في ذكرى رحيله 1940 مناحيم دانيال واعماله الخيرية

في ذكرى رحيله 1940 مناحيم دانيال واعماله الخيرية

إعداد : ذاكرة عراقية
ان اقدم وجود الطائفة اليهودية في العراق وعددها الكبير نسبيا الى جانب فشل المؤثرات الخارجية الغربية في عزلها عن مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية، جعل اليهود يعـدون أنفسهـم دوماً جزءاً متمماً للشعب العراقي، يدعم هذه الحقيقة وليد خدوري حين يشير إلى ان يهود العراق كانوا:(… يشكلون جزءا لا يتجزأ من المجتمع،

وكانت ممارساتهم الثقافية والاجتماعية هي ممارسات السكان في مجموعهم … كانت طائفة معربة تماما … فقد كان اليهود يتحدثون بالعربية فيما بينهم، ويستخدمون العربية في شعائرهم الدينية … وكانت حياتهم الاجتماعية هي حياة العرب…). ولعل استخدام اليهود في شمال العراق اللغة الكردية وارتداء الزي الكردي المعروف والتداخل معهم في العادات والتقاليد لدليل آخر على استقرار هذه الطائفة حيث تواجدت على أرض العراق.

أما بالنسبة الى الجانب التعليمي والثقافي، فقد حققت الطائفة اليهودية قدرا كبيرا من التقدم، حيث بدأت المؤسسات التعليمية اليهودية منذ بداية القرن التاسع عشر تمارس نشاطها، كانت (مدرسة تلمود توراة) التي تأسست عام 1883 من أول المؤسسات التعليمية التي غلب عليها الطابع الديني، وهي تشبه في عملها (الكتاتيب) التي انتشرت في العراق. وأخذت مؤسسات الطائفة اليهودية تشهد تطورا ملحوظا أثر إدخال الأساليب الحديثة في وسائل التعليم من مناهج ومدرسين ونظام تعليمي، كان ذلك بفضل (جمعية الأليانس الإسرائيلية العالمية (التي أسست مدرسة الأليانس في بغداد عام 1865، وعهدت رئاستها الى شخصية كفوءة وخبيرة بأمور التدريس هو (المسيو ماكس) وشاركه في مهمته هذه أسحق لوريون الساعاتي. وقد لقيت دعما كبيرا من جمعية الأليانس الإسرائيلية في باريس والجمعية الإنكليزية اليهودية في لندن واللجنة اليهودية في بغداد. وبجهود هذه الجمعية تأسست مدرسة للبنات في عام 1893، وتعدى نشاطها حدود هذه المدينة لتشهد البصرة عام 1903 افتتاح مدرسة جديدة للطائفة، تبعها في الحلة عام 1907 والموصل والعمارة عام 1910.وقد برز عدد من الشخصيات اليهودية في الحياة السياسية العراقية خلال تاسيس الدولة العراقية الحديثة في الحقبة الملكية(1921-1950) منهم (ساسون حسقيل وزير المالية المشهور، مناحيم دانيال وابنه عزرا دانيال عضوي مجلس الاعيان والنواب كل من : روبين بطاط، اسحق افرايم، سلمان شينة روبين صوميخ، ساسون سميح،إبراهيم حاييم،يهودا زلوف،الياهو العاني،اسحق شاؤول،عزرا العاني،إبراهيم ناحوم،فريد سمرة،يعقوب بطاط،عبد النبي مير معلم،خضوري مراد شكر،نعيم صالح شماش و نعيم روبين مصري).الكاتب مير بصري وانور شاؤول،الذين لعبوا ادوارا لا يستهان بها في خدمة العراق و تفضيل مصالحه الاقتصادية والسياسية على مصلجة الاحتلال الانكليزي
أصدرت الحكومة العراقية قانون إسقاط الجنسية في التاسع من آذار سنة 1950. و نص هذا القانون”على تخويل مجلس الوزراء بتجريد أي يهودي يرغب، باختياره ورغبته، بترك العراق من جنسيته العراقية”. فترك أكثر مائة إلف يهودي عراقي العراق بين عامي 1950و 1951، وشهدت هذه السنة النهاية التقريبية للطائفة اليهودية بعد أكثر من إلفين وخمسمائة سنة من وجودها في العراق.

مناحيم دانيال واعماله الخيرية

مناحيم صالح دانيال رجل أعمال عراقي من أسرة يهودية ذات أصول جورجية امتهنت التجارة وكانت تقطن محلة التوراة في بغداد. ولد مناحيم دانيال في بغداد عام 1846م ودرس أولاً بمدارس الدولة العثمانية ومن ثم تلقى العلوم في مدارس أوروبا، ولقد أصبح ممثلاً في مجلس المبعوثين العثماني عام 1877، واشتهر بالأوساط التجارية والاقتصادية وعرف بعلاقاته التجارية مع أعيان البلد، وكان لهُ مجلساً في محلة رأس القرية في بغداد يجتمع فيه من مختلف الطوائف، وبعد قيام النظام الملكي في العراق أصبح عضواً في مجلس الأعيان العراقي عام 1925 ممثلاً عن الطائفة اليهودية الموسوية في العراق.
عرف مناحيم دانييل بصاحب اليد البيضاء، حيث أسس وبنى أول ملجأ لأيتام المسلمين وصرف عليه من ماله الخاص لإعانة أيتام المسلمين وغيرهم.
وعندما كان فيصل الأول ملك العراق يسكن في قصر شعشوع الذي يملكه التاجر اليهودي شاؤول شعشوع، حدث في 9 نيسان سنة 1926 فيضان نهر دجلة الذي تسبب في غرق الأراضي القريبة من نهر دجلة ومنها قصر شعشوع، فقام مناحيم دانيال باستضافة الملك فيصل الاول مع عائلته في قصره الواقع في منطقة السنك بنهاية بستان الوقف الكبير الذي يلي شريعة سيد سلطان علي، وظل الملك وعائلته يسكنون قصر مناحيم دانيال حتى انتهت الحكومة من اكمال بناء البلاط الملكي في منطقة الكسرة ببغداد.
ترك مناحيم دانيال العديد من الآثار والمرافق التي تحمل اسمه، ولعل أشهرها سوق دانيال وسط بغداد الذي لازال إلى يومنا الحاضر يحمل الأسم نفسه والذي شيده عام 1929، وأكمله من بعده إبنه عزرا مناحيم دانيال. ومن أعماله ايضاً بناء الأسواق في الحلة والكفل ونهر اليهودية في الحلة.

من هذه الأسرة عزرة مناحيم صالح الذي حاز على ثقة حكام العهدين العثماني والملكي، فعين عضوا في مجلس الأعيان عدة مرات بعد وفاة والده مناحيم دانيل إلى أن توفي في 13 آذار 1953م. وكان لهمجلس في محلة السنك على نهر دجلة، يناقش فيه مشاكل التجارة والاقتصاد، ويختلف إليه الكثير من أهل التجارة ومن مختلف الطبقات الاجتماعية.
ويذكر الاستاذ نبيل عبد الأمير الربيعي في مقاله (اليهودي العراقي مناحيم دانيال.. وقصة جدول اليهودية في الحلة) :
عندما أصاب أرض الحلة المحصورة بين نهر الفرات وشط الحلة جدب قاتل, بعد حفر نهر(الجورجية) الذي يختلج مياهه من صدر سدة الهندية , ماراً بمدينة طويريج منتهياً جنوب مدينة الكفل, فكر مناحيم دانيال النائب في مجلس المبعوثين العثماني عام 1907 , في إيصال الماء إلى تلك المقاطعات التي يملكه (الويسية , الرستمية , ابراهيم الخليل ,الرارنجية) فقرر بعد مشورة خبراء زراعيين أحضرهم لهذا الخصوص , أن يحفر نهر خاص بتلك الأراضي يختلج مياهه من نهر الحلة في نقطة من منطقة الجمجًمة التي تقابل مدينة بابل الأثرية.
أنجز العمل خلال سنتين وجرى الماء فيه عام 1909 م , وحمل تسمية جدول اليهودية , ولا زالت التسمية ملاصقة للجدول رغم كل الدعوات لتغيير التسمية زمن النظام السابق , ولكن دبً الإهمال في هذا الجدول من قبل السلطات والحالية , حيث طمر أغلب أجزاءه واستخدم مبزل للمياه الثقيلة.
أسرة مناحيم صالح دانيال الموسوية من أصول كرجستانية , من أسره يهودية امتهنت التجارة واتخذت من محلة التوراة في بغداد وطناً لهم , واشتهر آبائه بالعمل في الجانب التجاري والزراعي , وكان من هذه الأسرة مناحيم دانيال تولد1846 ,درس في المدارس العثمانية وتلقى العلوم في مدارس أوربا , واختير ممثلاً في مجلس المبعوثين العثماني عام 1877 حيث كان من فضلاء أسرته في ذلك العصر , وعرف في الأوساط التجارية والاقتصادية, وكان له ميل كبير للاجتماع بالناس والتعرف على أحوالهم , فاتخذ لهُ مجلساً في محلة رأس القرية على النهر , غربي المحكمة الشرعية في بغداد,وكان له مجلس ليجتمع بأصدقائه من مختلف الطوائف , وقد عين عضواً في مجلس الأعيان في العهد الملكي عام1925 , ولهٌ علاقات تجارية مع أعيان البلد , الذي حاز على ثقة حكام العهد العثماني والملكي وأصبح ممثلاً في مجلس الأعيان عدة مرات حتى وفاته عام1940م إذ أوصى أن يدفن بجوار النبي ذو الكفل, فقد خلف ولده عزره مناحيم دانيال المولود عام 1874 م الذي حاز على ثقة حكام العهد الملكي وأصبح نائباً في تلك الفترة.

سوق دنيال في بغداد

هذا السوق أصبح شيخاً طاعناً في السن ولكن يحمل الاصاله والذوق والتراث البغدادي, ومن الأسواق القديمة في بغداد , تأريخه طويل قارب الستة عقود , شيده في أواسط أربعينات القرن المنصرم عزره مناحيم دانيال , تلك الشخصية اليهودية البغدادية , حيث أخذ السوق منحى التخصص في الأقمشة المحلية وبدلات الأعراس ذات الخياطة المحلية أيضاً , وملابس السهرة ومواد التجميل ولوازم الخياطة وبيع السجاد الإيراني.
كان سوق دانيال في فترة الأربعينات والخمسينات يمر بالعصر الذهبي, بسبب ارتيادُ السياح وطابعهُ الفني, والتجارة والصناعة المحلية المنفردة بجودتها والتي كانت تنافس المنتج الأجنبي , حيث كان الصدق من أسرار نجاح السوق في التعامل وجودة المنتوج , فضلاُ عن حركة السياحة , وإصرار التجار على عدم مغادرة السوق والانتقال منهُ , إذ يعني ذلك الخسارة في الأموال والخسارة في نسبة الربح لا في رأس المال.
لكن الحروب التي مر بها العراق ومرحلة الحصار قوضت , من أعمال هذا السوق التجارية وتلك المظاهر إلى إنخفاض إنتاجيتها لتلك المعامل والصناعات المحلية , ومن ثم تلاشت الغالبية منها , كان تجار السوق معروفين من أبناء بغداد ويعدون على أصابع اليد , واشهرهم الكاظمي والحيدري المتخصصين ببيع الأقمشة والشيخ عبد الجواد الذي مارس مهنته في السوق منذ عام1951 , والراحل حميد فيًلي الذي كان متخصصا في تجارة السجاد الإيراني النفيس.

سوق دانيال في الكفل

\الكفل هي امتداد لبابل, تذكر كتب التأريخ أن اليهود سكنوا العراق على ثلاث مراحل , الأولى السبي الآشوري(سامريا 721ق.م) , ثم سبي اليهود من فلسطين وعلى رأسهم الإسباط العشرة في عهد نبوخذ نصر عام(597 ق.م) , وأخيراً سبي صوفيا عام(586ق.م) , الذي كان نهاية مملكة يهوذا وتدمير أورشليم ومعبد سليمان, إذ سبي 40 ألف يهودياً إلى بابل.
من المناطق التي سكنها اليهود في العراق مدينة الكفل التي تضم مرقد النبي ذو الكفل , أحد أنبياء بني إسرائيل, ومقبرة تتألف من سبع رفات , تعود إلى الشخصية العراقية مناحيم صالح دانيال وعائلتهم في الجانب الجنوبي من المرقد الشريف , فضلاً عن وجود سوق دانيال , الذي يحتوي قرابة 70 محلاً تجارياً وما زال في عهدة وزارة المالية.
فقد اتخذ دانيال من الكفل مركزاً تجارياً وولدهُ عزرا الذي عين عضواُ في مجلس الأعيان عام1932 عن مدينة الحلة , والتي أنشأ فيها مدرسة الأليانس , إذ أن دانيال يمتلك أراض واسعة في الكفل كما شيد سوقاً كبيراً حول مرقد ذو الكفل وخانات لزوار الكفل من اليهود ,ومن سكنة ذو الكفل من اليهود , يوسف ياظا وابراهيم موشي , الذين يعتبرون من أصحاب المصالح الذين يعتمدهم المسلمون في حساباتهم المالية , بسبب الثقة المتبادلة بين الطائفتين, حتى وفاة عزرا مناحيم دانيال عام1953 وهي فترة هجرة اليهود من مدينة الكفل , إذ كانت لليهود مساهمات إنسانية في المدينة عن طريق الجمعية الخيرية(الميتًم الإسلامي).

ولكن معالم المرقد والمأذنه قد طمست بسبب الإهمال , حيث بنيت هذه المأذنه التابعة للمرقد من قبل السلطان المغولي اتجاتيوا خدابنده الذي حكم العراق عام(703-716) هجرية,وصيانة المسجد والمأذنه تلاها اهمالاً كبيراً , إذ بدأ ميلان المأذنة نحو السقوط عام1978 / , واستمرت بالانحراف حتى آلت للسقوط عام 2010, بسبب الإهمال, ومنها أغلب أماكن آثار العراق التأريخية من قبل السلطات السابقة واللاحقة ,وإهمال الثقافة والتراث العراقي , وكل ما يتعلق بالجمال والفن والذائقة الفنية.
أما في مركز الحلة فيمتلك دانيال خان لتسويق الحبوب , كانت أطلاله باقية إلى زمن قريب , إلا ان الأهالي قد استحوذوا عليه وهدوا البناء وشيدوا مساكنهم بديل لهُ.ولكن بعد ظهور الحركة الصهيونية العالمية , بدأت العلاقات تتشنج بين اليهود والمسلمين حتى رحيلهم من العراق.

و مدح الشاعر الكبير معروف الرصافي مناحيم دانيال عندما شيد على حسابه الخاص بناية حديثة للميتم الإسلامي العام 1928، فقال فيه قصيدة منها:
شادَ ابن دانيال الكريم لذا البنا
بالمال مشترياً به كلَّ الثَّناء
فلنكنه بأبي الأيتام بعد ذا
إذ لا يُخاطب مثله بسوى الكُنى
رجل علمنا اليوم مِن إحسانه
إن ليس للإحسان دين في الدُّنى