الصحافة  تقدم كشفا بحكومة ارشد العمري عام 1946

الصحافة تقدم كشفا بحكومة ارشد العمري عام 1946

خالد الدرة
صحفي راحل
بعد ثلاثة شهور حافلة بالأعمال الجليلة استقالت وزارة صاحب الفخامة السيد توفيق السويدي. لقد أطلقت هذه الوزارة الحياة وألغت القوانين الاستثنائية وعدلت قانون الانتخابات وأجرت انتخابات البلديات بحرية تامة لأول مرة، وسمحت بتأليف الأحزاب وألغت الرقابة على الصحف وسمحت بإصدارها لمن شاء وقلصت ظل وزارة التموين البغيض وقللت من الرشوة وعملت بجد في سبيل الجامعة العراقية

ولم يؤخذ عليهم سوى تماهل السيد عبد الوهاب محمود الذين سبب تأخر تقديم الميزانية إلى مجلس الأمة، مما أدى إلى استقالة الوزارة ولو قرأ فخامة السويدي ما كتبناه عن عبد الوهاب في العدد الأول من مجلتنا لما أقدم على ترشيحه وزيرا.
نعم لقد عملت وزارة السويدي في ثلاثة أشهر ما لم تعمله غيرها في سنوات وقد اظهر فيها كل من الوزيرين الجديدين معالي السيد سعد صالح ومعالي السيد نجيب الراوي مقدرة فائقة مما جعلنا على حق حين كنا نطالب باستيزار الشباب المثقف.
لقد تألفت بعدها وزارة فخامة ارشد العمري وها نحن نرسم للقراء صورا لكل وزير في الوزارة الجديدة.

ارشد العمري
امين العاصمة السابق وهو ليس من اهل العاصمة بل من الموصل، يدير معاملاته وكتاباته بيده اليسرى وهو يميني محافظ، صار وزيرا للخارجية وهو غير ملم بالشؤون الدولية الماماً كافيا ولكن ذكاءه الحاد كثيرا ما ينوب مناب الدراسات العلمية، جعل من بغداد – لعنايته بضواحيها – قرية كبيرة ولكنه لم يعرف ان يجعل منها مدينة، ذلك لان خبرته بشؤون تخطيط المدن ضئيلة ولم يعتمد في تخطيط العاصمة الا على مشاهداته وذكائه، فهو ارتجالي يعني كلمة الارتجال السياسي ومن اجل ذلك فهو من السياسيين الصالحين لتأليف وزارة انتقالية.
يضيق ذرعا من الصحف ويبرم من النقد فصرنا من اجل ذلك رفيقين به مشجعين في سيرته، غير ان ضيقه وبرمه لم يحولا بينه وبين طيبة قلبه وسرعة رضاه.
والخلاصة فرئيس وزارتنا الجديد كتلة من الاعصاب الحساسة، وهو لذلك نحيف البنية سريع الحركة، قادر على التنفيذ، لبق في الاحاديث، لا يتكلف ولا يتصنع فهو واثق من نفسه، مدرك لقيمة ذكائه.

عبدالله القصاب
لقد استبشرنا كثيرا عند صدور الارادة الملكية بتعيين معالي متصرف الموصل أمينا للعاصمة، فهو بجانب تمتعه بالنزاهة لايتأثر بالغير او يفيد الصديق على حساب الامانة. وقد فوجئنا بقبول ابي غازي منصب وزارة الداخلية ولا عجب في ذلك مادامت البلاد تتطلب منه الخدمة وهو الرجل المعروف بعدم تحيزه لاي فئة سياسية فصار لذلك من اصلح الناس لعضوية وزارة انتقالية لا حزبية.
وعبدالله القصاب رجل ذو اناة وتبصر غير ان اناته وتبصره كثيرا ما أضاعتا عليه تحقيق المشاريع التي يروم انجازها على عهده، وهو منخفض الصوت اذا ما تكلم غير ان ضميره يصرخ اذا دعاه الحق الهضيم، وهو وئيد الخطو في سيره غير ان أحاسيسه ذات وثبات من اجل الخير.
تتم سحنته على سذاجة ولدها هدوء طبعه واختصاصه في الشؤون الإدارية التي درج عليها، فهو ليس من ذوي الميول العارمة والوثبات الفكرية الصارخة ولكنه مستقيم وبه بساطة الخط المستقيم.
ولا ادري فلعل قلبي اشترك مع عقلي في هذه اللمحة وستثبت الايام حقيقة دعواي.

محمد فاضل الجمالي
هو اليوم وزير الخارجية فله ابتسامة تؤهله ليكون وزيرا للخارجية من الطراز الحديث فهو كما قلت عنه مرة يتظاهر بالتواضع فيستضعفه خصومه ويفضون اليه بما تزهر به صدورهم فيعرفهم ويبقون في جهلهم لحقيقته لذلك يسهل عليه التغلب عليهم.
والجمالي اختصاصي في التربية ولا ادري كيف صار مديرا عاما للخارجية او وزيرا لها، فهل يرومون من وراء ذلك ان يربى لهم وزراء مفوضين وقناصل للعراق ام انهم حسبوا بان عقلية وزراء الدول كعقلية طلاب المدارس يمكن دراستها وفق المناهج المدرسية؟
لقد اختاره فخامة العمري لوزارة انتقالية، والمفروض في مثل هؤلاء الوزراء ان يكونوا حياديين، والدكتور الجمالي اخر من يمكن ان يكون حياديا فهو حزبي من أظفره الى قمة رأسه وان لم يعرف الحزب الذي ينتمي اليه ولعل تكتمه هو الذي جعل منه وزيرا حياديا.
كنت اتمنى ان يغدو معالي الجمالي وزيرا لغير الخارجية ذلك انه متزوج من أجنبية تنتسب الى دولة تطمع بدورها لاستعباد وتشجع صهاينة فلسطيننا، ولا أظن الغيارى يوافقون على هذه البادرة وان كان الجمالي متكتما كأبى الهول! وفي الاخير لايسعني الا ان ابدي فرحي بتسنم الجمال كرسي الوزارة.

نوري القاضي
طويل القامة نحيف البنية متوقد الذكاء، وشخص هذه صفاته لابد وان يكون حاد المزاج.
والسيد نوري قانوني بارع، ولو قدر له ان يشغل منصب وزارة العدلية، وهو في اول عهده بالوزارات، لأفاد كثيرا ولكسب شهرة فائقة فوق ما يتمتع به من شهرة في عالم القضاء، غير ان رئيس الوزارة الحالي لم يلتفت إلى هذه الناحية فاسند اليه وزارة المعارف وأنا لا اشك بانه سيفشل في إدارة هذه الوزارة لسببين: الأول أن هذه الوزارة انتقالية أي إن عمرها قصير الأجل، ومثل هذه المدة لا يمكن لرجل قانوني ان يلم بشؤون المعارف واسرار الوزارة اما السبب الثاني فهو أن معاليه قد اعتلى هذا المنصب بعد السيد نجيب الراوي والسيد نجيب قد عمل في هذا الوزارة في ثلاث أشهر ما لم يعمله غيره في ثلاثة سنوات.
والسيد القاضي سياسي بفطرته فانك لا تكاد تظفر منه شيئا عما يكنه في صدره وان تأذى صدره في وطأة ما يحمله وهو قوي الشخصية يفرض إرادته على الغير إلا إذا كان هذا الغير هو نوري السعيد. وهندي أن معاليه في هذه الوزارة يمثل الرتل الخامس لنوري باشا قصد ان يستلم هذا الحكم بعد سقوط هذه الوزارة.

محمد حسن كبه
رجل يعرف قدر نفسه وهذه الحالة تتكون بعد الثقة بالنفس، لذا فقد عرف معاليه بشعبيته (البلدية) ومحبته لعادات بغداد التقليدية وتوقه إلى ألعابها المحلية.
ومعاليه من انصار اليونان لجعلهم (كيوبيد) آلها للحب ومن الناقمين على الرومان لأنهم جعلوا (افروديت* آلهة للحب، وهذا الإعجاب والنقمة متولدتان عنده من محبته للعادات البغدادية! وهو لهذه الصفة تواق الى الجمال، طرف لاسراره متقرب من ذويه ومقربهم منه.
وحين كان رئيسا لمجلس النواب ادار جلساته بمهارة اكتسبها من رؤوسه لجلسات المحاكم مدة طويلة. وقد كان في ادارته لمجلس النواب حياديا لا يقدم فئة على اخرى ولا يأبه محكومي حيال المعارض بل كلهم عنده كانوا سواسية مما جعلني استبشر بأن يستوزر في هذه الوزارة الانتقالية فقد أجاد فخامة العمري في اختياره وفقه الله الى احقاق العدل.

يوسف غنيمة
رحم الله الأستاذ إبراهيم صالح شكر فقد كتب عن معاليه مرة يقول إن يوسف غنيمة لم يستطع أن يدير مالية فندقه فاستعانت به إحدى الحكومات لإدارة مالية العراق.
ذلك عهد مضى ولا نملك اليوم الجرأة على مصارحة رجالنا بحقيقة أمرهم، ولا نملك اليوم غير ما نسميه الإنصاف او التحايل على الألفاظ لندعو بعض الحالات والإنصاف..
لذلك اقول بان يوسف غنيمة أديب واسع الاطلاع وان كان وجهه المنتفخ وملامحه الوديعة تنبهك على انه رجل مادي لا يمت لرجال الفكر بصلة، اما الشؤون المالية فلا اعرف مدى تثقفه بها، وكل ما اطلبه منه، وهو في وزارة انتقالية ان يسرع بما ابطأ به سلفه، وان يتم مشاريع سلفه الواسعة التي عزم على تنفيذها.
لقد تقول الناس كثيرا عن الاستاذ غنيمة حين كان وزيرا للتموين في وزارة حمدي الباجه جي، وعندي ان ذلك يرجع لسببين: تماهله وسط شدة ذكاء موظفيه.. وكراهية الناس للتموين ولوزارة التموين ولموظفي التموين ولعهد التموين وخير ما في الاستاذ غنيمة هو انه رجل حيادي حقا.

سعيد حقي
تدلك صرامة تقاطيع وجهة على انه قائد من كبار والقواد العسكريين، وتنبيك هذه الغضون التي كسبها على انه عارك الدهر فعركه، وتعلمك معاملاته على انه الرجل الصادق الأمين.
صار وزيرا للدفاع بعد تخرجه من المدرسة الحربية العثمانية بأربعين عاما، قضى منها ثلاثين في خدمة الجيش ان كان عثمانيا ام عربيا، وقد كسب في الجيش شهرة مرموقة لما يتمتع به من ذكاء حاد لذا انتخب عضوا في لجنة تخطيط الحدود العراقية – الإيرانية في العهد العثماني، وحارب في حملة نجد، ثم ناضل في حزب الحرس الذي ايد الثورة العراقية ثم تدرج بالمناصب العسكرية في العهد الوطني حتى نال رتبة عقيد في الجيش العراقي.
اما في وظائفه المدنية فقد كان مثالا للنزاهة والاخلاص واليوم وقد عاد الى الجيش وزيرا للدفاع فنحن نأمل ان يزيل الحيف الذي لحق بعض الضباط على ايدي الجهلة والمتهاونين بحقوق البلاد، واعادة المفصولين من نوابغ الجيش الذين ضاق بهم العيش والحياة نعم انا امل فقد انقضى عهد (نامخ).

عبد الهادي الجلبي
لا يمت إلى السياسة بنسب سوى انه نجل المرحوم عبد الحسين جلبي وزير المعارف المعهود، فهو تاجر من ابرز تجار العراق ومن اغناهم، وثقافته لا تتعدى ثقافة زملائه في شارع السموءل، وهو وكيل لشركة اندروير ولا ادري كيف يكون مثل هذا الرجل وزيرا وان قانون الخدمة المدنية يمنع اشتغال الموظف بالامور التجارية والمضاربات. ولكننا نتساهل في هذا الامر ما دامت هذه الوزارة انتقالية، وما دام جل زعمائنا اليوم يمتهنون الامور التجارية لتمشية قضايا التجار اليهود!!.
والجلبي رجل دمث الأخلاق وهو بعيد عن أن يستغل منصبه لإغراضه التجارية لما تمتع به من حسن التربية البيتية. فقد حدث لأحد وزراء الأشغال أن عقد صفقات ومقاولات باسم مستعار ثم تنحى عن منصبه فصار من بعد غنيا!.
والغريب من أمر عبد الهادي في قبوله المنصب الوزاري هو ان تجارته تتطلب عشرات الأيدي لإدارتها، ولكننا نعزو ذلك إلى رغبته في المصلحة العامة مؤقتا.

عبد الهادي الباجه جي
رجل جميل الصورة، وجماله من نوع الشبان المدللين الذين تربوا في نعمة وترف، وهو لا يعترف لنفسه ولا يعترف له اصحابه بتمتعه بالشخصية وذلك لانه نشأ في بيت الباجه جي المعروف جل أشخاصها بنزعة الحشمة والشخصية، فهو لم يكن يتصور بانه سيكون في يوم من الأيام وزيرا من وزراء الدولة العراقية بين كل يعرف بان الوزارة يكونون من أمثال مزاحم الباجه جي ولكنه عدل عن رأيه هذا حين صار حمدي الباجه جي رئيسا للوزارة!!.
وهو عصبي المزاج إلى حد الجنون، وعصبيته لا تذكرنا مجال من الأحوال بعصبية الأطباء الفرنسيين المختصين بالأمراض النفسية ولكنها تذكرنا بعصبية الفتيان المدللين، فانك لا تكاد تحادثه حتى تراه ينتفخ وينطلق في ادعاءاته وآرائه الى حد انك تندم في فتحك الموضوع لمناقشته.
طبيب ماهر بالأمراض الباطنية، خسرته البواطن يوم صار وزيرا للشؤون الاجتماعية وأخشى أن يضطر بعض المرضى الى مراجعته في ديوان وزارته!.
من هواة السباق حتى انه اخذ الشيء الكثير من اختصاصه وتفكيره فلا تكاد تجده في عيادته الا نادرا الا ان كان الموسم غير موسم السباق. وكل املنا ان تسري عدوى السباق الى وزراته ليفوز في اصلاح كافة فروعها ويجعلها الاولى.

بابا علي الشيخ محمود
اصغر وزير في هذه الوزارة سنا وهو نجل الشيخ محمود رئيس عشائر كردية وحفيد كاكا احمد الشيخ صاحب الطريقة الصوفية المعروف. ومعاليه جميل الصورة دمث الاخلاق اكمل دراسته الابتدائية في بغداد ثم اكمل تحصيله العلمي في كلية فكتوريا في الاسكندرية ومن بعدها انتقل الى امريكا وانكلترا لاكمال تحصيله العالي في الشؤون الاقتصادية وحين عاد الى بغداد لم ترق له الوظيفة بل اعتزلها للاشتغال بالشؤون السياسية حتى صار اليوم وزيرا للاقتصاد في هذه الوزارة الانتقالية. وانا اتوقع له ان يعاد اختياره وزيرا لما يتمتع به من ثقافة على ان يعني عناية فائقة باللغة العربية التي كاد ان يكون ضعفيا في التحدث بها لكثرة دراسته في اللغة الانكليزية وتحدثه باللغة الكردية.
ومعاليه يحمل نفسا عالية تتمنى ان تتجه الى خدمة هذا الوطن الذي يتطلب من ابنائه الخدمة الصادقة ليتمتع كافة ابناء هذا الوطن بالحرية والكرامة.

نشرته مجلة الوادي
سنة 1946