في ذكرى رحيله في 8 ايلول 1933.. فيصل الاول وشبهات وفاته المفاجئة

في ذكرى رحيله في 8 ايلول 1933.. فيصل الاول وشبهات وفاته المفاجئة

اعداد : ذاكرة عراقية
سافر الملك فيصل الأول إلى بيرن في سويسرا في 1 سبتمبر 1933، لرحلة علاج وإجراء فحوص دورية ولكن بعد سبعه أيام أُعلن عن وفاته في 8 سبتمبر 1933، أثر أزمة قلبية ألمت به.
وقيل وقتها بأن للممرضة التي كانت تشرف على علاجه لها علاقة بموته حيث شيع بأنها قد سمته بدس السم في الإبرة التي أوصى الطبيب بها.

وقد نشرت صحف المعارضة العراقية أن الوفاة لم تكن طبيعية، وشككت في دور بريطانيا في القضاء عليه، ودس السم في شرابه أو في الحقن الطبية التي كانت يحقن بها.

وكانت تقارير الأطباء السويسريين قبل وفاته بيومين تؤكد أنه بصحة جيدة ولا يعاني من أمراض خطيرة، ولكن تقرير الوفاة ذكر أن سبب الوفاة هو تصلب الشرايين. وأرجعت الممرضة البريطانية التي كانت ترافقه سبب الوفاة إلى التسمم بالزرنيخ الذي أذيب في الشاي الذي شربه قبل وفاته بست ساعات، خاصة أن الأعراض التي ظهرت عليه في الاحتضار كانت أعراض التسمم بالزرنيخ.و يذكر طبيبه الإنكليزي هاري سندرسن , بأن آخر اقوال فيصل كانت
«لقد قمت بواجبي , فلتعش الامة من بعدي بسعادة , و قوة , و اتحاد»
حُنطت جثته وأُرسلت إلى إيطاليا ومنها إلى ميناء حيفا ومنه إلى عكا ومنها إلى مدينة الرطبة العراقية عن طريق الجو، حيث وصلت بغداد في 15 سبتمبر 1933 ودُفنت رفاته في المقبرة الملكية في منطقة الأعظمية في بغداد.
نسجت عن لغز موت الملك المؤسس فيصل الاول الغامض والمبكر في الثامن من ايلول 1933 حكايات وقصص..انقسم مؤرخو حياته الى قسمين في تحليل مسالة وفاته.. فمنهم من يؤمن بنظرية المؤامرة ويؤكد ان الانكليز كانوا وراء موته في مشفاه بمدينة بيرن السويسرية ويسوقون الادلة على ذلك..
ومن المؤرخين من ينفي هذه القصة ويؤكد ان وفاته كانت طبيعية نتيجة لاعتلال صحته وتصلب شرايينه وانهاك جسده باعمال ومهمات فوق طاقاته والتي سخرها لبناء وتأسيس الكيان العراقي وولادة الامة العراقية، وربما كانت حادثة الاثوريين في نهايات حياته واسلوب مواجهتهم من قبل الجيش بالعنف والحسم وباوامر من ولي عهده غازي قد فاقمت ازمته النفسية والجسدية وعجلت بتصلب شرايينه التي اودت في النهاية لموته.(كان الملك فيصل الاول قد توجه الى لندن لتلبية دعوة زيارة رسمية الى بريطانيا فترك ابنه الشاب غازي الذي يبلغ الواحد والعشرين من عمره وصيا عنه في بغداد ووصل لندن في 20 حزيران 1933 بصحبة ثلاثة من اقرب اتباعه وهم رستم حيدر ونوري السعيد وياسين الهاشمي، وحققت تلك الزيارة نجاحا دبلوماسيا للعراق الا ان اخبارا خطيرة وصلت الى فيصل تفيد عن حركة تمرد قامت به الاقلية الاثورية بقيادة المار شمعون فارسل الملك عدة برقيات امر فيها ابنه غازي والحكومة بعدم اللجوء الى العنف وممارسة الاناة والتفاوض مع زعماء الاثوريين والتفاهم معهم بالحسنى الا ان السيف سبق العذل وحين وصل الى العراق كان الجيش بقيادة بكر صدقي قد سحق التمرد بقساوة واعلن الامير غازي الانتصار عليهم).
لقد بقيت قضية مقتل الملك فيصل الاول على يد البريطانيين مجرد شكوك لا اساس لها،ولم يحاول احد ان يفتش عن الحقيقة بامعان لان التقارير الرسمية والطبية تشير الى ان فيصل مات موتا طبيعيا لكن تقرير المفوضية البريطانية في بيرن والذي ارسل الى وزارة الخارجية البريطانية بعد اسبوع من وفاة فيصل قد شكك بالتقارير الطبية القائلة بوفاة فيصل نتيجة تصلب الشرايين وقدم التقرير شواهد وادلة تقول ان فيصل مات مسموما الا ان التقرير لم يؤكد جزما بصحة تلك المعلومات
ويذكر الدكتور صائب شوكة في مذكراته التي يعكف بعض الباحثين على تحقيقها :
بعد عام 1930 تناقص عدد العراقيين الذين كانوا يشككون في إخلاص الملك فيصل الأول لخدمة بلاده وبعد حكم قارب الاثني عشر عاما وجه ملك انجلترا الدعوة اليه لزيارة لندن فقبلها ولما حدثت الحركة الآثورية عاد إلى بغداد للعمل على وضع حد للمشكلة ولكنه وجد ان كل شيء قد انتهى وان الأمر خرج من يده فأصابه الاضطراب الذي ادى الى فقدانه النوم وخانته شهيته فراح يتطلع إلى الراحة عن طريق الإفراط في التدخين وتناول القهوة المرة، لذا فانه غادر البلاد لمواصلة العلاج وصل العاصمة السويسرية وشعر الملك فيصل بألم شديد ولما حضر الطبيب الخاص أشار على الممرضة بزرقه إبرة تحت الجلد فاستراح الملك وإذن لحاشيته بالانصراف. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء ذلك اليوم استدعى الملك ممرضته وطلب إليها إبلاغ الحاشية بالحضور حالاً فصعد اليه الملك على شقيقه الأكبر ونوري السعيد ورستم حيدر وتحسين قدري فوجدوه يلفظ أنفاسه الأخيرة نقل جثمان الملك فيصل الاول من محطة (بيرن) الى (برنديزي) في ايطاليا ومنها نقلته دراعة ايطالية مجللة بالسواد وسلمته إلى الدراعة البريطانية. وصلت الدراعة حيفا ونقل الجثمان منها إلى البر حيث نقلته طائرة خاصة الى بغداد بحراسة ثلاث طائرات من القوة الجوية البريطانية في فلسطين ومن الرطبة استقبلت الجثمان (9) طائرات من القوة الجوية العراقية حتى مطار بغداد يوم 15 أيلول ومنه نقل إلى البلاط المكلي حيث وضع على عربة مدفع وسار الموكب نحو المقبرة الملكية التي اعدت في الاعظمية ووري التراب. وبمناسبة مرور أربعين يوما على وفاة الملك فيصل الاول اقيم في بغداد احتفال كبير شاركت فيه وفود من جميع انحاء العراق ومن مختلف البلدان وتحول العزاء الى تظاهرة قومية عبر فيها الجميع عما يكنونه للملك الراحل من محبة واعتزاز وتقدير.

من هو الملك فيصل الاول؟
هو فيصل بن الحسين بن علي الحسني الهاشمي، أبو غازي: ملك العراق، من أشهر ساسة العرب في العصر الحديث. ولد بالطائف سنة(1883 م)، وترعرع في خيام بني عتيبة في بادية الحجاز. وكان الأبن الثالث لشريف مكة الحسين بن علي.
وعندما بلغ السادسة من عمره ارسل الى قرية رحاب فمكث فيها بين ابناء عمومته واخواله ست سنوات يركب الخيل والابل ويكر ويفر حتى اذا اعتزم والده السفر الى استانبول اخذه واخوانه معه فتعلم العربية والتركية وبعض العلوم على اساتذة خصوصيين.
نزلوا في استانبول بناء على اوامر السلطان عبد الحميد في قصر الوالي (فؤاد باشا) وقد خصصه السلطان لهم وعين والده في مجلس شورى الدولة عاش الامير فيصل في العاصمة العثمانية نحو عشر سنوات وفيها تزوج بابنة عمه (حزيمة) ابنة الشريف (ناصر بن علي).
وفي عام 1908 غادر الامير فيصل الاستانة الى مكة المكرمة حين عين والده شريفاً لها. عاد فيصل الى الحجاز وقد اكتملت رجولته فادناه والده منه وولاه قيادة الغزوات التي يقوم بها لاخضاع القبائل وتأديبها.
وفي سنة 1909 انتخب نائباً عن لواء (جدة) في مجلس النواب العثماني فكان يذهب كل سنة الى الاستانة ليشترك في اعمال البرلمان ويعود بعد انقضاء دورته فينظم الى والده ويساعده في ادارة منصبه الخطير وكثيراً ما كان يمر بالقاهرة في ذهابه وايابه ليجتمع بقادتها ومفكريها ولما ثار (محمد الادريسي) على الدولة العثمانية في نهاية عام 1911 مغتنماً فرصة اشتباكها في الحرب مع ايطاليا وهم الذين ساعدوه وامدوه بالاسلحة اضطرب موقف الدولة في اليمن فاستنجدت بالشريف حسين امير مكة طالبة المساعدة ضد الادريسي فلم يتردد في تلبية الطلب وجند حملة بقيادة نجليه عبد الله وفيصل سارت من مكة الى (ابها) عاصمة عسير فطردت الادريسي وكانوا يحاصرونها وحطمت شوكته واعيدت تلك البلاد الى السلطة العثمانية.
زار فيصل سوريا للمرة الاولى عام 1913فقد خاف ولاة الامور الترك ان يهاجم البدو المحمل الشامي في عودته من الحجاز الى الشام فرافقه على رأس قوة من الجند لحمايته فلم يحدث له حادث واقام مدة في دمشق فتعرف على رجالها ومفكريها ودعاة الوحدة العربية من ابنائها مما سهل له العمل بعد ذلك وجاء سوريا ثانية في عام 1915 في طريقه الى الاستانة وقد اختار السفر بهذا الطريق دون البحر لان الحلفاء ضربوا الحصار على موانئ تركيا عند بداية الحرب العالمية الاولى عام 1914 ومنعوا دخول البواخر اليها وخروجها منها لما اظهرته من ميل الى الالمان وقد دخلت الحرب الى جانبهم بعد ذلك وبعد ان ختمت الدورة البرلمانية عاد فيصل ثانية الى دمشق واقام ضيفاً عند (ال البكري) وقيل ان الترك ارادوا من اقامته في دمشق ان يكون الى جانب (احمد جمال باشا) القائد العام في سوريا يومئذ فساعده في حملته على مصر وقيل انهم ارادوا ان يكون رهينة لديهم لكي يأمنوا انتفاضة والده.
اقبل رجال الشام ومفكروها واعيانها على فيصل يدعونه الى اقناع والده باعلان الثورة على الاتحاديين وخلع طاعتهم وانشاء دولة عربية لما ظهر من سوء نية هؤلاء وتعمدهم اذلال العرب باعدام مفكريهم وادبائهم والصفوة المختارة من رجالهم وبنفي اسرهم الى اقاصي الاناضول تردد فيصل في قبول القيام بهذه المهمة ونصح رجال الجمعيات والاحزاب والمفكرين الذين حادثوه بالتأني والتروي خوف وقوع الكارثة وخوف تمكن الاجانب من احتلال البلاد كما سعى من جهة اخرى عند (جمال باشا) المعروف بـ(جمال السفاح) لاقناعه بالعدول عن سياسة الشدة والارهاب والبطش واتباع خطة اللين والمسالمة وعدم شنق المفكرين الاحرار ونفي الاسرى فلم يزده ذلك الا اندفاعاً في خطته الدموية.
غادر فيصل دمشق في النصف الاول من شهر مايس 1916 قاصداً مكة المكرمة بطريق المدينة المنورة للاجتماع بوالده واطلاعه على رأي السوريين ووصف حالتهم وابلاغه ما يلاقونه من عنت وارهاب وما كان بغافل عما يجري بل كانت المكاتبات والرسائل مستمرة بينهما وكان الترك يرجون ان يعود بسرعة على رأس جيش من عرب الحجاز ليشترك في الحملة الثانية وكانوا يعدونها للزحف على قناة السويس ومعنى ذلك انه كان يرمي الى غرضين متناقضين من رحلته : غرض رسمي ظاهر وهو العودة بجند للاشتراك في الحملة التركية وغرض خفي مضمر وهو وصف حالة سوريا لوالده وابلاغه دعوة السورين الموجهة اليه لاعلان الثورة وانقاذهم.
واجتمع فيصل في المدينة المنورة بشقيقيه (علي وعبدالله) وقضوا ثلاثة ايام يبحثون الحالة ثم سافروا الى مكة المكرمة. اعلنت الثورة العربية بعد سفرهم في 9 شعبان 1334 هـ وقد عهد الى الامير فيصل قيادة القوة العربية في المدينة وكانت محصنة يتولاها (فخري باشا) وفيها من العدد والتجهيزات ما لا قبل على العرب على اقتحامها وجهز الحسين بعد اعلان الثورة جيشاً سيره الى شمال الحجاز وعهد بقيادته الى ابنه فيصل الذي احتل (ينبع) وتوجه الى الشمال فاجتاز الوجه ثم نزل العقبة وتقدم نحو (معان) وحاصرها وقاتل الاتراك قتالاً شديداً في الحمراء الشام ووادي حوران حتى ابواب دمشق فدخلها فاتحاً منصوراً يوم 30 ايلول 1918.
دبر فيصل الامر واتفق مع الحلفاء على تجنيد جيش من اسرى العرب الذين كانوا في صفوف الترك يقودهم ضباط مدربون فتم تأليف هذا الجيش.
وفي يوم 22 تشرين الثاني 1918 سافر فيصل بحرا من بيروت الى باريس لحضور مؤتمر الصلح دون ان يحصل على موافقة السلطات الفرنسية في سوريا فتنكر له الفرنسيون وعرقلوا مساعيه، وبناء على وساطة رئيس وزراء انكلترا (لويد جورج) فقد قبل في المؤتمر وادى رسالته طالبا الاعتراف لسوريا بالاستقلال التام ثم عاد الى بيروت وحاول ان يوحد صفوف السوريين ويحصل على تأييدهم فلم يلق غير الجفاء وعدم الاكتراث.
سافر الى لندن بعد ان تطورت السياسة الانكليزية الفرنسية في البلدان العربية وفي يوم 8 اذار عام 1919 نادى به المؤتمر السوري ملكا على سوريا. فاقسم يمين الاخلاص لجمعية”العربية الفتاة”السرية.
فلما عاد فيصل الى بيروت اتهم بممالئة الفرنسيين كما ان هؤلاء اخذوا يتربصون به الدوائر حتى زحف الجيش الفرنسي على دمشق يوم 24 تموز 1920 يقوده الجنرال (غورو) فقوض اركان الحكومة الفيصلية فاضطر فيصل للسفر الى (درعا) ولكن السلطات الفرنسية انذرته بمغادرتها فغادرها الى حيفا ثم الى بورسعيد ثم الى ميلانو في ايطاليا فمكث فيها الى ان رشح لعرش العراق.
فبعد تشكيل الوزارة العراقية الاولى سافر الندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس الي مؤتمر القاهرة الذي عقد للفترة من 12 الي 24 اذار 1921 يرافقه جعفر العسكري وساسون حسقيل وقائد الطيران بحضور ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني لتقرير مصير البلاد العربية ومنها مشكلة العراق وذلك في 22 شباط 1921 والذي تقرر فيه إنشاء حكومة عربية يرأسها ملك عربي من البيت الهاشمي هو الأمير فيصل بن الشريف حسين بعدها عاد الوفد الي بغداد في 9 نيسان 1921.
وفي يوم 23 اب 1921 نودي به ملكا دستوريا على العراق.
واطلقت المدافع في بغداد معلنة اعتلاءه العرش.
وكان الملك فيصل الاول يطبق سياسة مرنة تعتمد على المساومة مع بريطانيا وهي سياسة (خذ وطالب) وكان يعتقد بان في امكان هذه السياسة ان تؤدي في نهاية المطاف الى استقلال العراق استقلالاً تاما لقد برهن بعد بضع سنوات من اعتلائه العرش انه ذو شخصية محترمة وخبرة سياسية وانه يمتلك موهبة في البقاء السياسي بالرغم من الظروف الحرجة وبعد عام 1930 تناقص عدد العراقيين الذين كانوا يشككون في اخلاص الملك فيصل الاول لخدمة بلاده وبعد حكم قارب الاثني عشر عاما وجه ملك انكلترا الدعوة اليه لزيارة لندن فقبلها.
ولما حدثت الحركة الآثورية عاد الى بغداد للعمل على وضع حد للمشكلة ولكنه وجد ان كل شيء قد انتهى وان الامر خرج من يده فاصابه الاضطراب الذي ادى الى فقدانه النوم وخانته شهيته فراح يتطلع الى الراحة عن طريق الافراط في التدخين وتناول القهوة المرة لذا فانه غادر البلاد لمواصلة العلاج ووصل العاصمة السويسرية.