المعهد العلمي 1921 اول ناد ثقافي في تاريخنا الحديث.. محاولة رائدة في محو الامية..

المعهد العلمي 1921 اول ناد ثقافي في تاريخنا الحديث.. محاولة رائدة في محو الامية..

اسامة مهدي ابراهيم
كان أول عمل قام به ثابت عبد النور،(من اعلام اليقظة الفكرية في تاريخ العراق الحديث) و يُعد من الرجال الذين خدموا النهضة العلمية في العراق في عهد الاحتلال البريطاني بعد عودته الى العراق سنة 1921 تقديمه مع نخبة من الشباب، طلباً الى الجهات المختصة لتأسيس”المعهد العلمي"، وكانت فكرة تأسيس هذا المعهد قد تبلورت لدى ثابت عبد النور عند التقائه بساطع الحصري على ظهر الباخرة

التي أقلتهم الى العراق وفي أثناء محادثة جرت بينهما قال ثابت عبد النور”يجب أن نعمل مثل النادي العربي بدمشق".
افتتح المعهد العلمي بتاريخ”30 كانون الأول 1921”بحضور جمهرة من المفكرين والعلماء وأرباب العلم وأقيم احتفال كبير بهذه المناسبة وقد حظي المعهد باهتمام الملك فيصل الذي حضر بنفسه حفل افتتاحه، وقد ألقى ثابت عبد النور في هذا الحفل، خطبة باسم الهيئة المؤسسة شكر فيها الملك فيصل والسادة الحضور وبين غاية المعهد المذكور وأهدافه، وحضر المعهد كبار الشخصيات من بينهم ياسين الهاشمي وشقيقه طه الهاشمي وكانت حفلة الاستقبال خاصة بأعضاء المعهد، وقد جرى احتفال بهما ورحب معتمد المعهد بالحضور وبين الغرض من هذا الاجتماع ألا وهو تكريم المجاهدين الوطنيين والقيام بالتعارف بينه وبين أعضاء المعهد والقى في المعهد سليمان فيضي كلمة مبين مزايا الأخوين الهاشميين وقام محمد مهدي البصير وذكر خدمات الرجلين للقضية العراقية ثم نهض الهاشمي والقى خطبة موجزة شكر فيها أعضاء المعهد على عنايتهم واشار حاجتنا الى المعاهد ودور”التهذيب والعلم”وكانت لكلماته اجمل وقع في الصدور.
وكان من الحضور الشاعر معروف الرصافي الذي ألقى قصيدة بعنوان المعهد العلمي جاء في مطلعها:
لعمرك أن الحر لا يتقيـــــــــد
اذ انا قصدت القصيد فليس لي
ومعهد علم أسسته عصابـــــة
ألا فليقل ما شاء في المفئـــــد
به غير تبيان الحقيقة مقصـــد
من القوم تسعى للنجاح وتجهد

تلقى المعهد العلمي دعماً كبيراً من الشخصيات العراقية وقد ورد الى المعهد من خيري أفندي الهنداوي قائمقام مندلي يقول فيه أنه تكلم في المجلس البلدي وحض أعضائه على مؤازرة المعهد العلمي في نشر العلم وتعليم الأميين فأرتاح اليه المجلس المذكور وتبرع له بمائتي ربية كما قدم بناية بأربعمائة ربية تخصص لهذا المشروع الحيوي فنحن”باسم الوطنية والعلم نشكر لحضرة القائم على المعهد ثابت عبد النور".
كانت شهرة المعهد كبيرة داخل العراق ونجاح أعماله، حاول ثابت عبد النور افتتاح معهد ثاني باسم”المعهد الوطني”ويكون عبد الغفور البدري مدير له، ويكون”ملا عبود”من دعاة هذا المعهد الجديد. كما كان المعهد يعتمد في تمشية شؤونه في مكافحة الأمية على ما كان يجمعه من أعضائه من اشتراكات وما كان يتلقاه من تبرعات من وزارة المعارف وأمانة العاصمة وقد بلغت عام 1922-1923 (14082) روبية وبلغت مصروفاته (20211) روبية.
تم انتخاب الهيئة التأسيسية للمعهد من الذوات الآتية أسماؤهم أدناه وهم خمسة عشر الذين اصبحوا الهيئة الإدارية للمعهد وهناك خمسة آخرون هم مرشحون للعضوية عند أشغاله أحد الأعضاء الخمسة عشر الأولين وهم: حسب ورودها في النظام الداخلي للمعهد:
1- ثابت عبد النور.
2- صادق حبه.
3- حسين فوزي.
4- نوري فتاح.
5- حمدي الباجه جي.
6- حسين النقيب.
7- محمد حسن حبه.
8- إبراهيم الواعظ.
9- محمد باقر الحلي.
10- فائق شاكر.
11- علاء الدين النائب.
12- توفيق السويدي.
13- جعفر حمندي.
14- احمد عزت الاعظمي.
15- محمد رضا الشبيبي.

من أعمال المعهد العلمي..
مكافحة الأمية
في مطلع عام 1922 نشر المعهد العلمي بياناً حول الدراسة في مراكز الأمية جاء فيه:”الرجاء من كافة المواطنين الكرام، أن يخبروا الأميين ليدرسوا في المعهد العلمي، وليتعلموا القراءة والكتابة في مدة قصيرة لا تزيد عن الشهرين، والدروس ليلية ونهارية ومن جرب عرف الحقيقة وأهتدى بها”.
وقد أبدى منتسبو المعهد نشاطاً ملحوظاً في هذا السبيل إذ خلال مدة قصيرة افتتحت الدروس، والتحق بها عدد كبير من كبار السن ومن الصغار في المدارس الليلية التي فتحت في شتى أنحاء العراق، وأخذ المعهد يخرج دورة تلو أخرى. وتم فتح دروس ليلية في أكثر من أربعين مدرسة وبلغ عدد المدارس (59) مدرسة ليلية.
قام المعهد بتخريج أول دفعة من الخريجين الذين أكملوا الدروس الليلية التي أستمرت شهرين، وفي 31 نيسان 1923، أقام المعهد حفلة تخرج، ونتيجة ذلك قامت وزارة المعارف عام 1926 بإرسال كتاب إلى مجلس الوزراء تقترح فيه وضع مدارس تعليم الأميين الليلية تحت إشرافها.
هناك نشاط آخر للمعهد العلمي ومنها التعليم الثانوي فقد فكر بفتح صفوف ثانوية للطلاب، ففي عام 1922 كان في بناية المعهد عدد لا يقل عن 300 طالب تعلموا دروساً ثانوية كاللغة العربية واللغة الانكليزية وبقية العلوم الأخرى، وقام بدروس”تجارية ليلية عالية"، فقد جاء في بيان عام 1924 مانصه”ولما رأى مجلس أدارة المعهد العلمي حاجة البلاد العظيمة الى مدارس تجارية ليلية عالية". وقرر لها”منهاجاً راقياً”وانتخب لها نخبة من خيرة المعلمين وتم فتحها في 15 تشرين الأول1924 وأصبح عدد المسجلين فيها (50) طالباً من”طبقات متفاوتة".
كان نشاط ثابت عبد النور الذي اصبح معتمداً للمعهد كبيراً، من خلال هدف المعهد كما أعلنه”ثقافياً”ولا علاقة له بالأمور السياسية ويعنى بنشر الآداب والعلوم عن طريق إلقاء المحاضرات والدروس والسعي الى نشر التعليم عن طريق صفوف محو الأمية، وكانت موارد المعهد المالية تأتي من دعم المواطنين وكذلك العروض المسرحية مثل رواية”وفود النعمان على كسرى”والتي أقيمت على مسرح مدرسة الطاهرية في الموصل، وقد خصص ريعها لمنفعة مدارس الأميين الليلية، في سبيل نجاح رسالة المعهد العلمي.
وقد حضر الرواية رؤساء الحكومة وأعيان المدينة وأمراء الجيش الوطني وكبار الموظفين وقسم من التجار والمدرسين وأفتتح الحفلة (عبد المجيد شوقي أفندي) بخطبة ترحيبية بين فيها أهمية التمثيل واحتياج القطر الى المدارس الليلية ثم أشار الى موضوع الرواية وتأثيرها في قلوب المدعوين وأثارة عواطف الشهامة العربية، ودعى ثابت عبد النور في رسالة وجهها الى بلديات المدن العراقية الى تخصيص مبلغ في ميزانياتها لتنظيم صفوف ليلية مجانية لتعليم الأميين.
وقد حاول ثابت عبد النور أن ينشئ ادارة معارف وطنية في العراق بمعزل عن أدارة المعارف الرسمية، إلا أن ميزانية المعهد لم تساعده على ذلك وقد أكتفى بالصفوف الليلية لمحو الأمية.
اتخذ ثابت عبد النور من المعهد منبراً لتعريف الجمهور بالوطنيين والقوميين الذين عملوا من اجل القضية العربية والعراقية بصورة خاصة، فقد أقام حفلات لتكريم الوطنيين من أمثال ياسين الهاشمي وأخيه طه الهاشمي، بعد عودتهم الى الوطن.
كانت شهرة المعهد العلمي لا تقتصر على العراق وإنما امتدت الى الدول العربية، فقد نشرت بعض الصحف عن وكيل الوفد المصري ومجلس النواب حمد الباسل مقال بعنوان”من بيت الأمة بمصر الى المعهد العلمي ببغداد”ان رئيس المعهد العلمي ببغدادثابت عبد النور معتمد المعهد العلمي أرسل تلغراف الى مصر حول تعزية فقيد الأدب محمد لطفي المنفلوطي".
وعلى الرغم كل ما قدمه ثابت عبد النور الى الجانب العلمي للبلاد إلا أنه تلقى بعض الانتقادات لهُ، وأن بعض”المفسدين”"يتطاولون على فضله”"يؤلمنا أن نرى الشاب الناهض والوطني العامل معتمد المعهد العلمي باذلاً الجهد الجهيد في سبيل تعليم ابناء الوطن وإنقاذهم من الجهل المهلك”.
ومن أهم الاعمال التي قام بها المعهد العلمي عام 1922 إقامته لسوق عكاظ، تمجيداً وتخلـيداً لذكرى سوق عكاظ الـعربي القديم، وكانت لجنة التحكيم الأدبي تتكون من جواد الشبيبي، جواد الصدر و محمد الخالصي والآب أنستانس الكرملي وإدارة المعهد ثابت عـبد النور وداود يوسفاني تركز منهـاجالسوق على تقديم جوائز من قبل إدارة المعهد بعد انتهاء السوق أيضاً استعراض”الصنائع الأهلية النفيسة"، ومن فعاليات المعهد الأخرى هو تكريم الشاعر أمين الريحاني ألقى عدد من الشعراء قصائدهم ومنهم الشاعر معروف الرصافي، وبعد انتهاء مراسيم سوق عكاظ التي استغرقت ثلاثة أيام كتب ثابت عبد النور معتمد المعهد العلمي كتاباً بتاريخ 27 كانون الثاني عام 1922 الى محمد رؤوف الغلامي معتمد النادي الأدبي مرفقاً بعدد من صور البيان الذي أذاعه المعهد العلمي عن هذا السوق لتوزيعه في الموصل وهذا نص الكتاب:"حضرة العزيز رؤوف أفندي الغلامي المحترم بعد التحية والشكر”وبعد آنذا أفاجئكم بكلمتي هذه بعد فراق طويل مباركاً لكم بافتتاح النادي الأدبي في ام الربيعين ومتشجعاً بما أبديتموه من الخدمات لأيقاظ الأمة من سباتها الطويل في هذا العصر الذي انبثقت فيه الاختراعات العظيمة"، ولم يعلم ثابت عبد النور بأعمال الغلامي الا عندما تقدم النادي الأدبي الموصلي بمنهاجه الى الحكومة.
وقد رد محمد رؤوف الغلامي معتمد النادي الأدبي على كتاب ثابت عبد النور معتمد المعهد العلمي وهذا نصه”حضرة الأخ معتمد المعهد العلمي نهني إليكم مزيد الشوق ونخاطبكم بداعي الآخاء الخالص فنقول أخذنا كتابكم فقرأناه بسرور وشكرنا تلك الهمم التي تصدت لأحياء مأثرة قومية شريفة هي من أكبر مآثر المجد العربي المندثر”.
حاول معتمد المعهد ثابت عبد النور أن يؤسس مجمعاً لغوياً فدعا رجال العلم والأدب، فعقدوا اجتماعاً في الثالث والعشرين من كانون الثاني عام 1925 وعرض عليهم الفكرة، فقبلوها وقرروا تأسيس مجمع لغوي يقوم بتعريب الكلمات، وإيجاد المصطلحات العلمية وترجمة الكتب التي يحتاجها العالم العربي.
ومن أعمال المعهد العلمي المدارس الليلية التي فتحها المعهد العلمي لتعليم الأميين ليعلم الشعب أهمية المشروع الحيوي.
وكان المعهد العلمي يقيم امتحانات في المدارس التي فتحها، وكذلك الاهتمام بالصناعات الوطنية، فقد قرر المعهد أن يقيم معرضاً للصناعات الوطنية لمزاحمة الواردات الأجنبية ويتعهد ببث الدعوة بين كافة طبقات المجتمع ورغبة منه في تكريم أعضائه المبعدين بمناسبة عودتهم توافد أعضاء المعهد الى بناية المعهد التي كانت قد زينت بالمصابيح بعدها رحب معتمد المعهد ثابت عبد النور بالحضور وتكلم بالنيابة عن اخوانه أعضاء مجلس الإدارة وبعدها شكر الحضور وألقى كلمة حيا فيها المبعدين،”وقد بلغنا ان المعهد العلمي الذي قام بتعليم اكثر من الف من الأميين في الصفوف الليلية قد تمكن من تعويد الطلاب غير المتعودين على النظافة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم قبل الحضور الى الصفوف الليلية المجانية".
كان المعهد أشبه بنادٍ يحتوي على مكتبة عامة فيها قاعات للمطالعة تحتوي على الصحف والمجلات العلمية المحلية والعربية الآتية من الخارج ولاسيما من مصر كما ذكر حسين جميل"كنت أذهب الى المعهد وأطالع الصحف ولاسيما جريدة الاستقلال لأنها كانت تعتبر جريدة الحركة الوطنية".
منهاج المعهد العلمي
1- "ان المعهد يقصد من إقامة سوق عكاظ بث الروح العالية بين الأمة للمسابقة في مضمار الحياة مع أمم العالم المتمدن.
2- إن المعهد ساعد ويساعد كل المشاريع الوطنية ويذب عن الأدب ويرفع منار العلم التي أتت الزمان عليها وهي تحت حكم الجهل القاتل.
3- ان المعهد يعاون المخترعين ويسعى بما لديه من الوسائل الأدبية والعادية لدى الحكومة لأخذ امتياز مشروع لأصحاب الاختراعات.
ان الجوائز كثيرة الف روبية ستقدم من قبل جلالة الملك المعظم الذي استحسن اقامة لسوق عكاظ استحساناً عظيماً”. وقد شارك ثابت عبد النور في السوق في جانب النثر وتحت اسم مستعار هو (صابر).

عن رسالة (ثابت عبد النور...)