً من منظومات الحاج جابر الكاظمي، أنظر: أبوذية جابر الكاظمي صـ141 ط2 وراجع أيضاً: روائع الأمثـال صــ 232، لمعين بن خضـر الخياط، منشورات الرضـي، قـم-‘يـراان. والكرباسي، صـ 396.
وهـناك مـوالات نسـبت الى الحــاج زايـر وكذلك نسبت الى غيره، منهــا الموالات التالية:
1- يـاصاح عـودي ذبـل... وبـكل دوه مـايصـح.
وردت في ديوان الحاج زاير: صـ 62، فيما نسـب الشيخ علي الخـاقاني، هـذا المـوال الى: محمد علي الطلقاني المشلهـب،أنظر: فـنون الأدب الشعبي 2/65.. طـ 3.
2- ويـن الـرفـاكَـه الذي... عـد نخـوتي فــرعــون.
ورد في ديـوان الحاج زاير صـ 64 ونسبه الخاقاني الى عبد الحسين الملا عليوي أنظر فـنون الأدب الشعبي 2/60.
3- ابـا ت ليلي سهير الجســـد عظــّــني.
ورد في ديوان الحـاج زاير صــ 67 , فيما نسبه عامر رشيد السامرائي الى عبـّاس الأعسـم، أنظر: مـوالات بغـدادية صــ 374، منشورات وزارة الإعـلام العراقية، بغداد 1974، فيما أورده الكرباسي بالشكل التالي:
“لابـات ليلي نحـيل الجسـد عضـّـني”راجع ديوان المـوال الزهيري: صــ 396.
4- تـمـّيت أحـومي أعله...شوفك بس أروحن ورد.
ورد في ديوان الحاج زاير، صــ 158، فيما نسبه الخـاقاني الى محمد آل غضـب، راجـع، فـنون الأدب الشعبي 1/ 52.
5- مـا يـوم جــوّي من... غيـوم الأسه منجـلي.
لم يذكر في ديوان الحاج زاير، ونسبه السامرائي”موالات بغداية- صـ 324”الى جبــّوري النجـار، فيما نسبه الخـاقاني في فنون الأدب الشعبي 5/ 26 الى حـنفي عبد العباس، ونقل الكرباسي ذلك دون التـعـليق، أنظر ديوان الموال الزهيري صــ 396.
*أورد الكرباسي/ صـ 397، مـوّالاً مـنسوب الى الحـاج زاير، كما ورد في ديوانه، صـ157، وإلى إبراهيم أبو شبع، وفق رواية صاحب”روائـــع الأمثــال- صـ 189”بشئ من الإخــتلاف البسيط، في إبـدال بعض المفردات عن أمكنتها، في كلا المـوالين، ولـذا نـوردهـما، ليقف القارئ على مقدار الخلط والتداخل والنسبة الى الحاج زاير وغيره.
(الجدول اعلاه يوضح ذلك)

فيما أورد الكرباسي/صـ 397 / نصـاًّ أخـراً، فيه مزاوجـة واضحة بين النصـّين للمـوال على النحــو التالي:
من يـوم فـركَـاك... مـا لـذّن جفـوني بســنـــه
ياللـّي جبيــنك.... يشــع أعلـه البــدور بسـنه
صمصام لحظك طعن... منـّي الضـمـير بسـنــه
وخمـار شـوكَـك علي... سيف المـودة شـهـر
لمـّـن شهـرني، بحــالات الـتجــافي شـهــــر
إنتَ عليـك السـنه... تمضي بحـسـبة شهــــر
وآنا علي الشهـر... كل يـوم منـّـه بســهـنه.
تلك بعض المفارقـات التي أمكـنَ الحصول عليها ورصدهـا فيما هـو أصلي أو منسوب الى الحـاج زايـر، فيما هناك الكثير من شعره يتوجب إعادة القراءة والتمحيص بها بغية تشذيب نصوصه وإخراجها بالشكل اللاّئق الذي يستحقه أحـد أبرز شعراء العامية في العــراق.

عن موقع الحوار المتمدن