المدفعيان قحطان وهشام  ودار العمارة

المدفعيان قحطان وهشام ودار العمارة

اسامة الطائي
كان المكتب الهندسي للعمارة والهندسة والتخطيط (دار العمارة، مهندسون استشاريون)من اكبر المكاتب الاستشارية العراقية التي تأسست منذ خمسينات القرن العشرين ولايزال. وخلال هذه المراحل أنجز العديد من التصاميم المعمارية التي تعتبر دروساً في العمارة العراقية كما كان رائداً في تطوير المفاهيم التصميمية الهندسية في العمارة والتطبيقات الهندسية وادارة المشاريع.

نقل دار العمارة من الدول المتطورة العديد من التقنيات واشترك مع المكاتب العالمية وكان شريكاً مكافئاً في انجاز العديد من المشاريع والانجازات في العراق.

من المكاتب التي تأسست في خمسينات القرن العشرين كمكاتب معمارية وتحولت الى استشارية في بغداد في عقدي الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، يمكن ان نذكر المكاتب الاستشارية التالية :
1 ـ مكتب نيازي فتو وفيليب ناسي (مدني).
2 ـ اتحاد المستشارين : أسسه المعماريون مدحت علي مظلوم والدكتور محمد مكية وسعيد علي مظلوم وهنري زفوبودا (معماري).
3 ـ الاستشاري العراقي : تأسس من قبل عبد الله احسان كامل (معماري) ورفعة الجادرجي (معماري) واحسان شيرزاد (انشائي وقانوني). وقد عمل مع هذا المكتب عدد كثير من المهندسين مثل معاذ الالوسي وصفاء الكليدار و آرتين ليفوان مثل مازن كمونة و وجدان ماهر وعوف عبدالرحمن واخرين.
4 ـ دار العمارة : تأسس باسم قحطان المدفعي ومشاركوه اولاً ثم تحول الى (دار العمارة – استشاريون في العمارة والهندسة والتخطيط) من قبل الدكتور قحطان المدفعي (معماري) وهشام المدفعي (مدني وانشائي). وقد عمل في هذا المكتب عدد من المهندسين الاستشاريين المعماريين والمدنيين مثل عدنان اسود وبسام البير ونزار حمدون وانيس جواد واكرم وتوني وكالينا واخرون (معماريون)، وحفظي بهية وزهير البصري وجعفر محمد علي وغيرهم (مدنيون)، واختصاصيون اخرون كعبد الرحمن الحاج (مهندس كهربائي).

5 ـ مكتب قحطان عبد الله عوني (مكتب معماري).
6 ـ مكتب هشام منير وناصر الاسدي وعبد الجبار المختار (مكتب معماري).
7 ـ مكتب مهدي الحسني ومحب الدين الطائي وشاكر السعدي (مكتب معماري).
8 ـ مكتب الروافد : اسسه الدكتور ناجي عبد القادر وهاشم حمزاوي (مكتب هندسة مدنيه).
9 ـ مكتب الخازن، مهندسون مدنيون : اسسه المهندسون منذر فتاح (ميكانيك) ومحمد مخزومي (انشائي) والدكتور عبد الكريم العلي (مدني).
10 ـ مكتب مدحت وسعيد علي مظلوم (مكتب معماري).
11 ـ مكتب نوري محمد رضا (مكتب مدني).
كما تأسس في تلك الفترة ومارس العمارة والاختصاصات الاخرى عدد من المكاتب الفردية التي لايمكننا ذكرها هنا والتي لم تكن متفرغه لأعمالها الاستشارية.
وفي فترة سبعينات القرن العشرين تأسس”المركز القومي للهندسة الاستشارية”من قبل الدولة وكان الهدف منه ان يقوم بالتصاميم المعمارية والانشائية للمشاريع الحكومية. انظم العديد من المهندسين المعماريين ومنهم هنري زفوبودا ومعن سرسم ومن الاختصاصات الاخرى، وتمكن من انجاز العديد من المشاريع الحكومية التي تمت احالتها في المركز مباشرة. بسبب كون هذا المركز حكومي، استطاع ان يستغل هذا الموقع ويتفوق على العديد من المشاريع التي نجح في انجازها الا انه لم ينجح في العديد من المشاريع الاخرى الا بعد تأخيرات وتعديلات على شروط التقاعد. وفي اواخر السبعينات وبتوجيه من قيادات الدولة، تكون في كل وزارة تعني بالمشاريع التطويرية مكتب استشاري يقوم بالتصاميم للمشاريع منافسا للمكاتب الاستشارية الخاصة.
اثبتت التجارب التي مررنا بها عدم نجاح المكاتب الاستشارية في الوزارات والجامعات وذلك لتعدد المهندسين المصممين والمعماريين على مشروع واحد وعدم وضوح عائدية الفكرة التصميمية وعدم وضوح المسئولية التصميمية، هل هي لمهندس معين ام لمكتب الوزارة ام مسؤولية الوزارة؟لم تكن هذه الممارسات لمكاتب هندسية عائدة الى الوزارات او الجامعات، محبذةمن قبل المكاتب الخاصة، اذ اثبتت التجارب عدم نجاح هذه التجربة واستغلال بعض المهندسين نشاطات المكاتب لأغراضهم الشخصية.
بدأ الاستاذ قحطان المدفعي المهندس المعماري بتأسيس مكتبه للهندسة المعمارية منذ سنة 1952. وقد نجح بتفوق في معظم الاعمال التي قام بها، وحازت تصاميمه المعمارية على الجوائز الاولى في العديد من المسابقات المعمارية منذ الخمسينات من القرن الماضي. ومنها دور موظفي المصافي في الدورة، ودور شركة مدينة المنصور (حي المنصور حاليا).
التحق الاستاذ هشام المدفعي بمكتب شقيقه الاكبر قحطان المدفعي بعد استقالته من شركة نفط البصرة عام 1954، وسماه قحطان(مكتب قحطان المدفعي ومشاركوه). وكانت معظم اعمال المكتب تنحصر في تصاميم الدور السكنية في بغداد، والقليل منها خارج بغداد. ولما كان معظم مؤسسي المكتب هم موظفون في الدولة صباحا كانت المكاتب الهندسية غيرواسعة بسبب صغر الاعمال الموكلة اليها وتعمل عصراً فقط، صادف ان تركزت كل تلك المكاتب في الطابق الاول من عمارة مطاع الخضيري الواقعة في نهاية شارع الرشيد مطلة على منطقة الباب الشرقي , وهي مكتب (الن ونزار علي جودة) ومكتب (قحطان المدفعي ومشاركوه) ومكتب (عبد الله احسان كامل ورفعة الجادرجي واحسان شيرزاد) ومكتب (قحطان عبد الله عوني) ومكتب (مدحت وسعيد علي مظلوم).
وبتوسع اعمال مكتب دار العمارة، اصبح بقاؤه في عمارة الخضيري غير ممكن. وبإنتهاء اعمال البناء في عمارة منير عباس الصغيرة، التي صممها مكتب عبد الله احسان ورفعة الجادرجي في ساحة الوثبة، تقرر الانتقال الى مكان اوسع في هذه العمارة، يكفي لنشاطه الهندسي المتنامي. كما انتقل مكتب عبد الله احسان والجادرجي ايضا الى الطابق الثاني من العمارة نفسها. وفي منتصف الستينات، وبعد توسع اعمال دار العمارة، تقرر تغييراسم المكتب لرفع الصفة الشخصية عن تعاملاته. وبعد دراسة عدد كبير من الاسماء، اختار الاستاذ قحطان اسم (دار العمارة ــ استشاريون في العمارة والهندسة والتخطيط)، وتم الاتفاق على هذه التسمية الجميلة. وعمل بتوجيه قحطان على الاسم الرمزي (logo) المهندس عدنان اسود وهو احد معماريي المكتب، واعتمد لدى نقابة المهندسين. وفي الوقت نفسه اعتمدت المكاتب الاخرى الاسلوب نفسه مثل مكتب الاستشاري العراقي والخازن والروافد.
عندما اعلنت مسابقة وضع تصاميم عمارة مصرف الرهون، قرر كل من قحطان وعبد الله احسان كامل من مكتب الاستشاري العراقي المشاركة في المسابقة. وكأي مسابقة معمارية، بدأ عمل المعماريين عبد الله وقحطان على عمل التصاميم في الايام الاخيرة قبل موعد التقديم. لم يكن لديه من الرسامين من يتمكن من مواكبة متطلبات الرسم في الساعات الاخيرة، لذا قام هشام المدفعي ورفعة الجادرجي باعمال الرسم في الليلة الاخيرة التي سبقت يوم التقديم. يقول الاستاذ هشام : ((واتذكر ان قحطان وعبد الله خرجا لتناول العشاء زهاء الساعة العاشرة ليلاً، وبقينا انا ورفعت مستمرين بالرسم باستخدام ادوات التحبير البدائية التي كانت مستخدمة آنذاك. وعند عودتهما علمنا بانهما اتفقا على تغيير بعض التصاميم للطابقين الارضي والاول، مما يدعو الى تغيير لوحات الرسم. وعلى الرغم من امتعاضنا انا ورفعة على ذلك، فان الرسم استمر الى ساعات متاخرة حتى تم اكمال اعمال الرسم في صباح اليوم التالي. وفي ظهر اليوم التالي قدمت التصاميم الى لجنة التحكيم ومن اعضائها المعمارية الن علي جودة والمهندس المدني نيازي فتو.
بعد اسبوعين التقى قحطان بالسيدة الن، وقد شعرنا بانها كانت فرحة عند التحية، مما يدعو الى التفاؤل بنجاحنا، وبالفعل فازت تصاميمنا بالجائزة الاولى. وقد شيدت عمارة مصرف الرهون ونفذت بموجب خرائط المسابقة، وهي اول عمارة متعددة الطوابق يقوم مكتبنا بالمساهمة في تصاميمها المعمارية وقام الاستاذ احسان شيرزاد بالتصاميم الانشائية الإنشائية. وبقيت لفترة طويلة من اجمل الابنية في بغداد)).
اخذت اعمال المكاتب المعمارية تتوسع يوما بعد يوم، مما دعا الى ضرورة اشراك مختلف التخصصات الهندسية الاخرى لوضع التصاميم اللازمة. وبدأت المكاتب بالاعتماد على المهندسين الاختصاصيين، كالمهندسين الكهربائيين لمنظومات الطاقة والانارة، والمهندسين الميكانيكيين لأعمال التكييف او التبريد، والمهندسين الصحيين لأعمال الماء والمجاري. اضافة الى اعمال فحص التربة مختبريا ومعرفة مقدار تحملها.
كانت الاعمال التصميمية تعتمد الشروط العالمية المعترف بها، كالمواصفات البريطانية او الامريكية لعدم وجود مواصفات عراقية كاملة وكان من الاعتيادي ان ترى مراجع علمية تخطيطية او معمارية او هندسية في قاعات الرسم في المكاتب، وتجدد بين فترة واخرى حسب متطلبات العمل. وكان من السهل ملاحظة اعداد المهندسين المصممين في مختلف الاختصاصات، في تلك المكاتب لتجعل من تلك معاهد علمية للبحث عن افضل الطرق واسلم الحلول التصميمية، وتحليلها وفق المواصفات العالمية، ومطابقتها لظروف العراق وطبيعته. فلا غرو ان نجد الخريجين الجدد من المهندسين، ينخرطون في مكاتبنا للتعلم وتلقي الخبرات التصميمية بشكل مباشر.
بعد ثورة 14 تموز عام 1958 اتجهت سياسة وزارة التخطيط الى فسح المجال امام المهندسين الاستشاريين العراقيين للاشتراك في تصاميم المشاريع الهندسية بشكل اكبر واكثر لذا في اوائل الستينات، اختيرت المكاتب لوضع تصاميم المستشفيات الصغيرة واعمال متخصصة اخرى. وأنيطت بمكتب (قحطان المدفعي ومشاركوه) الاعمال التصميمية لمصح في اربيل. وكانت هذه نقطة المباشرة في الانتقال من الاعمال التصميمية لمشاريع صغيرة الى مشاريع كبيرة. مما اتاح الفرص لدار العمارة والمكاتب الاخرى الى الاشتراك مع المكاتب الاستشارية العالمية، وبالتالي نقل الخبرات الاستشارية العالمية الى العراق. وبدأ الاستشاريون العالميون يقدمون طلباتهم للمساهمة مع مكاتب دار العمارة في اعمال هندسية متخصصة. ولاشك انهم كانوا يسعون الى الحصول على الخبرات المحلية، وتحقيق الاعمال نفسها بكلف عمل اقل.
فُتح الباب على مصراعيه للاعتماد على المهندسين العراقيين، في وضع تصاميم المشاريع الهندسية الرئيسة في العراق. وشرع المهندسون العراقيون في اثبات كفاءتهم ومهارتهم لدى الاستشاريين العالميين. واصبح بإمكان الوزارات المختلفة دعوة المكاتب الاستشارية العراقيةللاشتراك مع المكاتب العالمية في المسابقات المعمارية للمشاريع الكبيرة لوضع التصاميم الهندسية المطلوبة لمشاريع واسعة كتخطيط المدن والمشاريع الصناعية والزراعية والسياحية وسائر اعمال الهندسة المدنية المختلفة.
وبعد تحقيق هذه النجاحات، اكتفى العديد من المهندسين العراقيين بالتركيز على الاعمال في العراق. غير ان بعضهم آثر الانتقال الى خارج العراق بصفة شخصية او فتح فروع لمكاتبهم لممارسة المهنة، وفي منطقة الخليج العربي والمملكة السعودية على وجه التحديد. وهكذا نشطت مكاتب (الاستشاري العراقي) و(الدكتور محمد مكية) و(مدحت وسعيد علي مظلوم) في الكويت ودولة الامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين. وقد اثبتت هذه المكاتب كفاءة عالية في العمل، الا ان تغير تعليمات السفر بين فترة واخرى والنظام الضريبي في العراق والضوابط المالية المتشددة في تحويل العملة وغيرها، جعلت من ممارسة المكاتب اعمالها بشكل طبيعي تكتنفه الكثير من الصعوبات، مما دعا البعض الى تأسيس مكاتب عراقية في الخليج لاترتبط مع المكاتب الاصلية في داخل العراق. ان الصعوبات المذكورة حرمت العراق والنشاط الهندسي في العراق من زيادة الخبرات المعمارية والهندسية. وجعلت اولئك المهندسين يتفرغون للعمل خارج العراق. وبذلك خسرنا العديد من كبار المهندسين وخبراتهم.
بحكم الاختصاص والاقدمية قُسمت الاعمال في مكتب (دار العمارة)، بحيث كان الاستاذ قحطان المدفعي مسؤولا عن جميع الاعمال المعمارية والتخطيطية، ويرتبط به المعماريون العاملون في المكتب، اضافة الى الامور التي لها علاقة بالخطط التنظيمية الرئيسية للمشاريع، وكان الاستاذ هشام المدفعي مسؤولا عن جميع الاعمال الهندسية من التصاميم الانشائية والاسس ووضع المواصفات وشروط العمل الخاصة والاعمال الموقعية كافة، والاشراف على الجانب التنفيذي من الاعمال الموكلة للمكتب، والتنسيق بين النشاطات الهندسية المختلفة مع المكاتب المتخصصة الاخرى كالكهرباء والتكييف. كما كان مسؤولا عن الجانب الاداري للمكتب وعن العلاقات التعاقدية في المكتب او مع المكاتب الاخرى. لقد كانت ادارة الدار ووضع سياساتها تتم بالتنسيق والحوار المستمرين بين المدفعيان. عمل مع دار العمارة عدد كبير من المهندسين والرسامين، طيلة مراحل اعماله وسنواتها الطويلة. يقول الاستاذ هشام في مذكراته : وافتخر اليوم عند لقائي مع البعض ممن عمل او مازال معنا. كان مكتبنا معهدا متخصصا، يلتحق به المهندسون كمصممين في المشاريع العاملة في المكتب، فينهلوا من خبراته وتجاربه السابقة الشيء الكثير. وبعد سنوات من العمل معنا، قد يترك هؤلاء مكتبنا، لفتح مكاتب خاصة بهم او الالتحاق بالجامعات للحصول على شهادات عالية، او العمل في المكاتب الهندسية في خارج العراق.
يعد مكتب دار العمارة من اكبر المكاتب الاستشارية في العراق، ومنذ الخمسينات عمل على وضع التصاميم الهندسية لعدد كبير من المشاريع. ورغم تكاتفه مع مكاتب اخرى للعمل المشترك، فقد كان يفضل ان يكون للمكتب الدور الرئيس في تنفيذ الاعمال المشتركة. وعلى سبيل المثال اشتراكه مع مكتب المعماري سعيد علي مظلوم لوضع تصاميم بناية وزارة المالية، فأخذ قحطان على عاتقه وضع التصاميم المعمارية كاملة، وقام هشام بوضع التصاميم الانشائية، ووضع المواصفات للأعمال وجداول الكميات. كما استعان بالمكتب مكتب مهدي الحسني لوضع التصاميم ومواصفات الاعمال لمجزرة ومعمل اللحوم في الموصل، وذلك لعدم توفر الخبرة لديه لمثل هذه الاعمال.