وثيقة من الأربعينات عن الواقع الأدبي

وثيقة من الأربعينات عن الواقع الأدبي

حسين عبد اللطيف
قبل منتهى أيلول 1948 بأسبوع وتحديدا في يوم الخميس المصادف للثالث والعشرين منه، صدر في البصرة العدد الأول من مجلة”الفارس”لصاحبها: حمد موسى الفارس المحامي وقد تضمن العدد على صفحته الثالثة عشرة قصيدة”عمودية”من تسعة عشر بيتا بعنوان”الجفاف”للشاعر محمود البريكان ثم عادت المجلة في عددها اللاحق ـ الثاني والثالث ـ المزدوج، الذي صدر في كانون الثاني عام 1949 المصادف ليوم…

السبت 22 ربيع الأول 1368 هجرية، فنشرت للبريكان أيضا، لاقصيدة هذه المرة بل ملاحظات أو”خطرات”ـ على إنها صفحات من مذكراته ـ أو هي كما قالت في الهامش…”مقدمة لفصول متسلسلة في فلسفة الأدب ونقده… بقلم الكاتب”وعنت بالكاتب: البريكان وبمقدمته هذه:”وثنية الفن والبعث المنتظر”… وكما يبدو فان المجلة وبعد صدور عددها المزدوج هذا توقفت واحتجبت عن الصدور ولولا ذلك لربما قرأنا كل”الفصول المتسلسلة في فلسفة الأدب ونقده”منشورة فيها تباعا لا”مقدمتها”هذه فحسب، الكلمة التي أراد لها البريكان أن تكون”نقدا”أو هجوما عنيفا سافرا على الجمود والتخلف والسطحية التي رانت على أواخر الأربعينات الأدبي، فهو يشن حملة شعواء على هذا الواقع وعلى النزعات البالية التي سادته بعبارات حادة مباشرة، مهيبا بالأدباء الشباب في أن يزيحوا من أمامهم أصنامه ومن يؤلهها ومن يقف حجر عثرة في طريق تقدمهم وتجديدهم أو حداثتهم قائلا:”إن لشعرائنا أن يتأملوا مغزى وجودهم وان يدركوا بعد تطاول الوهن إنهم كانوا في سبات وغفلة عن تعرف لغتهم وتعهد مواهبهم وتقصي ما يجد في الأرض”. فهو يدعوهم إلى تأمل ذواتهم وتعهد مواهبهم وإدراك أدوارهم بالانفتاح على العالم وآدابه ومواكبة تطوره… وهذا ما عليهم حتى وان كانت الطريق غير ممهدة أو إن طلائعهم ستذهب ضحايا! فهم الزمرة المباركة التي ستدرك غاياتها وتثبت وجودها…”فثمة ما يحمل على الاعتقاد بان هذا ما سيكون… وان البوادر تحمل الاستبشار والتفاؤل بأدب الشباب الجديد والإيمان بأنهم سيحدثون حدثا!”وهذا فعلا ما كان ـ كما توقع تماما البريكان ـ وتمت هذه النقلة النوعية على يد ما يسمى اليوم بجيل”الرواد”وفي طليعتهم السياب ونازك والبريكان نفسه. وبجانب صيحات الدعاة للحداثة والتجديد سيتردد صدى هذه الصحيفة وسيحفظ تاريخ الأدب للرجل موقفه المبكر ـ منذاك ـ في صف التغيير والتقدم. ونحن بإعادتنا نشر هذه”الوثيقة”كما لو إننا قد أحيينا بعضا من ارث الشاعر ـ الذي انتهب بعد رحيله ـ ونكون قد يسرنا فرصة الاطلاع للمعنيين ـ بسبب صعوبة الاطلاع ـ على ما نشر قبل أكثر من نصف قرن.