نوري ثابت صحفي صارع الجهل والتخلف بالضحكات

نوري ثابت صحفي صارع الجهل والتخلف بالضحكات

عندما يذكر تاريخ الصحافة تقفز الى الذاكرة اسماء معدودة عدو اصابع اليد لعل نوري ثابت (حبزبوز) واحد من ابرزها برغم ماتزخر به الصحافة العراقية من هذا اللون في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين مما خلفه لنا كناس الشوارع - ميخائيل تيسي - وعلوان ابو شرارة - موسى الشابندر - وابو حمد - عبد القادر المميز - وخلف شوقي الداوودي - عراق شلون يسويك رقي -

اما اذا كنت ممن يعنى بالفلكلور العراقي والبغدادي فان جريدة (حبزبوز) تظل الينبوع الذي يفيض عليك بالكثير والكثير برغم معاصرتها الملا عبود الكرخي ولنتاجه الذي تناثر بين دواوينه وصحفة التي اصدرها ومنها (الكرخ). وصارع داء السل الوبيل ثماني سنوات ظل طولها ينزف دما ويسعل فلم ينل ذلك من حيويته ونشاطه وظلت (حبزبوز) اكثر من سبع سنوات تبعث في قرائها المرح والبهجة والسخرية والنقمة برغم انها كانت تحصد عمر كاتبها بكل قسوة.

لم يكن نوري ثابت بالرجل الذي مر بحركة المجتمع العراقي في العشرينيات والثلاثينيات مروراً سريعا.. لقد مر به وترك على وجهه اكثر من بصمة.

حياة نوري ثابت
ولد نوري ثابت في السليمانية عام 1898 في الارجح لاب عربي من محلة (بني سعيد - شارع الكفاح) كان ضابطاً في الجيش العثماني برتبة (عقيد) نشأ بها وتعلم اللغة الكردية قبل العربية فيها ثم عاد ابوه الى بغداد فادخله المدرسة الرشدية ثم الاعدادية الحربية التي تؤهله لحمل رتبة (ملازم ثان)
واعلنت الحرب الاولى يوم كان نوري ثابت في الصف المنتهي من الاعدادية الحربية فمنح رتبة ملازم ثان قبل تخرجه وسبق الى ميدان القتال واسهم في الحرب بشكل فعلي فجرح فيها ثلاث مرات وظل يحمل رصاصة في يده اليمنى حتى عام 1924 عندما اخرجت بجراحة اجريت له في بغداد ويروي الاستاذ مصطفى على ان هذه الرصاصة اثرت في يده بحيث انها اضطرته الى ان يمسك القلم بشكل غير طبيعي عند الكتابة.
وما ان وضعت الحرب اوزارها وانسلخت الاقطار التي اجبرت على الانضواء تحت لواء الامبراطورية العثمانية بحد السيف حتى وجد نوري ثابت نفسه يتوجه الى وطنه ثانية ليضع امكاناته في خدمة تطويره.

العودة بعد الحرب
عاد نوري ثابت الى بغداد فاشتغل اولا مدرسا في المدرسة الجعفرية ثم التفيض (وكانتا اهليتين) بعدها التحق بوزارة المعارف فعين مدرساً في دار المعلمين الاولية حيث ظهرت مواهبه فيها أول مرة فلقد تعهد الحركة الكشفية في دار المعلمين وعندما وجد ان الايعازات وتفاصيل التدريب مازالت باللغة الكردية اضطلع بترجمتها الى العربية. ويروي الاستاذ عبد المجيد حسن (وهو واحد من طلابه وقد زامله في التدريس فيما بعد) ان مايتداول من ايعازات (يس... يم.. سر.. الى اليمين در... الى اليسار در... وهكذا) الى يومنا هذا كان يفضل ماترجمه نوري ثايت من التركية الى العربية. وكانت الاناشيد التي تنشد في الدار وبعض مدارس بغداد في اوائل العشرينيات باللغة التركية ويوم تنادى الشعراء لنظم الاناشيد العربية - والرصافي احدهم انبرى نوري ثابت لتلحين بعضها مستفيداً من المامه الكبير بالموسيقى ومن معرفته العزف على العود والكمان ولقد ظلت مدارس بغداد تردد نشيد :
بالقنا والقضب شيد مجد العرب
ولم يقصر نوري ثابت نشاطه على هذين الامرين بل تعداهما الى كتابة المسرحيات الساخرة ثم المشاركة في التمثيل بطلا... على ان مهمات الاخراج والماكياج والديكور - على بساطتها - كانت بعهدته ايضا: ولا اشك في ان النقدات اللاذعة التي كان يوجهها نوري ثابت الى الحكم من خلال مسرحياته هي التي دعت النظام وقتذاك الى ان يضعها في الصف المعادي له... وهذا التشخيص انتهى به الى النقل من الدار الى الاعدادية المركزية مدرسا فمعاونا ثم مبعدا الى كركوك كمدير متوسطة فيها.. لقد كان نوري ثابت نقطة ضوء.. مجموعة مواهب.... معينا يتدفق حيوية ونشاطا وابداعا.. طاقات هائلة لاتعرف الكلل والملل.

حكاية داء السل
وفي كركوك كانت الطامة الكبرى التحق نوري ثابت بوظيفته كمدير متوسطة كركوك وكان احد زملائه من المدرسين مصابا بمرض السل وكان يزوره، فلفت نظره (عود) كان معلقا في غرفة زميله المريض وكان نوري ثابت عازفا فسال عما اذا كان ممن يضرب عليه فعلم انها زوجه فكان ان توطدت العلاقة بينه وبين زوج زميله المريض، ومات الاستاذ المريض بدائه يقول السيد مصطفى طبرة ابن عم زوجه الثانية وواحد من الرسامين الكاريكاتيريين لجريدة حبزبوز.. يقول ان الاستاذ المريض ابدى رغبة في ان يتزوج نوري بزوجة ان وافاه الاجل وبرغم علمه بان الارملة الحسناء هي الاخرى كانت مصابة بالسل الا ان جمالها الفائق اغرى نوري ثابت بالزواج منها وبعد اشهر قليلة من زواجه بها بدت اعراض المرض فكان على حد قوله (يد تمسك الكاس واخرى تمسك السيكارة) وانتهزت السلطة اللغط الذي دار حول زواجه من الارملة الحسناء فكان ان فصل من وظيفته عام 1931.

حكاية الذيل
عام 1930 وعند مجيء نوري السعيد الى الحكم شعرت السلطة وقتذاك ان الحركة الوطنية اخذت تنشط بشكل اصبحت تشكل نوعا من الخطر ان ترك المجال لها لان تعمل وتنشر وعيها ولهذا اخذت تخطط من اجل كم الافواه ومن اجل ان تكسب شيئا من الشرعية على تصرفاتها هذه اخذت تسن بعض المراسيم الجائرة ومنها (الذيل) والذيل هذا هو ذيل قانون انضباط موظفي الدولة الذي صدر عام 1931 فكان ضحية هذا (الذيل) الكثير من الموظفين الذين الصقت بهم شتى التهم من اجل ابعادهم عن الوظائف كممارسة من ممارسات الضغط عليهم لصرفهم عن السياسة وكل من فصل بهذا القانون كان يقال عنه (ضربه الذيل) يروي الاستاذ مصطفى علي يقول : كنا في رحلة - وادي المرائش - انا وحبزبوز وشكري محمود الحمداني فجاء من اخبرنا بفصل حبزبوز فتوقعناه سيستقبل الفصل بشيء من الحزن او الالم الا انه رفع قدحه وطلب منا ان نرفع اقداحنا لنشرب نخب (الذيل) وفرح عجيب يغمره بحيث انه طلب من المصورين ان يصورونا بالته فكان ان نشر هذه الصورة في واحد من اعداد السنة الاولى لجريدة حبزبوز ونشرها تحت عنوان (هكذا استقبلنا الذيل).
ان مانشره نوري ثابت في جريدة الكرخ (مذكرات خجة خان) ومانشره في جريدة البلاد (هزل وتفكهة) هو مادعا السلطة لفصله فاتخذت حكاية زواجه ذريعة علما بان زواجه هذا طبيعي ومشرع. ويقول الاستاذ مصطفى علي اني سالته عن سر فرحه بهذا الفصل فاجاب الى متى (خجة خان... جدوع ابن دوخية... خادمكم المعلوم) اريد ان اطلع للناس على حقيقتي.. اكتب واعري السلطة بكل ما اوتيت من قدرة وشجاعة.

جريدة حبز بوز
ولا اشك في انه كان قد خطط لاصدار جريدته حبزيوز اثناء ماكان موظفا وانه كان يتمنى الفصل ليتاح له تنفيذ رغبته وعاد الى بغداد ليعد العدة لاصدار جريدة الا ان خصومه تصدوا له لانهم يعرفون جرأة نوري ثابت وقدرته على تعريتهم وتعرية الحكم الذي ينصرونه وكانت ثمة علاقة تربط نوري ثابت بفائق شاكر (امين العاصمة يومذاك) وكان صديقا حميما له فتوسط الدكتور فائق لدى السلطة فمنحته امتيازا لاصدار جريدة ويبدو ان السلطة منحته هذا الامتياز بعد ان اخذت منه الموائيق على ان تكون صحيفة مستقلة لاتنتمي لاي حزب من الاحزاب المتصارعة وقتذاك وبشكل صدر العدد (الاول) من جريدته(حبزبوز) وفيها يقول : ((ان هذه الصحيفة فكاهية ادبية فنية بحته على طول لاعلاقة لها توبة استغفر الله العظيم بالسياسة والاحزاب مطلقا. تختلف الظنون على مبدئي وتحوم الشكوك حول نزعتي لذا اردت ان ازيح الستار واقدم نفسي برزانة الى القراء. يراني البعض كثير الاتصال باشخاص الوزارة الحاليين معجبا برئيسهم الشاب فيظنني عهدي (منسوب الى حزب العهد الذي يرأسه ياسين الهاشمي). وفي الحقيقة انني اقسم بقضبان الحديد في البالكون المعهود(كان اقطاب حزب العهد يلتقون في عيادة الدكتور فائق شاكر ويتخذون من شرفته البالكون مكانا لهم) على انني لست ذاك. ويرني البعض اكتب في جريدة الاخاء الوطني وشديد الاعجاب بادمغة الاخائيين فيظنني اخائيا (منسوب الى حزب الاخاء الذي يرأسه ياسين الهاشمي) وانا اقسم لكم بالبيان الهاشمي (نسبة الى ياسين الهاشمي) الرفيع وبتربة الكيلاني (ويعني رشيد عالي الكيلاني معتمد حزب الاخاء) المقدسة ينصب من هذه الزيارات على انني لست هذا. ويذهب البعض مذهبا اخر فيظنني تقدميا (منسوب الى حزب التقديم الذي يراسه عبد المحسن السعدون) لصلة قرابة تجمعني مع بعض رجال هذا الحزب (ويعني عبد العزيز القصاب زوج اخته الذي كان واحدا من اقطاب حزب التقدم) فانا اقسم لكم (بالمسناية مال) مسناة خضر الياس (مشيرا الى مسناة) دار يوسف السويدي حيث يلتقي اعضاء حزب التقدم واقسم لكم بمسبحة معالي القصاب (يعني عبد العزيز) على انني لست كذلك. ويراني البعض اتظاهر بالوطنية المتطرفة وادغدغ احيانا محلة الكريات (حيث تقع السفارة البريطانية) فيظنني من الحزب الوطني فانا اقسم لكم بجبة معالي جعفر ابو التمن واقبل الايادي البعضة لكل من محمود رامز والاخ البدري (وكلاهما من اقطاب الحزب الوطني) فاقول (هو منهم). ويذهب فريق اخر مذهبا بعيدا نحو الماضي فيظنني من الحزب الحر العراقي المحروم والكل يعلم انني ماضربت (لكمة) في الترجمانية (حيث بستان عبد الرحمن النقيب رئيس الحزب الحر (ولا تناولت طعام الافطار في ليالي رمضان في الدركاه (دركاه ال الكيلاني). اذن لم يبق الا شيء واحد وهو انني لا الى هؤلاء اي الاحزاب........يعني (حزب سز) وهنا اقسم لكم وهو القسم الاخير بحياة الشيخ علي (واظنه من اعوان الجواهري في واحدة من صحفه)على انني لست كذلك. اذن من انا؟ وما نزعتي؟ انا حبزبوز وحبزبوز فقط خادم الجميع وساع وراء تحسين صحيفتي التي ستكون فكاهية فنية ولعلي اصل بها الى حد الصحف المصرية او السورية مثل الفكاهة والكشكول والدبور والمضحك المبكي. وعلى الله وحده اتكالي وهو خير معين ونصير. أ- حبزبوز وقد بقيت جريدة حبزبوز تصدر حتى عام 1938 حيث توقفت قبيل وفاته بقليل بعد ان اشتدت عليه وطأة المرض فطرحته في الفراش واقعدته عن الكتابة. على ان نوري ثابت لم يف بوعده الذي قطعه على نفسه من ان جريدته بعيدة عن السياسة فلقد كانت والى يوم حجبها سوطا قاسيا الهب ظهور رجال السلطة وعراهم بشكل جريء لم يسبق له مثيل من قبل.

السل والخمرة التهما حياته
لم يدم زواج نوري ثابت طويلا فقد توفيت زوجته جراء مرض ولم تخلف وعاد نوري ثابت عازبا مرة اخرى وبقي فترة قصيرة قاربت السنتين تزوج بعدها من ابنة خالته سامية طبرة وكانت طالبة في الصف الثاني المتوسط فتركت المدرسة واثناء زواجه منها نقل داء السل الكامن فيه اليها فاصيبت هي الاخرى به ثم نقلته الى اختها فاصيبت به هي الاخرى كذلك ومن زواجه الثاني رزق بولد اسماه ثابت ولهذا اشتهر بين اصدقائه ومحبيه بابي ثابت. ولم يعش ثابت اكثر من ستة اشهر مات بعدها بذات السحايا فلم يخلف نوري ولدا غيره ولقد عملت زوجته مافي وسعها لان تشد نوري ثابت الى البيت وان تهيئ له الاجواء لان يعمل وينتج الا انه كان مرهقا فهو وحده يكتب جريدته بكاملها لايعاونه في الكتابة احد سوى مشرف واحد على الامور الادارية والمالية وكان يضطلع بهذه المهمة في بداية الامر السيد حاتم الكرخي ابن الملا عبود والذي جاء بعده ناصر جرجيس الذي بقي ملازما له حتى احتجابها نهائيا عام 1938. وبرغم مرضه فقد كان معاقرا للخمرة كتب مرة عام 1936 يقول ما ملخصه: انه بعد ان ينتهي من عمله في الجريدة في الساعة الثامنة مساء يترك مكتبه الى واحدة من الحانات ويظل يشرب حتى منتصف الليل حيث ينتقل بعدها من ملهى الى ملهى ولايعود الى بيته الا في ساعة متاخرة من الليل وفي العام نفسه - عام 1936 - ادرك ان الخمرة ستلتهم حياته وانها اضعفت جسمه من مقاومة مرضه السل فقرر السفر الى بيت الله الحرام لعل الحج يكون رادعا له عن شربها فرحل عن طريق البر وعاد مرة ثانية فعاد يشربها بنفس النهم حتى طرحه مرضه في الفراش ومات في الثاني عشر من تشرين الاول عام 1938.
كان نوري ثابت عربيا يعتز بعروبته الى درجة كبيرة فمقالاته التي كان ينشرها خير مؤشر لمعتقده ماكان ينبه السلطة الى اغفالها لكثير من الامور التي تمس عروبة القطر منها الوظائف التي كان يشغلها بعض الهنود والانكليز والاجانب كما ان له دورا كبيرا في التظاهرات التي قامت في الموصل اثناء اثارة مشكلة الموصل يروي الاستاذ عبد المجيد حسن فيقول : - عندما اثيرت مشكلة الموصل كان عبد العزيز متصرفا له ولهذا ضمن نوري ثابت جانب السلطة لعلاقته بالمتصرف (وكان زوج اخته) فتوجه نوري ثابت من بغداد الى الموصل واخذ ينبه اهلها وشبابها الى خطورة دعوى تركيا ونشط في حشد الشباب للتظاهرات كما الف عدة تمثيليات وقدمها في مدارس الموصل ومثل فيها. ونظم شاعر الموصل اسماعيل حقي فرج مدرس اللغة العربية في متوسطة الموصل نشيدا مطلعه:
لست ياموصل الا دار عز وكرامة فلحنه نوري ثابت واخذ المتظاهرون والطلاب ينشدونه. اما موقفه من الاحزاب التي كانت انذاك (التقدم -العهد-الاخاء-الحر-الوطني) فلم ينتم الى اي منها ويبدو لي انه كان يشعر بأن انتماءه قد يقيد حركته في العمل السياسي وقد يسبب للبعض نوعا من الاحراج الا ان ذلك لايعني انه لم يتعاطف مع اي منها والذي اظنه كان يتعاطف مع الحزب الوطني الذي كان يراسه جعفر ابو التمن.

مرة وجد رجلين يتخاصمان حول بغل ضخم كل منهما يدعيه لنفسه ويدعي انه صاحبه ومر بهما احمد حبزبز فاستوقفاه ليحكماه في امر البغل فحكم بينهما بعد ان اخذ المواثيق منها على الرضى بحكمه وما ان قال حكمه حتى عادا للخصام مرة اخرى فحاول ان يتركهما ويمضي لشأنه فاستبقياه والحا عليه بالبقاء حتى تنتهي الخصومة فما كان منه الا ان اخرج سكينة وذبح البغل ثم تركهما وشأنهما.
ويجدوا ان احمد حبزبز من اقرباء ام نوري ثابت والتي هي من عائلة (طبرة) البغدادية المعروفة وكان لاحمد حبزبز اب ورع تقي يدعى (ملا عليوي) وقد انكر على ولده احمد سلوكه هذا فجعل يرشده ويهديه الى الطريق الصواب ومازال به حتى صحبه في صبيحة احد الاعياد كما يصلى معه صلاة العيد فاذعن احمد ورضخ امام الحاح(ابيه وما ان اذن المؤذن بالناس الى الصلاة حتى رفع احمد حبزبز يديه (لينوي) كما (ينوي) غيره وقاٌ :
ونويت اصلي ركعتين جفيان شر ملا علوي فضربه المصلون واخرجوه من المسجد وذهب قوله هذا مثلا يدرج على السنة العراقيين منذ ذلك العهد.

اسماؤه المستعارة
استخدم نوري ثابت اربعة اسماء مستعارة خوفا من بطش السلطة وقتذاك والتي كانت تحرم على الموظفين الكتابة في الصحف والمجلات لتضمن لنفسها تجميد الطبقة المتعلمة والمثقفة وشلها من نشر الوعي او فضح اساليبها في الحكم
فلقد استخدم الاسم المستعار (خجة خان) في جريدة (الكرخ) التي اصدرها الملا عبود الكرخي عام 1927 وقد روى ابن اخيه السيد شكيب ناجي (الموظف في ديوان الرقابة المالية العام والذي تعهد بتريبته عمه نوري بعد وفاة ابيه) ان كتاباته في جريدة الكرخ كانت مجانا ودون لقاء
واستخدم الاسم المستعار (جدوع بن دوخه) و (خادمكم المعلوم) و (أ. حبزبز) والذي تطور فيما بعد فاصبح (أ. حبزبز).

علاقته بروفائيل بطي
كان روفائيل بطي قد نشر مقالا في جريدة البلاد عام 1936 يحيى فيه جريدة حبزبوز لمناسبة مرور خمس سنوات على صدورها جاء فيه:
(دخلت الزميلة الخفيفة الروح جريدة حبزبوز0الهزلية الاسبوعية في سنتها الخامسة ومن العجيب ان لاتستطيع جريدة البلاد ان تقول كلمة اطراء في حبزبوز الكاتب الهزال اللبق حيث قد ولد هذا الكاتب الذكي وترعرع في جريدح البلاد فسجلت له مجلدات السنة الاولى منها اسما ذهبيا في‎ النقد السياسي البارع والاصلاح الاجتماعي القومي ولا تجوز شهادة الاطراء في احد الانسباء)
فكتب نوري ثابت يرد عليه ويقول :
(حبزبوز العدد 202 السنة الخامسة 31/1/1936)
هذه هي الكلمة الشريفة المتواضعة التي اهدانا اياها الاستاذ روفائيل بطي لمناسبة دخولنا السنة الخامسة فوددنا ان نذكر للقراء شيئا من تاريخ حبزيوز لان حضرة الاستاذ تعرض للتاريخ بقوله : - (حيث ولد هذا الكاتب في جريدة البلاد)
اجتمعت والاستاذ روفائيل بطي قبيل صدور جريدة البلاد في مجلس الاستاذ الرصافي كنت حينذاك موظفا في وزارة المعارف (قلت : كان مدرسا في الاعدادية المركزية) ولكن هذه الوظيفة كانت لاتمنعني عن الكتابة بعض المواضيع الهزلية باسماء مستعارة مثل :
(جدوع ابن دوخة) و (خجة خان) و (خادمكم المعلوم) وغير ذلك فقال الاستاذ روفائيل بطي :
- انا راح اصدر جريدة باسم (البلاد)
- موفق ان شاء الله
- ولكنني اريد معاونتك
- مثل ايش؟
- مقالات هزلية تحت عنوان (هزل وتفكه)
- ممنون... ولكن انا لا اكتب (ببلاش)
- يعني تريد فلوس
- طبعا وذلك لا اني مفلس وانما اريد ان اعطي درسا للكتاب العراقيين في ان الكاتب لايتعب قلمه (ببلاش)
- انا حاضر
- اشكرك وانا حاضر
وهكذا اتفقت مع الاستاذ فصدرت جريدة البلاد وهي تحمل مقالا هزليلا في باب (هزل وتفكه) وكان عنوانه (كل شيء بحسابه) (واخترت له اسما مستعارا (أ. حبزبز) اخذته من المرحوم (احمد حبزبز) (احمد حبزبز) احد الفكهين المشهورين ببغداد وابتدأت بالكتابة اعتبارا من العدد الاول الذي صدر من جريدة البلاد ببغداد يوم 25 تشرين الاول سنة 1929
ماذكره نوري ثابت كان محقا فيه اذ ان لم يولد ككاتاب في جريدة البلاد ولا في اية جريدة اخرى فهو يكتب التمثيليات الهازلة و الساخرة منذ اوائك العشرينيات وعندما وصلت مقالاته الى الصحف التي كانت تصدر وقتذاك عام 1925 كانت شهرة نوري ثابت ككاتب واسعة ولو تهيأ لك ان تقرأ مقالاته (مذكرات خجة خان) التي نشرها في جريدة الكرخ عام 1927 لوجدتها مقالات اصابت كثيرا من النضوج ولو انك قارنتها بما كتبه عام 1937 او اوائل عام 1938 لوجدت الفرق ضئيلا جدا
نوري ثابت اصاب نضجا كبيرا فيما تركه لنا من الادب صحفي ساخر ولقد حاول كثير من الكتاب ممن عاصروه او جاءوا بعده كتابة المقالة الصحفية الساخرة الا انهم ما اصابوا الذي اصابه نوري ثابت... لقد كان كاتبا متألقا لم تجد الصحافة العراقية الى يومنا هذا بمثيل له.
ويبدو ان نوري ثابت بدأ الكتابة في الصحف عام 1925 فقد نشر في جريدة الكرخ (العدد التاسع - 14 اذار 1927) مقالا تحت عنوان (وقد لامني في حب شعبي عقاربي) قال فيه:
(تركت الكتابة وكسرت اليراع منذ سنة ونصف لامن قلة البضاعة الهزلية - وعندي منها مايكفي لتبليط الشارع العام باسبوعين - ولا من قلة الجرأة الادبية... ولكن لكثرة الاشغال التي اعتقدها انفع للمجتمع من الهزل)
لقد اخطأ الاستاذ روفائيل بطي عندما قال (ولد هذا الكاتب في جريدة البلاد)
لانه ولد ككاتب صحفي قبل ولادة جريدة البلاد باكثر من اربع سنوات وككاتب تمثيلية ساخرة باكثر من سبع سنوات
ولكن الذي يمكن ان يقال ان نوري ثابت احترف الكتابة واخذ يتقاضى راتبا عما يكتبه في جريدة البلاد
واليوم الثاني عشر من تشرين الاول عام 1977 يكون قد مر على وفاة نوري ثابت رائد الصحافة الساخرة تسع وثلاثون سنة
رحم الله نوري ثابت فلقد كان من الاوائل الذين تعاملوا بالحرف الجرئ من اجل الوطن والامة
حبزبوز يصارع الموت.
تعرض نوري ثابت للموت مرات عديدة نجا منها كلها الا انه لم ينج من مرض السل الذي اصابه والذي ادى به الى الموت
1- فلقد واجهه الموت عام 1904 عندما غرق في نهر دجلة وكان يسبح في (شريعة المربعة) مع اخيه ناجي الذي استطاع ان ينقذه
2- وفي عام 1906 سقط من ظهر الجمل في (الاحساء) ومرت الجمال بالقرب منه ولم تطأ ونجا باعجوبة
3- وفي معارك (جناق قلعة) اصيب برصاصة في يده اليمنى واستقرت في يده حتى عام 1924 عندما اجريت له جراحة تم فيها اخراجها
4- وفي معارك القفقاز اصيب برصاصة
5- وفي معركة ثالثة اصيب بطعنة في فخذه
(حربة) فأخطأت بطنه وجرحته بفخذه
6- وفي اسطنبول سقط من ظهر الحصان فكسرت يده
7- وفي ايلول عام 1931 وقبل ان تصدر جريدته حبزبوز بايام وبينما كان يحتسي الخمرة في اوتيل ماشاء الله) في شارع الرشيد - الحيدر خانة (محل موبيليات عطيل حاليا) جاءه واحد من (شقاوات) بغداد وقتذاك كان نوري السعيد قد اغراه بقتل حبزبوز وكان هو الاخر مفصولا (بالذيل) فاطلق على حبزبوز الرصاص فاخطأه واستطاع حبزبوز الهرب من (الاوتيل) فلحق به في الشارع واظل يمطره بالرصاص فأخطأه ايضا اثناء ذلك كان احدهم يحلق عند الحلاق (محمود نديم) بجوار (الاوتيل) فتحرك الكرسي ومد رأسه من باب (الدكان) ليرى ماحدث فاصابته رصاصة في الحال
8- بعد هذا الحادث نشر حبزبوز مقالا بعنوان (على عيون عزرائيل) تحدث فيه عن المرات التي تعرض فيها للموت وعرض بنوري السعيد فيه
9- وان كان نوري ثابت قد نجا من الموت سبع مرات الا ان مرض السل لم يرحمه فمات وهو على اعتاب الاربعين.

حبزبوز الفنان
احب نوري ثابت الفن ونشط في اكثر ابوابه فلقد مارس نظم الشعر وخص منه الساخر والفكه اما الكتابة فقد كتب بالفصحى والعامية وبرغم ان العامية هي التي غلبت على كتاباته الا ان ماتركه لنا من نصوص فصيحة تشير الى ان للرجل اسلوبا رصينا تضمن خطوات بارعة ولولا معرفته بقدراته لما تصدى لرجلين فاضلين في الادب واللغة هما الاب انستاس ماري الكرملي ويوسف عز الدين الناصري
وكتب المسرحيات الساخرة وقام بتمثيلها وقام بتلحين الاناشيد وعزفها ودرب طلابه على انشادها
اما المقام فكان ممن (يضبطه) بشكل دقيق جدا ويوم كان عشاق المقام منقسمين بين انصار للكبانجي وانصار لرشيد القندرجي... كان نوري ثابت واحداً من انصار الكبانجي وكذلك الملا عبود الكرخي في الوقت الذي كان فيه كل من الرصافي ومصطفى علي من انصار رشيد القندرجي
ولهذا هاجم نوري ثابت والملا عبود الكرخي محمد عبد الوهاب عندما جاء الى بغداد وغنى (يا شراعا وراء دجلة يجري) مراعاة منها للكبانجي الذي هاجم عبد الوهاب.

عن مجلة الف باء 1979