عندما أقسم حبزبوز: (احلف بالمسناية مال خضر الياس انني حزب سز)

عندما أقسم حبزبوز: (احلف بالمسناية مال خضر الياس انني حزب سز)

توما شماني
تورونتو -عضو اتحاد المؤرخين العرب
عندما قال نوري ثابت في في جريدة حبزبوز الهزلية (احلف بالمسناية مال خضر الياس انني حزب - سز) كان ذلك طبعا من باب الهزل الحبزبوزي، فالمسناية ليست مرقدا ولا اماما، بل المسناية عادة موضع على شاطيء على دجلة ينزل اليه العابرون الى الضفة الاخرى من بغداد لكي يركنوا البلم البغدادي او (الكفة) البغدادية التي انمحت من تاريخ بغداد، وكان في بغداد آنذاك العديد من المسنايات، لهذا فان حبزبوز حلف بالمسناية

وليس بمرقد لان هذا بعض حبزبوزيات ذاك الزمان. والحقيقة انه ليس من السهل الآن التحري والكتابة عن كافة الجرائد التي صدرت في العراق منذ تأسيس الملكية حتى الآن، ويتضمن ذلك جريدة حبزبوز التي بقيت طرية في الذاكرة اسما فقط فكل تلك الكتابات الحبزبوزية قد اندثرت ليس بفعل الزمن فقط بل لاهمالنا حفظ التراث. فالمعروف في الخمسينات وربما قبلها كان على صاحب اي جريدة او مطبوع يصدر في العراق، ان يرسل عدة نسخ من العدد الصادر الى مديرية الاعلام العامة، ثم حلت وزارة الاعلام في عهد مابعد الملكية، بيد ان العقلية العراقية السائدة آنذاك ولا تزال ليست مهتمة في هذا الشأن، خاصة على ذلك الكم الهائل من الاصدارات والاسانيد، وكان اهتمام السلطات آنذاك ولاتزال مهتمة بما كان يكتب ضد السلطات، لهذا لم تكن هناك ارشفة ولا حفظ وكانت ترمى في سلال المهملات. بالاظافة الى ذلك فان عهد صدام اللعين قضى على كل ماكان من مخلفات من العهود السابقة معتبرا اياه اثم من عمل الشيطان. اما في عصرنا عصر الطواعن الذي نمر به في العراق فلم يعد هناك مكتبة او ارشيف او كرسي من كراسي الدولة كله عاث به السراق، لهذا فليس من السهل استذكار المقالات القيمة الحبزبوزية التي فرفشة العراقيين في جريدة حبزبوز،

اتذكر جريدة حبزبوز وانا صغير وكانت ولا تزال قائمة في ذهني فهي الجريدة الفكاهية الوحيدة التي يتذكرها العراقيون الذين هم في فوق الخمسين من اعمارهم، فالكثير من المجلات الهزلية في بغداد كانت كالعادة لاتعمر كثيرا، لان القيمين على الدولة في كافة مراحلها لايتحمولون نقدا خاصة اذا كان هزليا، ولم يعمر منها طبعا الا مجلة قرندل. وقبل صدور حبزبوز 1931 كان هناك عدد من الجرائد والمجلات الاسبوعية الضاحكة الا انها اختفت بعد حين. اما مجلة حبزبوز فلا تزال قائمة في ذاكرات الكثير من اهل العراق يعيدون بعض رواياتها منها ما هو حقيقي ومنها ما هو من نسج الهزليين من الناس الذين يرددونها في المقاهي.

الصحفي نوري ثابت خالق حبزبوز كان من الرواد الأوائل في تاريخ الصحافة العراقية خاصة الهزلية اذ اصدر جريدة حبزبوز في 1931 وغدت الاكثر شهرة رغم صدور هزليات قبلها كجريدة (كناس الشوارع) التي اصدرها (ميخائيل تيسي) في عام 1925 وكانت هزلية تحمل في مقدمتها صورة لكناس يحمل مكنسته، ومن كتاب الهزل في تلك الفترة خلف شوقي الداوودي وعبد القادر المميز وتفرقت مقالاتهم في الجرائد التي صدرت دون ارشفة حكومية. ومن مشاهير تلك الفترة ايضا الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي في جريدته وكان ينشر فيها قصائده الشعبية الهزلية واتذكره وانا في البصرة يافعا، طويلا ذو شارب بيده عصا، يعتمر سدارة من (الجبن) وهي السدارة التي اعتمرها رئيس الوزراء ياسين الهاشمي وهي عراقية الصنع اما سدائر القطيفة التي يعتمرها الناس فكانت تستورد من ايطاليا. ثم صدرت مجلة قرندل في وقت متأخر. كتب نوري ثابت مقالاته في جريدة البلاد بتوقيع أ.حبزبوز وهو اسم مختصر لشقي بغدادي اسمه احمد حبزبوز، وكذلك نشر كتاباته في جريدة الكرخ للشاعر الشعبي ملا عبود الكرخي بتوقيع (خجه خان) وكان ذلك في مطلع شبابه وقبل ان تكتمل لديه تجارب العمل الصحفي لتجعله في ما بعد من أكبر كتاب الصحافة.

ساد اسم جريدة (حبزبوز) بين الناس مهملين اسم محررها نوري ثابت 1897 - 1938 الذي يعتبر أبا لصحافة الهزل في العراق، وكان قبل صدور جريدة حبزبوز يكتب في الصحافة العراقية آنذاك لهذا عندما صدر العدد الاول من حبزبوز عام 1931 كتب يقول (الحمد لله والصلاة على خير خلقه وبعد. يعلم القراء انني اكاتب الصحف العراقية منذ بضع سنوات باسماء مستعارة مختلفة فكان الاخير منها”أ.حبزبز”ومن بعد ان ضايقتني الجهات المعلومة ـ وهي محقة بذلك ـ تقلص هذا الاسم فصار”أ. حبزبوز”وهو الذي على ما اعلم قضى على حياتي في الوظيفة ومن اجل ذلك اتخذته عنواناً لصحيفتي هذه وكنت منذ زمن بعيد اشعر بالرغبة عن حياة التوظف راغباً في الصحافة ولا سيما الفكاهية منها. والحمد لله على الخاتمة). ثم يقول (ويذهب البعض مذهبا اخر فيظنني”تقدمي”لصلة قرابة تجمعني مع بعض رجال هذا الحزب فأنا اقسم لكم”بالمسناية مال خضر الياس”واقسم لكم بمسبحة معالي القصاب على انني لست كذلك إذا لم يبق الا شيء واحد وهو انني لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء أي بلا حزب يعني”حزب سز”وهنا اقسم لكم ـ وهو القسم الاخير بحياة الشيخ ـ على انني لست كذلك. إذا من انا وما هي نزعتي...؟! انا حبزبوز.. وحبزبوز فقط. خادم الجميع وساع وراء تحسين صحيفتي التي ستكون فكاهية فنية فقط لعلي اصل بها حد الصحف المصرية والسورية مثل الفكاهة والكشكول والدبور والمضحك المبكي).

في احد الايام تعرض حبزبوز لاطلاق الرصاص عليه، فنشر في الجريدة كاريكاتيرا عنه يظهر فيه بملابس الفرسان ممتطيا (طوب ابو خزامة). وقد حمل بيده قلما طويلا، بدلا من رمح، كتب فيه عبارة (سيارة حبزبوز الجديدة وقلمه السيال) وتحت الكاريكاتير سؤال موجه لحبزبوز (نوري ثابت) يقول: شنو هاي. اشو راكب على طوب ابو خزامة؟ تريد تصير مثل سلطان مراد؟! فيجيب حبزبوز، لا مولانا! لكن مادام بنص اوتيل انضرب ست رصاصات فمنا وغادي. قررت بعد ما اركب بعربانة او سيارة... بل اخذت هذا الطوب من وزارة الدفاع حتى اتجول عليه!.. هم المسألة اقتصادية لان معلوم حضرتكم هذا يلهم التراب.. يصير بارود ويلهم الحجار يصير دان (اي قنابل).. اريد رجال اللي يتجدم). وطوب ابو خزامة من مخلفات العثمانيين كان مدفعا قديما من مخلفات القرن الثامن عشر تركه الجندرمة العثمانيين موضوعا امام وزارة الدفاع وكان الناس خاصة النساء يحملون له النذور في طلب المعجزات التي يحققها الاولياء ومن معجزات طوب ابو خزامة انه عندما نفذ عتاد الجندرمة العثمانيين من القنابل كان طوب ابو خزامة يلتهم التراب ثم يحوله الى قنايل يطلقها على الاعداء وكانت له قدسية آنذاك اذ كانت النساء يقصدنه في طلب المراد وكان يحلها لهم!!!

كان نوري ثابت في حبزبوز على اتصال مع الشاعر معروف الرصافي ومحمد بهجت الأثري والفكه شفيق سليمان واذ جائت جريدة حبزبوز في بدايات النظام الملكي العراقي، فانها كانت تحمل الكثير من الانطباعات التركية، وكان نوري ثابت على اتصال مع صحيفة (قره كوز) الفكاهية التي كانت تصدر في اسطنبول آنذاك، في عام 1936 الغت الدولة القاب (باشا، بيك، افندي.. وغيرها) العثمانية الاصول فرأحوا يفتشون عن بدائل لها اقترح صاحب حبزبوز (المسيطر) تعريبا لاصلها الانكليزي (مستر)، اورد عدة استعمالات ضاحكة لها ومنها مخاطبا زوجته (المسيطرة ام الولد!! من فضلج انطيني شويّه مي). والواقع ان الكثير من الناس في البصرة كانوا يقولون (اجا المسطر) اي المستر. هناك العدد العديد من الطرف والمقالات والاحداث الهزلية التي كتبت في حبزبوز احدى درر العراق في عصر فريد، بيد انى لنا الحصول عليها فلم يكن هناك عمليات (غوغلة) الحافظة لكل دقيقة في الحاضر التي تغدو تاريخا، الغوغلة الحاضرة بزت ما كتبه المؤرخون من كذب في الماضي الذي جعلناه فيما بعد حقائقا لا شك فيها. لازلنا نحمل مورثات الاستخفاف بالحاضر ثم جاء الطاعون الاخير حيث سرقت المكتبات والدواوين ولم يبق وثيقة تاريخية ولا كتاب الا دمر او حرق او بيع في الاسواق بابخس الاثمان. فيا له من طاعون