جعفر الخليلي.. سراج مضيئ

جعفر الخليلي.. سراج مضيئ

د. ماهر جبار الخليلي
جعفرُ الخليلي علماً من أعلامِ العِراق ورمزاً من رموزهِ الوضاءةِ انه اديبٌ كبير وصحفيُ متالق، وهو الملقب بابو الصحافة العراقية (ابا هاتف) الذي توفي في الثاني من شباط عام 1985م في مدينة دبي العربية ودفن في مقبرتها. ولد في مدينة النجف الاشرف مدينةِ العلمِ والدينِ والادبِ في عام 1904 م/ 1319هـ ووالدهُ يعد من الشخصياتِ الادبيةِ والعلميةِ في المدينة فضلاً عن شهرتهِ كطبيبٍ،واسرتهُ من أشهرِ الأسرِ النجفيةِ المعروفةِ.

اشتهر الخليلي بالصحافة والادب والشعر والتاريخ ولكنه تميز بالقصة القصيرة الذي يعد رائدها الاول في العراق حسب اطروحة الدكتوراه للمستشرق الامريكي جون توماس هامل والمعنونة (جعفر الخليلي والقصة العراقية الحديثة) والتي اثبت فيها تميز الخليلي بالقصة وتفرده بالكثير من عناصرها ذات الطابع المحلي والجديد. أصدر في عام 1348 هـ/1930 جريدةَ (الفجر الصادق) في مدينة النجف واستمرت فترةً محدودةً، وفي عام 1353هـ/1934 أصدر جريدة (الراعي) التي أُغلِقتْ من الحكومةِ بسببِ توجهاتِها السياسيةِ وانتقاداتِها اللاذعة ِ، ولذا عمد الخليلي الى توجيه افكارهِ نحو الفكرِ والاجتماعِ والادبِ دونَ السياسةِ لكي تستطيعَ الصحافةُ ايصالَ رسالتِها الى الناسِ كافة فكانَ ذلك في عام 1354 هـ /1935م حيث اصدر جريدةَ (الهاتف) الشهيرةَ التي استمرت عشرينَ سنةٍ وكانت مدرسةً ادبيةً وشعريةً وقصصيةً حقيقيةً لكلِ من اطلع عليها وعاصرها. الى ان (الهاتف) كانت ميداناً تخرّجَ فيه عددٌ كبيرٌ من الشعراءِ والكتابِ، وقد فتحت الهاتفُ صفحاتِها بتشجيعٍ كبيرٍ لاثارِ الاديباتِ والشاعراتِ من النساءِ ومن اوائلِ من كتبن (دلال صفدي، هناء ريح، زهرة الحر، ونعمت القربى) وكانت تُصّدرُ في كلِ سنة مجموعةً خاصةً بالقصةِ. بعد اغلاقِ الجريدةِ مع جميع الصحف العراقية الاخرى بقرار من حكومة نوري السعيد نظراً للمعارضةِ الشعبيةِ والصحفيةِ الواسعةِ لمشروعِ حلفِ بغداد عام1954م تحولت ادارتُها في الحيدر خانة الى مكتب للنشر والاعلان بأسم (دار التعارف للنشر والاعلان) حيث انه قام بتقديم الاعلانات بطريقةٍ جديدةٍ ومبتكرة ٍيكون الشعرُ و النثرُ ميدانَها،حيث كانت الاعلانات تقدم عن طريق التلفزيون والصحافة تحت عنوان (شعارُ الادبِ في ركابِ التجارة).

وفي هذه الدار استمر انعقاد الندوة الادبية التي كانت تعقد في دار الهاتف مساء الاثنين من كل اسبوع وكان من روادها: د. مصطفى جواد ود. احمد سوسة ود. علي الوردي ود. صفاء خلوصي و د. حسين علي محفوظ والاستاذ ناجي جواد الساعاتي وعبد المجيد لطفي و المؤرخ الدكتور حسين امين والشيخ جلال الحنفي وغيرهم.
لايسعُ المجالُ تتبعُ جميعَ المؤلفاتْ كونُها كثيرةً وكبيرةً حجماً ومعنىً وبالتالي لابدَ من إصطيادِ البارزِ والمثير كونها حقيقةً تُثلجَ الصدرَ وتُريحَ القلبَ وعندما تجوبُ قصصهِ فانكَ تموجُ في بحرٍ من الذكرياتِ والامالِ وتسافرُ معهُ حيثما ذهبَ وارتحلَ مرةً في النجفِ الاشرفِ وأُخرى في بغدادِ وفجأةً تجدُ نفسكَ في أعالي جبالِ لبنان بما امتلكهُ من موهبةٍ وملكةٍ تجذبُ القُراء وتُسيطرُ على ذهنيتِهم. ان للخليلي اصداراتٌ كثيرةٌ في عالمِ القصةِ، فقد اصدرَ اولَ قصةٍ لهُ عام 1921م بعنوان (التُعساء) وكانَ عمرهُ آنذاكَ سبعةَ عشَر عاماً، أي في مقتبلِ عمرهِ الادبي وهذه ِالقصةَ هي المفتاحُ الذي فتحَ الابوابَ مشرعةً على مصارعيها امامَ موهبتهِ الخلاقة،ِ فكانت النواةُ الأُولى على طريقِ شهرتهِ الادبيةِ وتألقهِ الثقافي.

وروايتهُ الاخرى (حُبوب الاستقلال) التي يصورُ فيها حالةَ الاحتلالِ الانكليزي البغيض ويرى في خيالهِ إنّ حبوباً مصنوعةً خصيصاً للعراقِ عندما يتناولُها العراقيونَ يُصابونَ بالاسهالِ فتفيضُ الارضَ وتُغرِقُ الانكليز وتَدفعُهم خارجَ الحُدود وتُصرفُ هذهِ الادويةِ من صيدليةَ جعفرُ ابو التمن وصيدليةَ غاندي وصيدلية سعد زغلول في مصر وغيرِهم من الاحرارَ في العالمِ، وهي مفاكهةٌ غريبةٌ وجديدةٌ في وقتِها بدايةَ عقدَ العشرينات.

وروايته الشهيرة (في قرى الجن) التي عدها النقاد ذروة اعماله ونتاجاته، تعدُ واحدة من الاعمال المهمة في أدب الرواية الحديثة في العراق والعالم العربي، وذلك لرؤيتها المتقدمة، وترابط نسيج بنائها الفني الحديث.

من روائع كلماته ما استهلَّ بها إهداء كتابه التوثيقي المهم والمفصِّل في نشأة القصَّة العراقية (القصة العراقية قديما وحديثا)، والذي اثبت في متنه ان هذا اللون الادبي ليس مقتبسا ولامقلدا من آداب الشعوب ومأثورات الأمم التي انفتحنا عليها واتصلنا بها وتأثرَتْ ثقافتنا بشكل وآخر بما دوَّنه مبدعوها من الوان واشكال وانشاءات ادبية والديباجة هي :

(إلى جميع الذين وضعوا ويضعونَ لبنة في بناء القصة العراقية دون ضجيج وادِّعاء وغرور الى القصَّاصينَ المتحلينَ بأسمى زينة من التواضع، أهدي هذا الكتاب من القصة العراقية قديما ً وحديثا ً)

اما كتابه (كنت معهم في السجن) فلابد من اقتباس بعضٌ من مقدمتها لان فيها معاني جل ان نجدها في غيرها”… دخلت السجن زائرا وطفت به وأكلت من مطبخه نزولا على رغبة مدير السجون العام حينذاك الذي كان يلذه ان يسمع رأي زوار السجن في شؤون السجون من ملبس ومأكل ومشغل،بل لقد كنت انا الذي كتبت في جريدتي (الهاتف) بوجوب حجز النساء المحكومات بدواعي الاخلال بالشرف بعيدا عن النساء المحكومات بدواع اخرى – فأخذت الحكومة في ذلك الوقت برأي وفصلت اولئك عن هؤلاء..”.

اعلق على ذلك بملاحظتين الاولى : صحفي ينشر مقالاً يتعلق بموضوع اصلاحي بنيوي ويمس الحكومة سلبيا ويشير ولو بشكل غير مباشر الى تقصيرها ولكن الحكومة تستجيب بشكل ايجابي حيث نفذت مقترحات الصحفي بكل رحابة صدر،والثانية رجل يدخل السجن بارادته محاولا المساهمة في ايجاد الحلول لماسي الناس واصلاح المجتمع اتسأل :

اي تضحية هذه واي حكومة تلك؟ واين نحن من اولئك؟

اما سلسلة (هَكذَا عَرِفْتهُم) فقد افتتحها بالكلمات الجميلة الاتية :

(خواطر عن أناس عاشوا بعض الوقت لغيرهم أكثر مما عاشوا لأنفسهم)

وفي هذه السلسلة ارخ وترجم لكثير من الشخصيات المهمة التي التقى بها الخليلي وقد اورد فيها معلومات جديدة ومهمة رفعت الغموض في بعض الاحيان ورفعت الظلم في احيان اخرى واوردت تساؤلات جديدة على بعض الشخصيات كمفتاح لبحوث عنها. وكمثال على ذلك فقد ازاح الظلم عن الكاتب والشاعر الكبير ميخائيل نعيمة حيث اتهمه الكثيريين بالبخل الشديد ولكن الخليلي اورد عنه قصصا نفت عنه تلك الصفة واثبتت نبل اخلاقه وابرزته انسانا محسنا كريما من خلال احتضانه لاحد افراد الجالية الايرانية فقير الحال وتقديم كل مااستطاع من مساعدة وعناية. وفي قصة العراقي كاظم الدجيلي السفير العراقي المعروف اورد عنه حكايات تثبت وطنيته واخلاصه لوطنه بعدما اتهمه البعض بعمالته للانكليز في ثورة العشرين وطردوه في احدى الليالي متوسداً الرصيف،حيث اورد الخليلي حقائقا موثقة من رواية الدجيلي نفسه ومن تقارير بريطانية تقول عن الدجيلي(وتصفه احد الشبان الشيعة) بانه من الثوار وغير اهل للثقة ولكنه يخفي ذلك بدبلوماسية عالية. وتعد (موسوعة العتبات المقدسة) من اهم نتاجات الخليلي الادبية والتاريخية فقد ضمنها معلومات نادرة وجمع فيها التاريخ والادب والشعر والاجتماع والاقتصاد في بوتقة نادرة وحلة جميلة تريح القارئ وتفيد الباحث وتنفع الاستاذ وترشد المتدين. تؤرخ هذه الموسوعة للعتبات الرئيسة بشمولية واسعة وخصوصية دقيقة مبتدئا بمكة المكرمة فالمدينة المنورة ثم يعرج على القدس الشريف في جزأين قبل ان ينتقل الى مراقد العراق فيسافر بموسوعته نحو النجف الاشرف بجزأين ثم يشدوه الحنين الى كربلاء المقدسة عائدا الى بغداد زائرا ضريح الامامين الكاظمين في ثلاثة اجزاء رائعة ثم يشد الرحال الى خراسان قبل ان يختم في سامراء ليكون لديه ثلاثة عشر جزءا من الموسوعة ولولا ظروفه الصحية والعائلية لاكملها لكل مراقد العراق الاخرى.

كُتبَ عن الخليلي الكثيرُ ووصفوا وحللوا اعمالَهُ وشخصيتهُ بشتى انواعِ الصورِ من اصدقائهِ الادباءِ والشعراءِ وحتى السياسيين، ولعلَ اجملَ شيءٍ يمكنُ استنتاجهُ من كتاباتِهم هو اتفاقُهم جميعاً على عمقِ الصداقةِ القويةِ التي يتمتعُ بها الخليلي والتي يُعطيها اكثرَ بكثيرٍ من حقِها مما جعلهم جميعاً يبادلونه بهذا الاحساسِ الرائعِ والامرُ الاخرُ هو سعةُ علاقاتهِ وتنوعُها بحيث لايميز صداقاتِه على اساسٍ عرقي او قومي او ديني بل من كلِ طيفٍ ولون. وتاكيداً لذلك ما ذكره الاديب المصري المرحومُ محمد عبد الغني حسن في مقدمتهِ للكتابِ المترجم (جعفر الخليلي والقصة العراقية الحديثة) عندما ذكر جملةً مهمةً عن الخليلي كانت خاتمةً لترجمته نذكرُها فيمايلي :”ولاشك انّ اجتماعَنا هنا مابين مسلمٍ ومسيحي، وشرقي وغربي ومصري وعراقي وسني وشيعي وعربي واعجمي هو اجتماعٌ واجماعٌ على المكانةِ الادبيةِ المرموقةِ التي يتمتعُ بها صديقُنا الاستاذ جعفرُ الخليلي الذي تخصهُ هذه الدراسةُ الجامعيةُ بالتفصيلِ والتحليلِ”.

اما الكاتبُ الكبيرُ وديع فلسطين فقد كتبَ عنهُ بما يثيرُ الاعجابَ والشجونَ حيث قال :”من المجني عليهم في دنيانا الادبية حبيبُنا الراحلُ جعفرُ الخليلي الذي كان امةً برأسهِ ومجموعةً من الرجالِ لاتتكرر.. نعم لقد كان جعفر الخليلي مجموعةً من الرجال تكاملت في شخصهِ وائتلفتْ في نسيجِ انسانيتهِ وتغلفتْ بخُلقهِ وقيمهِ ومثاليته”.

بهذا الوصفِ الجميلِ كانت كلماتُ أديبنا المبدع وديع فلسطين تجودُ عن الخليلي وقد مدحهُ ناقداً حين قال”حُبه للانصافِ هو الذي وضع في يُمناهُ قلم الناقدِ البصير فجادتْ دراساتهُ النقديةُ بدعاً في التقييمِ والتقويمِ، ولستَ تجدُ في أدبهِ الروائي موقفاً نابياً ولافضيلةً ذبحيةً ولاغلبةً لفاسقٍ على صالحٍ وهو في جريدةِ (الهاتف) لم ينطقْ عن هوى ولا ازدهاهُ مجدٌ او مالٌ فكان مثالاً للصحفي الشريفِ النظيفِ القلمِ والضميرِ”. اما السفيرُ المغربي في العراق الاستاذُ عبدُ الهادي التازي فقد رافقهُ في بغداد وواصلهُ مراسلاً من المغربِ مؤكداً عمقَ الصداقةِ والمودةِ التي كانت بينهما ومما قاله”كان الخليلي ابرزَ من سعيتُ للتعرفِ عليهم اثناءَ مهمتي في بغداد،هذا الرجلُ (الموسوعة) الذي كان تحفةَ المجالسِ وزادَ المسافرِ وقد كانت بدايةُ الاتصال بسببِ ماحبا اللهُ بهِ العراقَ الحبيبَ من تمورٍ ظلتْ في طليعةِ مايُذكرُ عندما يتحدثُ الناسُ عن أطيبِ ماخلقَ اللهُ من نِعَمٍ”،وهي اشارة الى كتابٍ الفهُ الخليلي يحكي قصةَ تمورِ العراق بعنوانِ (تمور العراق قديماً وحديثاً).

تاريخ القصة

واضاف التازي بشأن موضوع تاريخ القصة وكيف ان مؤلف الخليلي عن القصة ساهم في توطيد العلاقة بينهما حيث قال”قرأتُ له كتابَ (القصة العراقية قديما وحديثا) وهو ممن يرون ومعهم حقٌ أنّ العراقَ كان أولَ من تبنّى تسجيلَ القصةِ العربيةِ في التاريخِ.. رحم اللهُ الاستاذَ الخليلي اذ كان موسوعةً فكريةً شاملةً يُذكّرنا بذلكَ الجيلِ من علمائِنا الاقدمين الذين كانوا لايقفون بحدود تاليفِهم وتصنيفِهم عند فنٍ من الفنونِ او ضربٍ من ضروبِ التأليفِ وانما فهموا الفكرَ بمعناهُ الانسانيُ الشامل”.وفي وصفٍ جميلٍ اوردَه الاستاذُ العراقيُ المغرّبُ مير بصري عن اعمالِ الخليلي حيث ذكر بانه فيها”الصبغةُ المحليةُ غالبةٌ لكنها مع ذلك انسانيةُ الشمولِ، فالبشرُ هم هم مهما اختلفتْ عصورُهم واقطارُهم.. كلُ اولئكَ من أبطالِ قصصِ الخليلي لهم أقرانُهم ونظراؤهم في الازمنةِ الخاليةِ والامصارِ النائيةِ”، ثم ينتقل بصري الى عمل مقارنةٍ رائعةٍ بين الخليلي وبين الكاتبِ الامريكي وليام سدني بورتر (1867-1910م) الذي عُرِفَ بأسمٍ مستعارٍ (أو.هنري) الذي”خّلدَ في قصصهِ صوراً وشخوصاً من الحياةِ الامريكيةِ في عهد استعمارِ الولاياتِ الغربيةِ والجنوبيةِ فروى احاديثَ المجازفاتِ وبراعةَ النصبِ والاحتيالِ في البورصةِ الماليةِ وسذاجةَ اهلِ القرى وبؤسَ الطبقاتِ الفقيرةِ في المدِن الغنيةِ الصاخبةِ.. ويُمكنُ القولُ إن الخليلي قد عَمِلَ لعراقِ النصفِ الاولِ من المائةِ العشرين ماعملهُ او هنري في قصصهِ الساحرةِ لأمريكا منتصفِ القرنِ التاسعَ عشرَ فرسمَ ببراعةٍ فائقةٍ ودقةٍ واقعيةٍ واخلاصٍ فني جميلِ الصورِ والشخوصِ التي عرفها وسمع بها وتخيّلها في عهدِ الانتقالِ والتطور”.

ذكر الكاتب والناقد مهدي شاكر العبيدي بإنَّ”جعفر الخليلي انفرد بأسلوب ونمط من التعبير هو نسيجه وحده في رشاقته وخلابته وفصاحته..إنـَّه (أبو الفرج) لهذا العصر حقاً في توثيقاته واستدلالاته، ويكفي أنْ نستذكر مؤلفاته في الوجوه والمناحي الأخرى ليتوكد لدينا هذا التشخيص”.وماتحدث به عن شخصية الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام يعد مفخرة كبيرة له ولعائلته فقد كانت قطعة نثرية رائعة ونادرة :”كان علي أمَّةً مستقلةً بذاتها، تحكي عقليَّة الدَّهر، وتعبِّر عن نضج الزمان، وتصوِّر نهاية المراحل من سموِّ البشريَّة، وقمَّة المجد، فليس من الصحيح أن يقاس علي بالافراد فهو نسيج وحده، ومن الخطأ أن يقال عن علي: إنَّه كان أورعهم، وأتقاهم، وأنبلهم، وأسخاهم وأنت تعرض لسيرة العظماء والمزايا الانسانية فكما أنَّك لا تستطيع أن تقرن الارض بالقمر بهاءً، وتقرن معدن الراديوم بالمعادن الاخرى جوهراً، وتقيس عليه، فإنَّك لا تستطيع أن تقرن اسم علي بأسماء العظماء – باستثناء من خصُّوا برتبة النبوة – وهو غير نبي طبعا – لانَّ مزايا علي قد تجاوزت الحدود المألوفة، ولانَّ شخصيته بلغت القمَّة من الامجاد والمثل العليا في دنيا البشريَّة”.

قيلت في حق الخليلي بعد وفاته قصائد للرثاء مهمة وجميلة المعنى أهمها وابرزها قصيدتي المرحوم الشيخ الدكتور احمد الوائلي قال في الاولى وعنوانها (دمعة على الخليلي) :

طـواك الردى ســفـراً فعش في كتابــهِ
كبـيرَ المعاني رائعـاً كلَ مـابــــهِ
ولاتـخشَ أن يـغتـالـَكَ الـموتُ فكــرةً
فليس يموتُ الفكرُ رغمَ احتجابـــــهِ
ومـثـلُـكَ مَنْ إنْ أَمـّـهُ المـــوتُ ردَهُ
خضيلاً وصبَ الخصبَ فوقَ يبابهِ
فـوجـهٌ إذا ماغابَ تـَبـكيــهِ سـاعـةً
ووجـهٌ تـمـلُ العمرَ بـعـدَ غـيـابـهِ
طوى القـبـرُ احبـابي فعانقتُ قـــبرَهم
أهـيـمُ لــدى أنـقـاضــهِ وخــرابــهِ
أبـا هـاتــفٍ إنْ أبـعدوك عن الحمــى
فـرُبَ بـعيدٍ ممعنٍ فـي اقـتـرابــــــهِ
اما القصيدة ُالثانية عنوانُها (على قبرِ الخليلي) قال فيها :

وقفتُ على قبرٍ يضمُّكَ عفـــرهُ
وحييتُ رملاً أنتَ فيه معــــفر ُ
فلاحَ وراءَ القبرِ جسمٌ مشى البـلا
بكلِ نواحيهِ ووجهٌ مُعــــــبرُ
وخاطبني الصمتُ الكئيبُ وربمـا
تكلمَ صمتٌ هاهنا نامَ جعـــــفرُ
حوى القبرُ جسماً منه لكنَّ روحـهُ
لأوسعُ من هذا الترابِ وأكــــبرُ
وقصيدة الدكتور محمد عبد المنعم الخفاجي المعنونة(الى روح اديب العربية) :
دنيا من المجدِ والامالِ والهمـم ِ
عاش الخليلي يبنيها من العــــدمِ
من مهرجانِك ضجَّ الحرفُ في القلم ِ
ياناسكَ الفكرِ نَمْ في الخُلدِ وابتســم ِ
على يديك أقام الفكرُ دولــــهُ
وصفق المجُد للفصحى بكل ِفـــمِ
ماللهواتفِ لاتشدو على فـــننٍ
ولاتغردُ للادابِ والقـــــــيمِ
لم تقبل المجدَ من الٍ ومن حشـمٍ
المجدُ مجدُكَ دونَ الالِ والحشـــمِ
مات الخليليُّ لكنْ لم يمـتْ أدباً
سامٍ يصاحُبنا كالنارِ في العــــلم ِ
إنْ غابَ فالفكرُ ماغابت جواهرُهُ
تلاطم البحرُ بالامواجِ والديــــمِ

هذا العلم الكبير يستحق منا كل تقدير واعتزاز واجلال ولسوف يبقى نبراسا للاجيال،نأمل ان ترسم سيرته العطرة الوضاءة المشعة بالابداع الطريق القويم لكل الذين وضعوا اللبنة الاولى في مسيرة حياتهم الابداعية لاسيما رجال الصحافة والاعلام والادب.وفي الختام أقول بان جعفر الخليلي عَلَماً وعِلَماً وعالِماً وعالَماً خاصاً، قد اثمرتْ نتاجاتهُ وحياتهُ ومأثرُهُ في نفوسِ جميعِ محبيه واصبحتْ نبراساً للأجيالِ يضيءُ في الميادينِ التي خاض بها الخليلي وهي كثيرةٌ وواسعةٌ ولكنه كان بحقٍ سراجاً ينيرُ الطريقَ ومعلماً من الطرازِ الاولِ، ولست هنا ابالغُ لانه من أقاربي فلم ألتقِ به ولا مرة ولكنني تاثرتُ بأعمالهِ الرائعةِ منذ صغري وعشتُ اجواءَ النجفِ وشعرِها وادبِها من خلالِ كتاباتِه حتى يستغرب بعضُ الاهلِ والاصدقاءِ من المعلومات التي امتلكُها عن حقبةٍ زمنيةٍ سابقةٍ لعمري وكأنني عشتُها، وتاثرتُ ايضا بصداقاتهِ العربيةِ وسفراته المتنوعة ولاسيما لبنان، البلد الذي عشقته من كتابات الخليلي ورغبت بشدة زيارته وكان ايذانا ببدء دراسةِ هذا البلدِ تاريخياً وفكريا.رحم اللهُ أبا فريدة وادخلهُ فسيحَ جناتهِ وجازاه اللهُ على كلِ حرفٍ كتبهُ وكلِ علمٍ نشرهُ وكلِ كلمةٍ نطقها الفُ الفُ حسنةٍ وتقچبله في الخالدين انه سميعٌ مجيب.