منذ ست وأربعين سنة ونحن ننتظر غودو!

منذ ست وأربعين سنة ونحن ننتظر غودو!

سامي عبد الحميد
حفزتني مقالة للدكتور هاشم عبود الموسوي نشرها في (العراق اليوم) بعنوان (منذ عشر سنوات ولم نزل ننتظر”غودو")، ان استذكر انتاجي لمسرحية صاموئيل ببكيت (في انتظار غودو) ترجمة الأديب والناقد الراحل (جبرا ابراهيم جبرا) لحساب (الجمعية البغدادية) عام 1967 وكان معي من الممثلين كل من (صادق شاهين وسامي السراج وهاشم السامرائي وعوني كروني) رحمهم الله، والمنسي المهاجر (روميو يوسف).

كان العمل مثيرا ومدهشا لجميع نقاده ومشاهديه حتى ان البعض منهم قارنه بانتاج للمسرحية نفسها شاهدة في لندن مفضلا اياه وربما كان لبساطة الإخراج وحسن المعالجة ولتلقائية اداء الممثلين وحسن اختياري لأدوارهم. ولكن للظرف الذي كان يمر به العراقيون والعرب اجمعين حيث الهزيمة والقهر والاستبداد وقمع السلطات كان له اثره في نجاح المسرحية بنظر الجمهوري العراقي.
وما أشبه اليوم بالبارحة.
استذكر هنا ما قيل عن ذلك العمل التجريبي الطليعي الذي كان مفاجأة لجمهور المسرح العراقي بوقته.
في مقابلة أجراها الصحفي (خالد الحلي) في ملحق جريدة المنار ليوم 30-3-1967 مع مترجم المسرحية (جبرا ابرهيم جبرا) قال الأخير:”لقد وفق المخرج توفيقا ادهشني وجعلني أرى المسرحية من جديد كأنني لم أرها من قبل ولم اقض اياما كثيرة في درسها وترجمتها.
هل لاحظت ما فيها من ايقاع سريع حافظ على التوتر الضروري. ثم لحظات الاستكانة المريحة التي تؤكد على ضبط الاتباع، كالموسيقى تماما، كان المخرج ايضا موفقا بالممثلين فقد اثبتوا كلهم براعتهم في اداء هذه الادوار الطويلة الصعبة التي تترنح بين شتى العواطف المتضاربة."
وفي تعليقه على المسرحية قال (الحلي):”نجد انفسنا إزاء أسطورة تجمع بين الضحك والمرارة، بين الايماءة الهازلة والمعنى الجاد المفعم برموز قد لا نستطيع تحديدها بسهولة. ضاعت الحدود بين الماضي والحاضر والمستقبل، هل من خلاص يرجوه الشريدان؟ هل من مخرج للازمة الانسانية؟"
وقال الناقد الراحل (عبد الوهاب بلال) في مقالة له في جريدة الجمهورية:”ليس من شك ان تقديم هذه المسرحية العالمية علي مسرح تجريبي صغير في بغداد يعتبر خطوة جريئة في تقديم مسرح بيكيت الذي اكتسح العالم فقد جاء صموئيل بيكيت بتجسيد بارع لوضع انساني ربما يكون معاصرا له بعد الحرب العالمية الثانية ولكنه ايضا وضع ينتمي الى كل زمان ومكان."
ويواصل (بلال) حديثه عن العرض المسرحي واداء الممثلين فيه حيث تحققت الإجادة في إعطاء المشاعر والأحاسيس التي تتصل بتجربة الانسان والذي يجابه الزمن ويجابه نفسه ويجابه كل ما يتهدده من لا معقولية في حياته حيث الخوف من الظلام ووحشته والتي تريد الانسان والخلاص منها فينتظر.
وفي جريدة (البلد) عدد 20-3-1967 يعلق الاديب الراحل (ادكار سركيس) على المسرحية قائلا:”وفي هذه البقعة الجرداء يوجد متشردان غير مشخصين تشخيصا دقيقا لانهما يمثلان البشر كافة، ينتظران مقدم شخص غامض كان قد وعدها او خيل اليهما انه وعدها بالمجيء لانقاذهما.. وهو لا يظهر ظهورا دراميا... والمتشردان يختلقان شتى الاحاديث ولكنها لا يفلحان في التفاهم والتعاطف رغم الجهد الذي يبذلانه، لان الانسان يعيش في عزلة مغلقة داخل نفسه لا يستطيع الخروج منها، وهما يحاولان الانفصال فلا يفلحان في ذلك ايضا لانهما يشعران بان مصيرهما مشترك ولانهما ينتظران غودو. وفي نهاية الفصل يبلغ اليأس بهما اقصاه، فيقرران الرحيل ولكنهما لا يرحلان، اذ لا يزال هناك بصيص من الأمل في مجيء غودو."
ومما يذكر بان فرقة المسرح الفني الحديث أعادت إنتاج المسرحية وبالكادر نفسه مع غياب الممثل (روميو يوسف) بدور (بونرو) وحل سامي عبد الحميد محله وقدم العرض على مسرح بغداد في نهاية عام 1970.
وحدثت في العرض الجديد تغييرات بسيطة في الشكل حيث صمم (فاضل السوداني) ديكوره.. وبقي المضمون الانساني على حاله.
ويذكر ايضا ان اقوى رد فعل من الجمهور لعرض مسرحية بيكيت كان قد حدث لدى نزلاء احد السجون الامريكية عندما عرضت عليهم.