محمد التابعي وشريفة زهور يكتبان عن أسمهان..  أكثر من أسمهان وأكثر من قصة

محمد التابعي وشريفة زهور يكتبان عن أسمهان.. أكثر من أسمهان وأكثر من قصة

عناية جابر
في أوائل عام 1949 كتب أمير الصحافة آنذاك، المصري محمد التابعي، أول فصل في قصة المطربة أسمهان في مجـلة «آخر ساعة»، ثارت إثر نشرها عاصفة من الأقاويل قسمت الرأي العام بين مُهاجم للتابعي مُطالب بعدم المضيّ في كتابــة بقــية القصة (هدّده ثريّ من اعيان الصـعيد بإطلاق الرصاص عليه لأنه نكأ جراح إعجابه وولهه بأسمهان) ومُؤّيـد قليل، يرجوه المضيّ في كتابة القصة حـتى نهايتها.

أكمل التابعي سرد روايته عن أسمهان وكانت تجمعه بها علاقة وطيدة، ومع كل فصل جديد ينشره، كان يحصد مزيدا من الأنصار المتابعين. القصة كاملة بين أيدينا صادرة في طبعة ثانية عن ‘دار الشروق’ (الطبعة الأولى صدرت سنة 2008) وتحمل عنوان: «أسمهان تروي قصتها» يسرد فيها التابعي قصة علاقتهما الغريبة، وبعض حياة المطربة الراحلة، الفنية والعاطفية والاجتماعية.. وأيضاً السياسية.
كنّا قرأنا لشريفة زهور «أسرار أسمهان”المرأة، الحرب، الغناء، إصدار «دار المدى» منذ سنوات ثلاث، وهو حصيلة جهود الكاتبة المثقفة التي عرفت كيف تكتب عن امراة غامضة.
في كتاب التابعي، يصف الكاتب أول مرّة رأى فيها إيميلي الأطرش، (اسمها كما جاء على شهادة ميلادها)، او «آمال”الأطرش كما سمّاها زوجها في ما بعد، الأمير حسن الأطرش، أو أسمهان كما شاء لها إسماً فنياً الموسيقار داوود حسني، يصفها التابعي حرفياً: إنها «شيء» صغير، نحيل مسكين يبعث الرحمة في الصدور! بقي التابعي يُكرّر ذات الجملة عن أسمهان في كافة مراحل علاقته بها التي قاربها في كتابه، كما لو يتنصّل من أسمهان وحبه لها الذي قرأناه متخفياً بين السطور. على كلّ علاقة أسمهان بالحياة كانت لتخيف أيّ رجل. علاقة غير يسيرة وتشي بمأزق بعض النساء في أحاسيسهن، وتوقهن الى التفّلت الكامل من القيود غير عابئات بمعايير زمـانهن الأخلاقية الصارمة. وعلى الرغم من تعابير التابعي المتوافقة مع كياسة الكــتابة عن امراة جمعته بها علاقة ما، فإن كل اهتمامه كان منصبّاً على التنّصل منها عبر نقل ما تداولته الصحافة الصفراء عنها، وعن مزاجها العابث وتورّطها في نشاطات الحلفاء والمحور ما أشغلها منزلة خاصة في الذاكرة العامة.
تأثر التابعي بالنهم المتزامن مع التفلت الذي عاشته المطربة أسمهان، في زمن بدا غير نموذجي للسماح به، لكن أسمهان ورثته كشرط لذاتها، وليس لغنائها وفنها فقــــط.
احتاجت أسمهان الى أكثر من «تابعي”وأكثر من رجل، لملء ثغرات فارغة حلّت في روحها لأسباب كثيرة، لن نلعب هنا دور الطبيب النفسي في تحليلها.
أسمهان الثانية
في مقارنة بسيطة عقدناها بين كتاب التابعي، وكتاب شريفة زهور عن أسمهان وأسرارها، نرى الى بحث زهور الجّاد عن حقيقة تلك المطربة التي بهرت العالم العربي بصوتها الماسيّ، والى الجهد المضني المبذول في سبيل سبر أغوار الأنثى الجريئة المفرطة في مواكبة العصر. أحد معاني مغامرة أسمهان في مسألتها مع المخابرات، تراه زهور مرتبطاً بوطنيتها، مع عدم نفي الكاتبة الوجه الآخر لتلك العلاقة، وهو طمع أسمهان بالمال لصرفه على ملذاتها، على الرغم من احسانها وبذلها الكثير حين تتوفر لها المادة.
تضيء قصة أسمهان في كتاب زهور، رؤية الشـــرق الأوسط للشأن الجنـسي، والسلـطة، والرعاية والعـلاقـــات والغنـــاء، وكيف تطوّرت هذه الرؤية في الثلاثينـــيات وأوائل الأربعينيات، حيث عاشت أسمهان حياتها في سياق النهوض القومي والإحباطات.
كانت أسمهان تأنف الغناء في حفلات عامة، وتؤثرهُ في سهراتها مع الأصحاب فتروح تُطلقهُ من مكامن لا تعـرفها هي نفسها، يتردّد صداه في ملحمتها الخاصة التي لم يفهمها أحد، لا أمها ولا اخوتها، ولا محمد التابعي ولا علي بدرخان ولا أحمد سالم، ولا صديقاتها أمينة البارودي أو ماري قلادة.
لا أحد ممن عرفته أسمهان، زوجاً أو صديقاً أو حبيباً لامس تراجيديا التصادم في داخلها. كتاب التابعي عنها، كتاب رجل مخذول في ذكورته وتسلّطه، أما زهور فتعتبر أن حياة أسمهان نقطة التقاء مصادر عديدة تضافرت في تلك المرأة، وحكاية يُمكنها أن تُلحّن، فيما تزودنا بملاحظات أخلاقية مهمة ومألوفة، او تؤدّى كأغنية ذات موضوع وتنويعات.

عن/ جريدة السفير اللبنانية