ترجمة وإعداد أنس العزاوي
أثار كتاب حورية بوثلجة ضجة كبيرة داخل الأوساط الثقافية الفرنسية وتعرض لكثير من الانتقادات والاتهامات بالتناقض والازدواجية وحتى العنصرية. يتصدر الكتاب عنوان يقسم المجتمع الى ثلاث فئات متمثلة بالبيض والمتبيضين -أي من تقمصوا دور البيض ومن ذابوا في عقيدتهم- والفئة الثانية هم اليهود، والثالثة نحن أي السكان الاصليين والمظلومين حسب وصفها.
ففي مستهل الكتاب تقول”الذي دفعني للكتابة هو اننا نتشارك ذات القلق، أنا وغرامشي عندما قال”لقد مات العالم القديم ولم يولد العالم الجديد بعد، وفي الظلمة تظهر اشباح الوحوش"، فالوحش الفاشي ولد من رحم الحداثة الغربية بحروبها التي يقودها البيض لذا سؤالي هذا أهديه لهم وأقول إن السلام في صورة الحب الثوري هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدالة والمساواة والقضاء على المظلومية.
يتضح لنا من العنوان أن الكتاب موجّه ضد البيض ويدافع عن غيرهم من المختلفين ذوي الاصول الافريقية والمتلونين بشكل عام وكل من يعاني من مشاكل مع البيض أو من يعاديهم، لكن الكاتبة سوف تذهب الى ابعد من ذلك حتى الترويج الى نظريات المؤامرة العالمية مستخدمة تلاعبات لفظية ورؤية من زاوية مختلفة للحقائق والاحداث التاريخية بحيث لا يستطيع القارئ الالتزام بالوسطية بل عليه أن يختار أما هذا المعسكر أو ذاك.
في الواقع من المهم جداً استيعاب مشاعر فئة معينة وفهمها، هنا حاولت الكاتبة أن تكون لسان حالهم وتتحدث نيابة عنهم بتطرقها لتفاصيل معقدة ومتشعبة ومتداخلة حاولت من خلالها”بوثلجة”الكشف عن مشاعر حقيقية تنتاب العديد من الناس وهي واحدة منهم معتمدة على الصراحة والاستعراض والتعرية الكاملة لم يجل في خاطرها مشبهة الحالة بالستربتيز -أي رقص العري-. اعتمدت”بوثلجة”في مؤلفها هذا توصيفات علمية بيولوجية لليهود والبيض واخرى اجتماعية سياسية لتصل الى اجابة لتساؤلاتها عن سبب مظلومية الفئات الاجتماعية الأخرى.
صنف العديد من الناقدين والكتاب هذا العنوان بالعنصري والحاقد كونه يعتمد التمييز بين فئات اجتماعية ويتناولها بشكل عدواني من خلال تطرقه لوقائع واحداث من زاوية مغايرة لما كان عليه الرأي العام فذكره لهاشتاك"Je suis Charlie”اي انا شارلي، الذي انتشر خلال الاعتداءات الارهابية على الجريدة الساخرة الفرنسية بعد نشرها لعدد من الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، بوصفه للهاشتاك على انه لخّص مشاعر الطبقة البرجوازية التي التفت حوله متهمة من خلاله المسلمين بالتطرف والارهاب بعبارة”الارهاب الاسلامي”وتجاهلت في نفس الوقت مظلومية الفئات الاخرى، فعلى سبيل المثال وباستعراض تاريخي بسيط، تناسى الجميع المجازر والحروب التي دمرت كل شيء والازمات والمجاعات، وانصب التركيز فقط على محرقة اليهود وكأنها الجريمة الوحيدة في هذا العالم، واليهود هم الفئة الوحيدة التي ظلمت وتعرضت للإبادة والتنكيل.
تذهب الكاتبة بعيداً بتجولها في الاحياء والمناطق المسماة بغير المحببة أو غير المقترح على السائح زيارتها كونها لا تتمتع بقدر كاف من الامان أو من ثقافة الثقة والاحترام وتربطها في نفس الوقت بموجات الهجرة الى اوربا الحاصلة بسبب سياسات البيض حسب وصفها وتنتقد استغلال هذه الفئة للطبقات الاجتماعية الاخرى كونها القاعدة الاساس لتنفيذ سلطاتها وتستخدمها كرصيد مفتوح خلال فترات الانتخابات.
تطرح بوثلجة اسئلة مابعد الاستعمار خصوصاً عند ذكرها لمحاولتها أن تندمج مع البيض أو الى أن تتبيض حسب وصفها، لكنها لم تستطع كون هؤلاء البيض هم انفسهم من احتلوا بلدها الأم الجزائر وعاثوا فيه فساداً وخراباً، واليوم يشكلون نخبة تتسيد فرنسا وتتحكم بها وفقاً لمصالحها التي تأتي دائماً في المقدمة على عكس وضع الطبقات الاخرى القابعة في اسفل القاع، لكن اذا اعدنا النظر قليلاً، فإن بوثلجة تعيش اليوم في فرنسا بسلام أي بلد البيض، وتمارس حقها بكل ديموقراطية وحرية، فالسؤال هنا لما لا تعودين الى بلدك الجزائر وتبتعدين نهائياً عن البيض واليهود، وأن تتوقفي عن وصف نفسك بالضحية، فإن مفهوم الضحية يحمل تفسيرات مختلفة في مجتمعات أخرى تصل بعضها الى قطع الرأس والموت والتعذيب.
يتملك حورية شعور المظلومية الناجم من مرحلة ما بعد الاستعمار كونها تنحدر من عائلة مهاجرة غادرت الجزائر الى فرنسا في سنوات الستينات، وتصنف نفسها ضمن المجاميع التي تعرضت للانتهاكات والتهميش بسبب الفوضى السائدة في البلاد الناجمة عن الاستعمار الفرنسي للجزائر أو استعمار البيض كما تقول. كانت لحورية تجربة كتابة بالشراكة مع المؤلف سدري خيري تحت عنوان نحن السكان الاصليين للجمهورية، عنوان لا يختلف كثيراً عن اصدار بوثلجة الاخير المفصل والمعقد بشكل اكبر والذي تعرض لموجة من الانتقادات ابتداءً من اليمين المتشدد المتمثل بالجبهة الوطنية التي تتزعمها المرشحة الرئاسية السابقة والنائبة مارين لوبن وصولاً الى احزاب اليسار.
تلخص الكاتبة العالم بالمحصلة التي وصلنا لها من خلال تسيد البيض وتحكمهم بمفاصل القيادة وتحقيق احلام اليهود بتعيين دولة خاصة بهم تجمعهم تحت ظلها على حساب شعب اصلي يختلف عنهم بيولوجياً واجتماعياً وثقافياً، اضافة الى ولادة مجتمعات من المظلومية كشهداء الثورة الجزائرية والسود والهنود الحمر وغيرهم من الشعوب المضطهدة. تضيف حورية الى انها معادية للسامية وتصر على ذلك خلال المحافل العامة وتتبنى مظلومية غير البيض وتهاجم كل حراك مناقض للمبادئ كالمثلية الجنسية، فهي تعتبر أن السيد احمدي نجاد الرئيس الايراني الاسبق مثالها الأعلى لأنه قضى على كل مظاهر المثلية في ايران بل وتسرف في مدحها له.
على الرغم من التحفظات والانتقادات، فإن كتاب حورية بوثلجة يعكس شعوراً عاماً يتملك اجيالاً من المهاجرين وجدوا صعوبة كبيرة في الاندماج داخل المجتمعات الاوربية على الرغم من تدرجهم العلمي والتربوي في مدارسها والتشبع بثقافة المجتمع، لكن الحاضنة لم تكن مهيأة بشكل كاف بل اهملت في مراحل معينة الى أن وصل بهم الحال الى الشعور المفرط بالظلم و التهميش الذي دفع العديد منهم والمسلمين بشكل خاص، الى الانخراط في التنظيمات الجهادية والمتطرفة كنوع من ردة الفعل او الانتقام إن صح التعبير.