25 تشرين الاول 1920ذكرى تاسيس وزارة النقيب المؤقتة..المس بيل تتحدث عن تأليف الوزارة العراقية الاولى

25 تشرين الاول 1920ذكرى تاسيس وزارة النقيب المؤقتة..المس بيل تتحدث عن تأليف الوزارة العراقية الاولى

ترجمة : عبد الكريم الناصري
في 24 تشرين الأول 1920(*)
كتبت المس بيل الى أبيها تقول:
لقد ذكرت في الإسبوع الماضي أني مصابة بالتهاب القصبات الهوائية.. حسن.. لقد تغلبت عليها وقد أنفقت الايام الستة الماضية في داري وفي أحايين منها في الفراش ونتيجة لذلك تراني شفيت أو كدت أشفى. ثم أني بالرغم مما في ملازمة الفراش من تعب وإملال لم آسف من وجه ما على أن كنت بعيدة عن المساجلات الشخصية العنيفة التي كانت أصداؤها تصل الي،

ولقد أخذ أهل بغداد على عاتقهم ألا أكون بمعزل عن الازمة السياسية.. فبحجة الإستفسار عن صحتي كانوا يجيئون فيجلسون على أريكتي الإيرانية الكبيرة التي وصلت بعد مغادرتك بغداد ليفرغوا عندي مخاوفهم وآمالهم. وقد حاولت أن أغلق بابي حتى الساعة الحادية عشرة صباحا، ولكني ما أصبت في ذلك نجاحا يذكر. فحين كان رئيس البلدية يجيئني في الساعة التاسعة صباحا أو حين كان النقيب يرسل ابنه السيد محمود كنت لا أجد بدا من أن أخرج لرؤتهما. والشيء الذي كان يرهق أفكارنا اننا ماكنا نحقق تقدما.. لقد كان السر برسي مغمورا بالتفاصيل التي لم تكن تدع له فراغا يدرس فيه القضايا الكبيرة، وماكان في الديوان كما يبدو من عنده من حضور الذهن مايحمله على الوقوف ببابه ليدفع مرور تلك التفاصيل عليه. ولهذا كان كل مااستطعت أن أفعله أن ارسل اليه تقريرا يوميا بالقال والقيل والاشاعات ونفاد الصبر، التي كانت المدينة تغلي بها مشيرة الى أن لاشيء يستطيع انهاءها غير اتخاذ قرار سريع. وهو كان في الواقع قد انتهى الى أن الخطوة الأولى التي ينبغي له اتخاذها هي دعوة النقيب الى تأليف حكومة مؤقتة ولكن الايام كانت تمر وهو لا يجد الوقت اللازم لاتخاذ تلك الخطوة بالفعل.

الشيخ فهد شيخ مشايخ عنزة
وفي يوم الأربعاء جاءني شيوخ الفرات إثر مقابلتهم للسر برسي وكان أو ل من جاء منهم فهد بك شيخ مشايخ عنزة، وكان يبدو اصغر سنا في اي وقت مضى، وهو الذي شارف على الثمانين. ثم مضى يشرح لي مشروعه البسيط للمستقبل وخلاصته أن على السر برسي ان يعتمد مشورته في كل مايتصل بشؤون العشائر، أما فيما عدا ذلك فينبغي له ان يلتمس المشورة عند النقيب واثنين من اصحاب العمائم المتقدمين في السن.
ثم جاء علي السليمان، شيخ مشايخ الدليم، وهو رجل قدير لديه مشاريع اكثر ملاءمة للظروف الحديثة من مشاريع فهد بك. ثم تلا الشيخين شيوخ آخرون، دونهما شأنا ومافيهم مغفل.
وفي يوم الخميس بلغتني رسالة من السر برسي، مفادها أنه دعا الى ندوة شورى تجتمع عصر ذلك اليوم في داري، ومادمت أنا لا أستطيع الذهاب الى الدائرة. وقد اجتمع القوم في الساعة الثالثة بعد الظهر وهم السر برسي وايفلين هاول والمستر سليتر وقد كشف السر برسي عن مشروعه القاضي بتأليف حكومة مؤقتة من وزراء عرب ومستشارين بريطانيين.. وتلا ذلك نقاش مهم شيق دام ثلاث ساعات.. وفي الأخير استقر رأي السر برسي على مشروعه بعد إدخال تغييرات غير مهمة عليه. وأعلن أنه الآن بسبيل عرضه على النقيب.
وفي يوم الجمعة لم يحدث شيء آخر. وقد زارني من الناس ما لاعداد لهم، حتى خيل الي ان كل ما في بغداد من قلق واضطراب كان يدور كدوامة الماء حول حديقتي.. وفي المساء جاء – تود – وزوجته وعندهما نفس الحكاية”عجلوا عجلوا”وبهذه النغمة أرسلت تقريري اليوم الى السر برسي.
وقد بدأ يوم السبت بزيارة بارزة – بزيارة من جعفر باشا العسكري، إنه أمير اللواء ذو الخدمة الممتازة أولا مع الترك ثم مع فيصل. كنت رأيته في دمشق في السنة الماضية وقد كتب الي مرارا.
قلت له أن من واجبه كفرد وكوطني أن يساعد على تأسيس أي شكل من أشكال المؤسسات العربية في العراق، وإنه إذا مضى هو والآخرون قدما بجرأة معتمدين على تأييدنا فإنهم سيسكتون كل نقد. ولا أدري هل صدقني أم لم يصدقني. إن جعفر هو أول عراقي يعود من سوريا، وعلى موقفه سيتوقف الشيء الكثير (1)
ثم جاء السيد حسين أفنان وماكدت أشرع في حديث قلب لقلب معه، بشأن بعض مقالات افتتاحية ينوي نشرها في صحيفته، حتى دخل المستر فلبي وآخرون ثم السر برسي ثم مالبث الجميع ان خرجوا ماعدا المستر فلبي. فأقبلنا على السر برسي وقد انبهرت انفاسنا تشوقا وتطلعا، فقال – لقد وافق – وكان قد جاء رأسا من عند النقيب، الذي وافق على تشكيل حكومة مؤقتة.. إذن فقد حققنا نجاحنا الاول، وما كان غير برسي بقادر على تحقيقه. بل أن استطاعته حتى هو على حمل النقيب على المساهمة في الشؤون العامة لم تكن بأقل من معجزة. ولم يكن ابتهاج السر برسي وانشراحه ليعدله شي إلا ابتهاجنا نحن وانشراحنا ولقد جلسنا نصف ساعة نكاد نتوثب طربا ونحن نمجد النقيب تارة والسر برسي تارة أخرى"
***

في 1 تشرين الثاني 1920 (**)

كتبت الى ابيها تقول:
"مررنا بإسبوع جد حرج ودقيق. ولكن الأمور تجري بالجملة على مايرام.
وفي ليلة الاثنين أعِدت رسائل النقيب وبرقياته الى الـ 18 شخصا الذين دعاهم الى الاشتراك في – مجلس الوزراء – وفي تلك الليلة تناولت طعام العشاء مع الكابتن كلايتن والميجر مري لمقابلة جعفر باشا.. وقد قلت فيها – إن الاستقلال التام هو ما كنا راغبين في إعطائه - فقال (وكنا نتكلم العربية)
"مولاتي، الاستقلال التام يؤخذ ولا يعطى”وإنه لقول عميق
الرجل مثالي النزعة، رفيع الغرض، متحمس لبلاده، وبني جنسه (2) وحين افترقنا في ذلك المساء كنت أرى أنه لن يرفض دعوة النقيب له الى الاشتراك فيها وزيرا للدفاع.
وهو بالفعل لم يرفض.
وفي ذلك اليوم ورد عدد من الأجوبة التي تتضمن الموافقة على الاشتراك في الوزارة.
وفي عصر اليوم أقمت حفلة شاي كبرى لفهد بك وآل عكيل.. كانت الجلسة رائعة حقا. لقد جلس فهد بك يروي قصصا عن الصحراء ثم اختتم حديثه بأن فتح ثيابه أراني ثقبا ضخما في صدره، نشأ عن طعنة من حربة في ظهره أثناء غارة له في شبابه. قال”وقد نظرت الى صدري فوجدت رأس الحربة بارزا منه”وما كان في وسع أحد غير عربي من أبناء الصحراء ان يعيش بعد طعنة كهذه.
وفي صباح الأربعاء كان كل شيء فيما يبدو على مايرام.. وفي العصر جاء الميجر يتس مع تود وزوجته وقد فاجأنا المستر تود بأنه قد زار ساسون افندي لتهنئته بمنصب وزير المالية، فوجده مع حمدي باشا بابان – الذي كان عرض عليه منصب وزير بلا وزارة – ووجدهما معا على أهبة الرد بالرفض.
عندئذ تركت كوب الشاي دون أن أشربه وهرعت الى الديوان لأخبر المستر فلبي بالأمر. فلم أجده هناك. ولكني وجدت ضوءا في غرفة السر برسي. فدخلت عليه واخبرته فكلفني بالذهاب حالا الى ساسون أفندي، وحمله على تغيير رأيه.
فخرجت وأنا أشعر كأن مستقبل العراق كله قد اجتمع في يدي. ولكن حين بلغت دار ساسون افندي، تنفست الصعداء إذ وجدت المستر فلبي والكابتن كلايتن قد سبقاني اليه. وكان النقيب قد استلم رسالة ساسون، فأرسل المستر فلبي اليه بأقصى السرعة، على أني وصلت في اللحظة الحرجة، وفي الوقت المناسب وكان قلبي وكلايتن قد استنفذا كل ماعندهما من حجج وظل ساسون مع ذلك عند قراره. واعتقد ان قلقي العظيم قد ألهمني، إذ بعد ساعة من الالحاح المركز ظهر عليه بوضوح أنه قد تزعزع عن مقفه، فبالرغم من أن أخاه شاؤول – الذي أكن له الإعجاب والاحترام هو ايضا – قد بذل مافي وسعه ضد مسعانا – وأخيرا حملنا ساسون أفندي على أن يعيد النظر في مقفه وأن يرى السر برسي في اليوم التالي، وقد كان عندي اقتناع داخلي بأننا كسبنا الموقف. من أسباب ذلك ماكنت أنا شخصيا قد اقمته منعلائق الثقة والاعتماد مع ساسون. على أن احدا منا ما كان واثقا بالنتيجة.
ولم أنم كثيرا في تلك الليلة.. لقد ذهبت أقلب في ذهني الحجج التي أدليت بها واتساءل عما إذا كان لم يكن في وسعي أن أدلي بخير منها.
وفي صباح اليوم التالي – وهو الثلاثاء – جاءني ساسون افندي في الساعة العاشرة فذهبت به رأسا الى السر برسي وتركتهما معا. وبعد نصف ساعة عاد فأخبرني بأنه قد وافق. ثم سألني عما يستطيع فعله في سبيل مساعدتنا في مهمتنا، فأرسلته الى النقيب رأسا وكان نقيب بغداد هو أيضا قد رفض الاشتراك في الوزارة. وكان من الضروري حمله على قبول الاشتراك في الوزارة والشكوك التي تساوره. ثم تباحنا في كيفية اكتساب المتطرفين وقد اكدت له أن اكتسابهم هو أهم مايرغب فيه السر برسي. فسألني – وقد تشجع – عما إذا كان يستطيع ان يتحدث الى السر برسي فأخذته في الحال الى السر برسي وتركتهما معا وأنا مقتنعة بأن السر برسي هو خير من يشرح سياسته.
وفي صباح يوم السبت، ذهبت انا والمستر فلبي الى النقيب، وكان المستر فلبي هو الواسطة بينه وبين السر برسي وقد قام بهذه المهمة على أحسن مايرام.."
***
وهنا تقول المس بيل أنهما وجدا النقيب طلق الوجه مشرق الأسارير ووجداه عازما كل العزم على أن يكون هو دون سواه على رأس الوزارة أو”مجلس الوزراء”وأنه بعث الى المعتمد البريطاني برسالة فحواها أ، تكون هي – أي المس بيل – الواسطة بينهما في أي وقت يتعذر فيه على المستر فلبي القيام بذلك.
ثم تقول أنها أقامت في المساء مأدبة عشاء لجعفر العسكري وساسون أفندي وعبد المجيد الشاوي رئيس البلدية ودعت اليها المستر فلبي والكابتن كلايتن والميجر مري وكان غرضها من المأدبة تحقيق الإتصال بين الثلاثة الأولين. وتقول أن جعفر العسكري طالب – بلغة مؤثرة – تسوية التحقيق مع العشائر الثائرة.. وقد ارتأى ساسون افندي ان يشرك النقيب معه في مجلس الوزراء، أحد زعماء كربلاء أو النجف.
إن المس بيل ساخطة على الشيعة وزعمائهم بسبب واحد هو ثورة العشائر ورفض أغلب علماء الشيعة – في ذلك الوقت –”التفاهم”مع الانكليز كما سنرى بعد هذا بقليل.
وبعد العشاء تكلم المجتمعون عما كان يسمى – بالجيش العربي – فتساءل جعفر العسكري عن الطريقة التي يستطيع بها جمع المتطوعين لأن شروط الانتداب تمنع من التجنيد الاجباري. ثم تحدث عن زيارته للكاظمين واجتماعه بعلماء الدين فيها وعن رفضهم التعاون مع حكومة النقيب واصرارهم على ان تكون الحكومة ينتخبها الشعب وأن لا فائدة ترجى من أي وضع آخر.
وتقول المس بيل بعد ذلك انها ذهبت مع الكابتن كلايتن الى دار السيد شكري الآلوسي لتناول الشاي وان مما يدعو الى عظيم فخرها ان بابه مفتوح لها في كل وقت. وتختم رسالتها بقولها ان مجلس الدولة – او مجلس الوزراء (3)- سيجتمع غدا.


هوامش:
______
* نشرت ترجمة هذه الرسالة في (الاهالي) عدد 638 في 27 كانون الثاني 1961
(**) نشرت في جريدة الأهالي عدد 641 في 31-1-1961
(1) لكونه من العهديين – المحققة
(2) كذا! – المترجم
(3) تكونت الوزارة الاولى ممن يلي:
السيد عبد الرحمن الكيلاني رئيسا للوزارة، والسيد ساسون حسقيل وزيرا للمالية، وطالب النقيب وزيرا للداخلية، وجعفر العسكري وزيرا للدفاع، ومصطفى الآلوسي وزيرا للعدل، وعبد اللطيف المنديل وزيرا للتجارة، وعزت باشا الكركوكي وزيرا للمعارف والصحة، ومحمد علي فاضل وزيرا للنافعة (اي الاشغال والمواصلات) (ثم اسندت اليه وزارة الاوقاف، وصار عزت الكركوكي وزيرا للنافعة) ثم اسندت وزارة المعارف الى محمد مهدي آل بحر العلوم – المحققة.