ناجح المعموري : من زاوية معرفية وشخصية

ناجح المعموري : من زاوية معرفية وشخصية

سعد المرشدي
1
إن الحديث عن ناجح المعموري يعني الحديث عن لحظة ثقافية استثنائية في تاريخ الثقافة الحلية، إذ استطاع أن يصنع له حيّزا ثقافيا خاصا به، وهو حيّز له وقْعٌ واضح في الثقافة المعاصرة على وجه العموم، وعلى الخارطة الفكرية الحلية على وجه الخصوص.

إن ما يمنح ناجح المعموري فرادته الثقافية، هو تحدّره من (النّموّ) أساسا معرفيا لطروحاته ومؤلفاته التي شغلت حيّزا كميا ونوعيا لافتا، أقول إنه انطلق من مبدأ (النّموّ) في زمن تفتقد اليه الثقافة الحلية ويفتقد أغلب مثقفيها لهذا المبدأ، وعلى نحو متعجل ودون الخوذ في تفاصيل هذه المسألة التي تمتد بنا الى مساحات شاسعة من القراءات الاجرائية للمنجز الثقافي الحلي وطبيعته المعرفية المتنوعة، وايمانا بروح الشهادات التي تُكتب في هكذا اجواء، أقول : إن ناجح المعموري علامة ابداعية فارقة اذا ما جعلنا أنفسنا في مواجهةٍ حقيقية وجوهرية للثقافة العراقية على وجه العموم، والثقافة الحلية على وجه الخصوص وعبر ركنيها : التاريخي والمعرفي.
2
لقد بدأ ناجح المعموري مشروعه الفكري - وهو الخوض في الذاكرة الاسطورية وافرازاتها- في وقت كان فيه الماخ الثقافي العراقي تغلبُ عليه حاكميةٌ مقيتة ألقتْ بظلالها السود على كل محاولة تثوير او تغلغل او تنوير، فمعنى أنْ تختطّ لك هاجسا كتابيا خاصا بك – وهو هاجس سلبي في وعي الثقافة العراقية او القائمين عليها آنذاك – معنى أنك خارج حركة ذلك الواقع وخارج حركة تاريخه المزيّفة، فكان ناجح على وعي تام بقراءة هذا الواقع وما يكمن تحت غلالته من كذب وقمع وتهميش.
3
تعرفتُ على ناجح المعموري أدبيا وأنا في نهاية المرحلة المتوسطة حين قرأتُ واحدةً من أعماله الروائية حينها أحسستُ أن نسقا غرائبيا لا أعرف كنهه ولا أعرف مرجعياته كان قد دبّ في نسيج الرواية وبناء شخصياتها، وبدافع من تساؤلاتي المتعددة عرفتُ أن المؤلف كان يسعى الى أسطرة شخصياته وتغريبها، أقول هذا الكلام لا بدافع التوثيق لجزء من ذكرياتي الشخصية كما يبدو من خلال الملاحظة العابرة، بل أقوله لأن ما فعله ناجح في تلك اللحظة شكّل بداية الانطلاق لنمو مشروعه ولخّص جوهره الاساس فيما بعد، وأيقنت فيما بعد أنه لم يكن همّ ناحج حينها صناعه حدث يعبر عن مزاج اللحظة السياسية ومزاج القائمين عليها آنذاك، بل التعبير عن مزاج ناجح نفسه وهو منشغل في صناعة ورسم ملامح شخصية اسطورية وهو بذلك كان بارعا في الانفلات من واقع هشٍّ متداعٍ، والايذان بواقع كتابي يلوح بتباشير النزعة الاسطورية التي غدت فيما بعد هاجسا يمارس ضغطه بقوة في آفاق الكتابة الابداعية بأجناسها المختلفة لديه.
4
كان ناجح ولا يزال مؤمنا بضرورة تفكيك التاريخ والماضي سياسيا وثقافيا، مؤمنا بأنه في هذا التفكيك يُتاح لنا أن نعيد قراءة الماضي في ضوء الحاضر وفهمه من أجل اكتشاف العلاقة بين التاريخ والسياسة وبين الدين والفكر والشعر والفلسفة.
5
عرفته زاهدا ليس بالمعنى الديني العابر، وانما كان زاهدا في تعامله مع الحياة والناس، منشدّا انشداد الجنين الى رحمِهِ الأول (الحلة) بتضاريسها وخرابها وخوفها، يفرح لفرحها ويحزن لحزنها.
إنه كلكامشُ الحلة وابنُها البار، الذي رفع عنوان الخلود، فهو كلكامش الذي لا يعرف اليأس ولا الأمل وانما يعرفأن الحياة عمل متواصل، عرفته دؤوبا مليئا بحيوية قرائية أخّاذة ولافتة للنظر على الرغم من رياح السنين الباردة.

وأخيرا أطبعُ على جبينك قبلة محبة وسلام وأمان، داعيا من الله ان يمد بعمرك لرفد هذا التراث بعطائك المميز.