ترجمة عربية للأعمال الكاملة لـ فروغ فرخزاد.. أهم شاعرات إيران

ترجمة عربية للأعمال الكاملة لـ فروغ فرخزاد.. أهم شاعرات إيران

بغداد / اوراق
صدر مؤخرًا عن دار المدى للنشر، الترجمة العربية للأعمال الشعرية الكاملة للشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد ونقلها إلى اللغة العربية المترجمة مريم العطار.
فروغ فرخزاد، بدأت في سن مبكرة كتابة الشعر الغنائي بمواضيع رئيسية كشكوى بين المحبين أو معاناة امرأة شابة تناجي الرجل الذاهب، الظالم، اللامبالي،

وردًا على ما قيل عن النوع الأول الذي كتبته قالت: «إن الكلمات حتى وإن كانت أدوات الشاعر ليست مهمة بقدر المحتوى وإن تكن المفردات مكررة إلا أنها فوران عشق كان مؤثرًا بالنسبة لي في تلك الحقبة».
لم تكن فروغ فرخزاد مع مصطلح الشعر الحديث والقديم بل الشعر هو ذاته في كل العصور، لكنه يختلف من جيل إلى آخر والفرق – فقط – في المسافات المادية بين العصور. فالشاعر الذكي يجب أن يواكب عصره ويتخذ معاناة الفترة التي يعاصرها مصدر إلهام لإبراز طاقته على كشف الحقائق المختبئة وإشهار الظلم والزيف، كما تعتقد أن فعل الفن هو بيان لإعادة ترتيب الحياة، والحياة لها ماهية التغيير والتوسع والنمو، بالنتيجة البيان أو الفن في كل فترة له روح خاصة به وإن كان عكس ذلك فهو مزيف ومقلد.
تقول الشاعرة: «إن عالمي – مثلاً - يختلف تماماً عن عالم حافظ الشيرازي أو سعدي حتى يختلف عن عالم أبي، طريقة تلقي الشاعر والقارئ في فهم مفاهيم عدة كالعشق والشجاعة والمعتقدات تختلف عن الأمس»، وتذكر مثالاً عن «مجنون» في الأدب: «إن مجنون هو أيقونة للعشق وفداء المحبوب في قصائد العصور الماضية»، اليوم – على حد رأيها – تغيرت هذه الرؤية، فبتحليل الأطباء النفسيين شخص «مجنون» مريض يجب أن يكون تحت سيطرة معاناة دائمة خاضعًا للعذاب غير ساع للحرية.
وفروغ فرخزاد واحدة من أشهر الشاعرات الإيرانيات ورائدات التمرد على العادات والتقاليد والمضامين الشعرية في إيران، وتعد من رواد الشعر الحديث في إيران (الشعر النيميائي)، وهي أول شاعرة إيرانية وصفت الحبيب بأدق تفاصيله بينما تنغمس معه في حالة العشق دون ضوابط.
ولدت فروغ لعائلة طهرانية محافظة في عام 1935 ولها ستة أشقاء، ولم تكمل تعليمها إلا للمرحلة الإعدادية لتتزوج بعد أن أتمت عامها السادس عشر من برويز شابور، وبعد الزواج أكملت فروغ دراستها عبر دروس الرسم والخياطة ثم انتقلت مع زوجها إلى الأهواز حيث كان يعمل، وبعد عام رزقت بابنها الوحيد.
بعد أقل من عامين انفصلت فروغ عن زوجها الذي كسب حضانة الابن مما دفع فروغ إلى استكمال مسيرتها الأدبية بحرقة غياب ابنها ودون التزامات بذات الوقت، لتعود إلى طهران وتتفرغ للشعر، وأصدرت أول ديوان لها في عام 1955 بعنوان (أسيرة).
انتبه المشهد الثقافي الإيراني لفروغ التي كانت تمثل صرخة نسويّة تضج بحدّة لم يعهدها المشهد الثقافي الإيراني، فهي تصف قبلة الحبيب وتتهكم على العادات والتقاليد بشعر رصين وقوي لم يجعل منها كاتبة شاذة عن الجمع فقط بل صاحبة رؤية ثاقبة ومشروع نهضوي على مستوى المرأة الإيرانية والأدب النسوي.
في عام 1958 قامت فروغ بجولة في أوروبا بهدف العمل السينمائي الذي كانت مغرمة به، وتعرفت بالمنتج والكاتب الإيراني إبراهيم جولستان الذي يعد واحدا من المستنيرين في ايران في تلك الحقبة، وبين نشرها لدواوين شعرية أثرت تجربتها الشعرية صوّرت فيلماً سينمائياً عن الإيرانيين المصابين بالجذام بعنوان”البيت الأسود”وحصد أهم الجوائز العالمية، وكان لأخيها المغني والشاعر والناشط السياسي فريدون فرخزاد لمسّات دعم ومساندة لم تنكرها فروغ طيلة حياتها. وكان يوم 14 فبراير 1967 آخر أيام فروغ في الحياة قبل أن تموت في حادث سير وهي ابنة الثانية والثلاثين عاماً لتترك وراءها ارثًا شعريًا مهمًا وعلامة فارقة في تاريخ الشعر الفارسي الحديث.
تُشارك الشاعرة أسماءٌ قليلة أخرى في ترسيخ الحداثة الشعرية الإيرانية ورفدها بتجارب غير مألوفة، ولا يمكن لتاريخ الشعر الفارسي في القرن العشرين أن يكتمل من دون منجزها الشعري، الذي هو أولاً أحد العناصر الفاعلة والزاهرة والمؤثرة في التاريخ الاجتماعي والثقافي الإيراني. وثانياً فهو يتسم برؤية شعرية ثاقبة وحساسية لغوية عالية. وثالثاً، يعتبرُ وثيقة على وعي المرأة الإيرانية في حقبة شهدت انهيار المجتمع التقليدي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وولوج مرحلة تاريخية جديدة زعزعت الكثير من المفاهيم والقيم السائدة. أخيراً فإن شعر فروخ هو شهادة امرأة أرادت من القصيدة أن تكون ملاذاً تؤثثه بخلوصها وحميميتها وتلقائيتها في مواجهة كل ما هو مفتعل وزائف ومفروض.