(الأبيض كان اسوداً) دراسات في الفوتغرافيا.. قراءة ثقافية

(الأبيض كان اسوداً) دراسات في الفوتغرافيا.. قراءة ثقافية

د. محمد أبو خضير
يؤشر المتلقي ان الفوتغرافيا العراقية عبر أجيالها لم تتخلص من ترصد لمظاهر البيئة ما شكل من الصورة بعداً إنسانياً يعكس الحياة الاجتماعية والشاملة التي يمكن توثيقها بتقانة الكاميرا الفوتغرافيةأو تكون رصداً انثرولوجياً للحياة العراقية.

ويعمد الباحث (ناجح المعموري) في كتابه (الأبيض كان أسوداً دراسات في الفوتوغرافيا قراءة لثلاثة من الفوتغرافين العراقيين إلىتأويل الصورة وقراءتها في شمولية معرفية لتنتهي الصورة وفق ما نقرأهإلى كونها (جملة ثقافية) تعكس انماط الحياة وقراءتها المهمشة عبر المكان الانثرولوجي/السيميائي /المعماري/ الجنوبي/التناص/ ودلالات المعمارية الرسموية.
يرصد (المعموري) في نصوص (فؤاد شاكر) دالات سوسيو- ثقافية عبر النسق الذي أحتكمت اليه انساق الفوتغرافيا العراقية في تكريسها لنصوص بيئوية تعتد بالماضي أو الكائن الاجتماعي فكانت نصوص (فؤاد شاكر) مرتكزة حول (الزقاق البغدادي/ المعمارية/ الشيخوخة/ الطفولة/ المكارية/ المرأة/ الملبس/ الأكل....) وتتوافر في قراءة (المعموري) مقولات الفضاء وحيوزه في فنون الأداءالمفاهيمي لـ(باشلار) وثنائية المغلق/ المفتوح.
ويذهب (المعموري) إلى قراءة صحيفة سيميائية في فضاء السوسيولوجية المعماري مثل (الجدار) بكل محمولاته من المدونات الشفاهية والكتابية ورسوم الأطفال والطوبيولوجية النص الجداري نفسه ومهيمناته بعدة فاصلاً أو حامياً أو شارة سوسيو-ساكيولوجية وتتنوع لغة (المعموري) بين مدخراته وراسبه السردي من وصف وسرد وممكانته من اللغة المفاهيمية. اذ تتسلل لغة السرد والحدث في الاتصال بالصورة الفوتغرافية مع مقولات فلسفية وأدبية ومعجمية تعين الناقد في اشتباكه مع النص الفوتغرافي الذي ينفتح لديه يكون عتبة ثقافية حافلة بالأداءات النسقية والحياتية.
يكرس الناقد (المعموري) إشاراته المكرورة إلىالانساق الثقافية التي تحكم ومضة/ نسق الانثى في مشهدية الصورة فهي حاضرة وفق حشد نسائي وهو شأن يدرء عنها أفعال الافتراق والازاحة في ميدان الحياة/ الشارع/ الزقاق. لينتهي إلى شأن ثقافي لهو إشارتهإلى مهيمنات الذكورة في ترحيل الفوتغرافيا.
وتتنفس أفكار ومفاهيم الميثيولوجياومرجعياتها لدى (المعموري) واهتماماته في متن النص حيث ثنائيات (الخصب/ الفداء/ التضحية).
ينهض فعل القراءة لدى الناقد على تسريد الصورة الفوتغرافية في مشهديةالأشخاص الثنائية/ الزمكانية والوصف وسينوغرافيا الفضاء كما في النص الخاص بصور (أحياء الكرخ القديمة) (متوجة بالصباح معلنة عن فوضى وحرية شابة كبيرة حاسرة الراس وبشعر ولادي تضع طفلاً أمام المشهد وعلى يسارها نصف جسد وبوجه كامل. بزغ من احدى الأبواب الشمس إضاءات الزقاق والتمعتالشناشيل فوق أبواب مداخل البيوت. الزقاق ضيق وكان مساحته صيانة له. مساحة قصيرة وضيقة اتسعت لسبعة كائنات خضعت أيضاً للجدل والحركة الأولى في المشهد).ص/20
ويوقف (المعموري) إشارتهالتناصية المتكررة لفتح مساحة محايثة بين (فؤاد شاكر) المصور و(إبراهيم العبدلي)الرسام والذي يؤشرة (المعموري) انموذجاً نسقياً في ترصد البيئة العراقية. وذلك ما نجده قاراً في التشكيل العراقي ومكوثه عبر أجيال متلاحقة في النوستولوجيا للحياة والبيئة العراقية حيث (الازقة/ الشناشيل/ الشغيلة/ والشرائح المهمشة) ويمكننا قراءة النص التسجيلي او التسجيل الفوتغرافي في نصوص (فؤاد شاكر) منعكسة في قراءة الناقد (ناجح المعموري) من حيث العمارة البيتية والشارع والسيمياءالملبيسية والعدد المهنية والأنماطوالأيقونات الشخصية (عجوز/ شحاذ) ووسائط النقل (دراجة/ سيارة) التي يمكن تنسيبها إلى متحف الحياة في عقود الستينات من القرن العشرين.
ونحسب ان نص الصورة الفوتغرافيةفي محايثةوآليات اللفظ او اللغة السردية وذلك يطيح بماهية الفوتغرافيا ليشمل (شعرنة) التشكيل العراقي عموماً حين تتوازن وتتعادل وتتضاها الصورة مع الملفوظ فثمة مقارنة او محاورة تعبيرية مضمرة بين المسموع والمدون الرسموي دون فارزة ادائية ونصوص (فؤاد شاكر) في انشاءها البنائي تعتد بالحنين صوب مدونات الذاكرة والتاريخوالفضاء مترسمة خارطة المدينة (بغداد) متحركة في تحولاتها الحياتية الطوبيولوجيةلستقر مدونات (فؤاد شاكر) مدونة معنوية (من المعنى) منها إلى منظومة بصرية / تشكلية تؤسس لنص يتطلع إلى قراءة تاويليةإضافةإلىمحايثة النصوص الفوتغرافيةلنصوص وأيقونات التراث او/الموروث اليومي لمدينة (بغداد).
ويؤشر (المعموري) ثنائية (فؤاد شاكر) المتمركزة في نصوصه الفوتغرافية (الطفولة/ الشيخوخة) ويجد في النهاية متطلعاً إلىتساؤل عن تناظرشخوصة وهم من خريف العمر ويسوغ ذلك بان الشيخوخة واحدة وذلك ما أوقع النص الفوتغرافي لدى (شاكر) لدينا إلى نمطية مألوفة رغم ترصدها للهوامش من الأشكال وهوامش الشخوص داخل فضاء المدينة.
وتتناص قراءة (المعموري) للنص الفوتغرافي وقراءته للنص السردي من حيث طبائع الشخصيات وظروفها الزمكانيةوالساكيولوجية فهم أي الشخصيات (منشغلة بماضيها تستحضره وتستعيده محاوراً لان الشيخوخة هادئة وميالة لذلك), ص/31.
ونجد في هذه الإشارةبعداً صامتاً أدائياً في نص (المعموري) الندي الحاشد بالشعرية باعتمادها لنصوص جمالية وفنية وأفكار اجتماعية وانثرولوجية وتاريخية ومعمارية.
كما حملت النصوص النقدية دلالاتها الشعرية عبر التناص القائم بين النص الفوتغرافي والنص الشعري فهناك مقاربة بين المصور (فؤاد شاكر) ونص الشاعر (سركون بولص) فيما يخص دالة او علامة انثرولوجة كـ(المسبحة) وكذلك علاقة (الكرسي) في كلا النصيين وتجنيسهما الإبداعي وتستقر قراءة (المعموري) لنصوص (شاكر) الفوتغرافية الى انساق حمولتها في أداءهاالاتصالي:
1.ثنائية – الطفولة/ الشيخوخة.
2.الفضاءات المدينية(شارع/ مقهى/ عتبة).
وفي منجز الفنان (كفاح الأمين) تحصر المدينة بكل معالمها اثر الرضات التي تعرضت لها فتتم الإشارةالملحامة لدى الفنان إلى المشهد الفضائي دون الدخول في تفاصيل جغرافية الجسد الإنساني وفردانية كما هو الشأن في نصوص (فؤاد شاكر) الفوتغرافية فالمدينة تتناصف بين (أفقية)(فؤاد شاكر) و(شاقولية) (كفاح الأمين).
وملاحقة (المعموري) لنص الصورة ملاحقة (العين الثالثة) للقطة التي يدشنها ما هو طبيعي لينتجها الفنان وفق ذائقة ثقافية ليكون ل(المعموري) متناً ثالثاً من ملاحقة النص المصور وبذلك تحول (المعموري) إلى ما يمكن ان يكون (راوي الرواة) البصري في مفاهيم السرد ما يدخل قراءته في عتبة (تسريد الصورة) وانشاءها البصري ويبدو تدخل الفنان (كفاح الأمين) في تشكيل الصورة الفوتغرافية جاهزاً عبر الضوء وكثافته والتقاط ومضة ما وذلك ما يميزه وتشكلات الصورة لدى (فؤاد شاكر) فالفضاء وأمكنته لا يكتفي عنده بترسيمات الطوبيولوجية الطبيعية او الطبيعة ليكون انجازاً مؤسلباً لصالح الفنان.
ان حركية الصورة لدى (الامين) في لياقته رصد للقطة تتحول إلىأداء لدى الناقد (المعموري) قارئاً لفعل الالتقاط وتقترن قراءة (المعموري) بمقولات الرمز لدى (كاسيرر) بإشاراته إلى علامات(المنارة – النخلة) وسيمتريتهاالقضيبيةومرموزات (القبة) بعدها منتجاً للولادات كما يعرج الناقد إلىآليات الوصف والسرد في نتاج (كفاح الأمين) كما في نص صورة (الرجل المحق بالفضاء الذي أمامه مشطور الوجه نصفه ظاهر في الصورة محدقاً بعين واحدة).
وفي منجز الفنان (ناصر عساف) يتوقف الناقد وتراكمات نصوص (عساف) الخاصة بجغرافية الأهوار في جنوب العراق ومستويات التنميط الشكلي من عناصر الطبيعة والحياة الإنسانيةواداءاتهاالانثرولوجية (قصب/ ماء/ قارب/ جاموس/ مردي/ بيوت) وهي إشارات في (أفق توقع) المتلقي لتناصها والكثير من خصوص الأدبية والسردية والانثرولوجية والفنية البحثية عالجت موضوعة (الأهوار)مثل (جمعة اللامي– فهد الأسدي – جاسم عاصي- محمد الحمراني – وارد بدر السالم) والفنان التشكيلي (ماهود احمد) ورواد الانثرولوجيا العراقية (د. شاكر مصطفى سليم ومصطفى الشيبي) ما يتيح للصورة لدى (عساف) ان تتفلت أحياناً عن مصفوفات التناص بمستوى أو اخر.
وذلك ما تحسب له (المعموري) وتفطنه إلى دلالات مثل (الماء) وأبعادهالسيمولوجيةوالانثرولوجية وفتح دالات متافيزيقية ورمزية وجنسية.
ولـ(المعموري) ان (يصور) (الاهوار) سردياً في نصه الذي ختم به الكتاب في قراءة انثرولوجية عمادها طروسالأساطير والحكايات ومواقع الجغرافية والتاريخ والناقد (المعموري) في قراءته للفوتغرافيا يعدها سردية من سرديات الامم وفق (ادوارد سعيد)واستجماعها للفنون والاداب والمعارف والفلسفات وذاك ما سعى اليه (المعموري) الذي شهدت له الثقافة العراقية حضوراً في السرد والنقد المسرحي والتشكيلي والسردي والدراسات ما بعد الكولونيالة ليكون مدشنا لواحدة من الدراسات او/ والقراءات لفن لم يزل في موقع التهميش والنفعية في منظومة الفنون التشكيلية والثقافة العراقية عموماً.
ونص الناقد (المعموري) النقدي (الابيض كان اسودا دراسات في الفوتوغرافيا) في تناص والمتداول اللفظي والشعبوي فيما سمي ب(العكس) الذي يدل على الصورة الفوتغرافيةبأدائها وترحلها من (النكتف) إلى الصورة وهو في تناص وعنوان (رولان بارت) (الغرف المضيئة) في احتمالها للألوان التي تعترش على ثنائية (اسود – ابيض) وتتجه قراءة الناقد لنصوص الفوتغرافيا العراقية إلى مبدا التزمت به دراسة الانساق مثل (التشجير) فهو في التزام منهجية الانثرولوجيا على انساق سوسيولوجية وفكرية تخص مجتمع الصورة وعالمها السيمولوجيةوالسينوغرافي دون الاكتفاء بملمح أو دالٍبذاته ماحايث دراسته والدراسات الثقافية.
والفوتغرافيا في شوطها الجمالي في عزلة والذائقة الفنية اذ لم يتم درجها في دروس ومذاهب واتجاهات وتيارات فنية من (كلاسكية/ رومانسية/ تعبيرية)لتكون محض (انعكاس- عكس) للواقع باثر اقترانها بفعل التقانةشانها في ذلك وبدايات السينما الأولىالمعنية بالتسجيل والانعكاس والتشخيص ويشير (رولان بارت) الى هذا في مقدمة كتابه (الغرف المضيئة) بان الفوتغرافيا احب اليه من السينما والقراءة البصرية لـ(المعموري) بأبعادها الثقافية لا تتقيد بتقنيات الفوتغرافيا ومستويات التسجيل والتوثيق فالنص الفوتغرافي. نصاً (ظاهراتياً) في كل مبثوثاتهالعلاماتية والاستجابة من بعد لها ما يرشح هيئة الأشياء او/ والعلامات لديه ف(الغيليون) لدى (بارت) في النص الفوتغرافي هو (الغيليون)ان قراءة الناقد تشرع بتقشير العلامات لتتكاثف علامات أخرى ذات منحنيات مسكوتاً عنها.
والنص عند (المعموري) رغم داله التعريجي لمرجعيات معلومة تظل العلامة السردية في مسارها التاريخي المتجادل مع ذاتها وسعتها خارج الحتمية الفوتوغرافيا.
وفي مجمل الاتجاهات الفوتغرافية العراقية المقترنة. قصد الفنان الفوتغرافي بحتمية الواقع وان أتت تلك المنسوبية باختلافات ملحوظة فالكون الواقعي ينفتح جلياً في منجز رواد الفوتغرافيا العراقية وما تلاهم من أجيال بدءاً بـ(الداغستاني/ ناظم رمزي / حازم باك...) وبذلك تشح مسوغات انتاج الدال في مجمل النصوص الفوتغرافية العراقية الساعية إلىالمداليل وأحاديته و(المعموري) يتجاوز أبعاد الصورة المصورة بصورة اللحظة الآنيةالسوسيو- ثقافية والساكيولوجية التي تخص الذات والتقانة اللاقطة فهو وفق (بارت) أيضاً يعزل ذاته عن ذات (المصور) رفضاً(ان ارث أي شيء من عينأخرى سوى عيني) برغم ان هذا شان يستلزم عزيمة بصرية استثنائية بعد الصورة الفوتغرافية ذات مرجعيات صريحة سيما الصور العراقية فان امتلاك المنهج القرائي ذا أهمية عالية للقارئ أو الناقد الفوتغرافي.
ولا يكترث (المعموري) في قراءته ب(البصرنكترام) بقدر مجاراته لتحولات الشفرة الصورية. لتتموج ابستمولوجية تخص إنتاج واستقبال الصورة. فثمة تمرحلات لإنتاج اللقطة عبر الكاميرا وزوايا الرصد والتلقي ما يخلق أفعال تأويلية لدى المتلقي من تخليق لصورة ذاتية سيما وان الكتاب لم يحمل صورة من صور الفنانين الثلاثة ورغم الإشارة الفنية إلى ذلك الا ان المتلقي يسايق النص النقدي عبر مدخرات الذاكرة والتاريخ الذي يجسد موضوعاً عاماً لدى الذات العراقية ويحال عنوان الكتاب تناصياً وخطاطه (كريماس) العاملية في منجزه السيميائي.
حيث الثنائيات (لا ابيض – لا اسود/ ابيض – اسود/ اسود- غرفة/ ابيض – مضيئة/ اسود/ لا اسود/ ابيض/ لا ابيض).
وللصورة نصاً سردياً ما يحملها بياضات بصرية من (كتل / لون/ حركة/ زاوية)ليكون للناقد ان يشغل/ يضيف لها ما تستدعه من اشغالات بصرية وعلاماتية. فعلامة (المسبحة وفي احدى نصوص (فؤاد شاكر) علامة مغلقة في النص الفوتغرافي بيد انها مفتوحة على رقائق شعرية تنافسية مع نص شعري وكما تقدم ما يسجل ان الصورة ذات بياض لدى الناقد فكان له فعل اشغال بياضاتها بعلاماته برانية مصاحبة لعلامة الأساسالمؤسلبة.