ليف أولمن...متعة رؤية الجانب الآخر للبريق..

ليف أولمن...متعة رؤية الجانب الآخر للبريق..

وحده أدب السير والمذكرات يسمح لنا التوغل بين الأسطر وتقصي (الحقيقي) حيث يفترض أن تتحول الورقة إلى ساحة حرب يفترس بها المزيف والضبابي لمصلحة الحدث الذي حدث بحق في زمن ومكان محددين من هنا تكتسب أجندة الأيام السالفة شرعيتها كمرجع ضروري لما تحتويه المذكرات.
الممثلة النرويجية ليف أولمن ليست أول ممثلة تكتب مذكراتها حيث سبقتها أشهر نجمات هوليوود وأكثرهن إثارة مثل جوان كولينز وجين فوندا..‏

لدى تصفحنا لما كتبته ليف سيعترينا الأسف بشأن الإثارة حيث يصعب التقاطها أو أن ليف تعمدت عدم الإشاره لها وحافظت على طبعها الاسكندنافي البارد والمتحفظ والذي نجده ذاته في مذكرات زوجها المخرج الدانماركي انغمار برغمان:(المصباح السحري) لكن مع شرح أكثر وتفاصيل أدق, فيما ليف تضعنا منذ البداية بجو مذكراتها عبر توطئة قصيرة بعد أن تهدي الكتاب إلى ابنتها الوحيدة (لين): (أحيانا أعطي أسماء للأشخاص في هذا الكتاب لكني في الغالب لا أفعل, أحيانا ستظهر الشخصيات بأسمائها وتارة بدونها لكنها جميعها صحيحة وما أكتبه عنها يشكل جزءاً من حياتي).‏
كذلك تضعنا على تخوم شخصيتها وغرابة قدرها عبر ذكر الحادثة التالية في صفحة منفردة تعقب صفحة الأهداء:(ولدت في مستشفى صغير في مدينة طوكيو وتقول الماما إنها تتذكر شيئين من تلك المناسبة:‏
- تتذكر أن فأراً مرّ من أمامها واعتبرته فألا حسنا.‏
- وتتذكر أن إحدى الممرضات مالت عليها وهمست لها بنبرة اعتذار: (يؤسفني أنها فتاة هل تفضلين أن تخبري زوجك بنفسك?) الاسهاب أحيانا يبدو ميزة مرافقة لبعض الحوادث والاختزال أيضا متوفر بكثرة.‏
(أتغير) عنوان موفق وذكي وأنقذ إلى حد بعيد الكتاب الذي اعتبرته مذكرات حيث أكدت على مدار الكتاب على هذه المفردة ورصدت نفسها عبرها:(أجلس هنا تحملني أفكاري وتطوف بي العالم كله أحاول أن أسجل وقائع الرحلة - داخلي أريد أن أكتب عن الحب عن كوني كائنا بشريا - عن العزلة - عن كوني امرأة- أريد أن أكتب عن لقاء حصل في إحدى الجزر مع رجل غير حياتي - تقصد انغمار برغمان- أريد أن أكتب عن تغير عرضي وتغير أخر كان متعمدا أريد أن أكتب عن لحظات أعتبرها هبات عن لحظات طيبة وأخرى سيئة لقد حققت حلما واحدا - ولملمت عشرة أخرى جديدة عوضا عنه ورأيت الجانب الاخر لشيء يلمع خلال ما تسرده يلفت نظرنا أن كونها ممثلة لم يمنعها إنهاك نفسها في تمييز الحنطة من الزؤان في مواقف وأحداث تبدو أقل من عادية ونستغرب وقوف الكاتبة - الممثلة عنده.‏
وحين نقرأ عبارة مثل:(أحاول طوال الوقت أن أتغير إن التي في داخلي و(ترفض أن تموت) ومازالت تصبو إلى شيء مختلف فلا النجاح يرضيها ولا السعادة تسكتها) سندرك أن تدوينها لحالة (التغير) تم عبر سطور تبدو مجتزأة من مفكرتها بعناية.‏
يوميات!‏
(صورت أفلاما في انكلترا وفرنسا والدانمارك ورومانيا والسويد ورافقتني لين زرنا بقاعا كثيرة من العالم ولكن كان لدي بيتي الذي أحب وكتبي واسطواناتي والاشجار الراتنجية في الخارج ونبات الخلنج الذي في امكان لين أن تجري عليه حافية القدمين ومنزل دماها ومئات من أزهار التوليب التي زرعناها ولدي أصدقائي والعائلة...كان لدينا الكثير لنشتاق اليه من غرف الفنادق المتعددة التي ننزل فيها وحين كنا نتلو صلواتنا في الليل كنت أذكر ذلك كله قابلت أناسا من كل الأنواع : مشهورين وحمقى وحكماء وفقراء وأثرياء..)‏
الصيغة الاعترافية جاءت عبر جرأة البساطة مبرهنة على قدرتها الجميلة على فهم نفسها ومن حولها وقراءة الواقع على نحو سليم واستشفاف الحقائق المخبأة رغم هالة اللمعان التي عاشتها كنجمة.‏
(بعثت رسائل إلى وطني النرويج أقول فيها كم أنا مستمتعة بالعمل في الخارج لكن الشكوك كانت تساورني.. وأنا أكتب ما أحلى تخيل نفسي وأنا في مطبخي أصنع الشاي وأقلي بيضا وتجلس لين على طاولتها تقلب في أوراق كتاب مصور).‏
الجدية المطلقة تبدو ملامحها واضحة في مذكرات أولمن حيث بدت أحيانا أنها عمدت إلى الجنوح إلى الجدية وصممت عليها ربما لدفع القارئ إلى نسيان حقيقة أن الكاتبة هي ممثلة أولا وأخيرا. كتاب أولمن سيبدو باهتا مقارنة بمذكرات كتبتها ممثلات مثل كتاب (مذكرات أساسية) لبريجيت باردو أو مذكرات ايزادورا دانكان ربما لهذا ذكرت جريدة نيويورك تايمز: (اتغير) كتاب يتسلل إلى احترامك ويفوز به خلسة في أول الأمر يخزك بالشك والعدائية تجد أنك تفكر في ما خطر للسيدة أولمن نفسها في أنه لو لم تكن المؤلفة نجمة سينمائية عالمية شهيرة لما وجد كتابها ناشرا ينشره ولكن في موقع ما على الطريق تبدأ بملاحظة نزاهتها الواقعية الخارقة....)‏

عن موقع مجلة المعرفة السورية