جعفر الخليلي صحفيا

جعفر الخليلي صحفيا

د. محمد عبد الهادي عبود
أن العوامل المحركة لظهور الصحافة النجفية، تقف وراءها اسباب عديدة ومشتركة، ابتداء من العمق التاريخي والحضاري والديني لمدينة النجف الاشرف مما ولد فيها حركة فكرية متميزة كانت تتضح في تنامي الوعي الفكري والاصلاحي، متأثرة في قيام الحركات الدستورية في الدولة العثمانية وايران، فضلا عن تأثير المصلحين الإسلاميين في البيئة الفكرية واتساع نطاق حركة الطباعة العربية،

اذ تسنى طبع كثيرا من الكتب العربية المختلفة المضامين ورافقتها النهضة الصحافية العربية، فضلا عن العراقية، والتي كانت تصل بعض منها إلى النجف الاشرف،فلا غرو أن تسهم بشكل فعال في دعم الحركة الفكرية والنشاط الثقافي ومن ثمّ ظهور صحافة نجفية دلت على وجود نخبة مثقفة ترفد هذه الصحافة بموضوعات على المستويات جميعها.
اصدر الاستاذ جعفر الخليلي الصحف التالية /
1.صحيفة الفجر الصادق: صدرت(الجمعة 6 شوال 1348هـ/ 7 آذار 1930م) أصدرها جعفر الخليلي، وانتهجت نهجا ادبيا، وكانت لسان حال النهضة الفكرية في الفرات، احتجبت بعد سنة من صدورها).
2. صحيفة الراعي: صدرت(1 ربيع الثاني 1353هـ/ 13 تموز 1934م) اصدرها جعفر الخليلي دعت إلى تطوير الدراسات الدينية وعنيت بالشؤون الأدبية وعالجت شؤونا صناعية،وقد أغلقت المجلة.
3. صحيفة الهاتف: صدرت(29 محرم 1354هـ/ 3 مايس 1935م)، اصدرها جعفر الخليلي وكانت تصدر اسبوعيا في يوم الجمعة، واستمرت بالصدور عشرين سنة، ولكنها دخلت مدة البحث ضمن السنة الرابعة في العدد(149) بتاريخ(14 ذي القعدة 1357هـ/6 كانون الثاني 1939م) وانتهت في السنة الثالثة عشر في العدد 527 ونقلت عام(1948م) إلى بغداد لانتقال صاحبها الى هناك، واغلقت الصحيفة عام(1954م)، وتعد تاريخيا ذا شأن في دراسة الأدب والحياة الاجتماعية والسياسية للعراق فضلا عن النجف الاشرف.
وجعفر الخليلي(1904- 1985م) ولد في النجف الاشرف ومن البيوتات النجفية المعروفة بشغفها العلمي والأدبي، دخل المدرسة العلوية وتعلم اللغتين الفرنسية والتركية، وكما اسهمت مكتبة والده الشيخ أسد الخليلي في بنائه الفكري ونشأته، زاول الكتابة والعمل الصحفي واصدر ثلاث صحف وأنشأ مطبعة وذو مؤلفات عديدة.

جريدة الهاتف:
أصدر جعفر أسد الخليلي جريدة الهاتف،العدد الأول في(29 محرم 1354هـ/3 ايار 1935م)، حرص صاحبها ومديرها المسؤول(الخليلي)،على صدورها بانتظام كل اسبوع في يوم الجمعة.سميت الهاتف تيمنا باسم ابن صاحب الجريدة(هاتف) وسمي الشارع الذي يقع فيه مكتب الجريدة باسم الجريدة(شارع الهاتف) حاليا. هناك ثلاثة عوامل جعلت الجريدة تصدر بانتظام وهي:
1. امتلاك صاحبها مطبعة الراعي وهي من المطابع الكبيرة، وبذلك ترفع عنه عناء الطباعة.
2. الخبرة الصحفية التي يمتلكها صاحب الجريدة.
3.بنيت الجريدة على أعقاب جريدة الراعي الآنفة الذكر
امتازت الجريدة عن غيرها آنذاك بتلون غلافها الخارجي،وفي الغالب يكون ورقها ذا لون أحمر، طبع عليه في الثلث العلوي اسم الجريدة وبشكل بارز،وبقي نوع الخط الذي كتب فيه العنوان ثابتا،ولم يستبدل حتى نهاية اصدار الجريدة.وأما في الثلث الاسفل فذكر فيه العدد والسنة والتاريخ والمطبعة ورقم البريد المسجل،وأما محتويات العدد فتتصدر واجهة العنوان للجريدة.
أفردت جريدة الهاتف بابا بعنوان(أخبار وحوادث) في الصفحة الثانية منها، تنشر فيها الاخبار الاجتماعية والادارية في النجف الاشرف،مثلا: حرصت الجريدة بنقل اخبار الحج والحجاج الذين يغادرون عن طريق الحج من حين انطلاقه من مدينة النجف الاشرف حتى المدينة المنورة ويعد أفضل طريق آنذاك يسلكه الحجيج من العراق وخارجه. وأما في ديباجة الصفحة الثالثة فقسم الثلث الأعلى من الصفحة إلى ثلاثة أقسام، احتوى القسم الأيمن على خط الجريدة ومنهجها،وأما المنتصف فكتب فيه اسم الجريدة وعنوانها ورقم الهاتف، وأما القسم الاخر فحدد فيه قيمة اشتراك الجريدة السنوي ومقداره نصف دينار داخل وخارج القطر.
حرص الخليلي على كتابة افتتاحية الجريدة بنفسه، معالجاً فيها الكثير من القضايا الاصلاحية الهادفة، مثلا: دعا الخليلي في مقال افتتاحي بعنوان(عامل التهذيب الروحي) مستغلا شهر رمضان لدعوته،ومطالبا فيها تهذيب وصقل النفس لترويض النفس نحو الخير.
اسهم عدد من المثقفين والأدباء في كتابة افتتاحية الجريدة عندما يسافر خارج النجف ومنهم حسين مروة، ومحمد شرارة، ومحمد رضا المظفر، وتوفيق الفكيكي،ومحمد حسين كاشف الغطاء.
قدم صاحب جريدة الهاتف عرضاً موجزاً لنشاط الجريدة في الساحة الأدبية خلال صدورها في السنة الرابعة من عمرها واستطاعت دار الهاتف أن تخرج إلى أسواق الأدب ثلاثة وسبعين كتاباً ومن ضمنها أربعة مجلدات للجريدة وتسعة كتب لمحرر الهاتف وعلى حد تعبيره.
وفي الجانب الآخر أضاف الخليلي بابا ثابتا آخر في الاخراج الفني للجريدة(في معرض الهاتف)، بعد أن اتفق مع شركة الصور العالمية لنشر أحدث الأخبار العلمية،محاولا في ذلك نقل معالم الغرب إلى قراء الجريدة، وتعد خطوة جريئة تضاف إلى مكانة الجريدة وتأثيرها في المجتمع.
عنيت الجريدة بنشر الاعلان المصوّركما في الاعلانات التي نشرت في الجريدة، مثلا: سكائر(غازي) الراديو زينيت، ومكائن الخياطة، والأحذية النسائية، والساعات اليدوية، والاطارات والعلاجات الطبية.،والتحريري،ويتم الاتفاق مع محاسب الجريدة على مقدار مساحة الاعلان.
اولت جريدة (الهاتف) عناية خاصة في أدب القصة، وانفردت بإصدار عدد ممتاز في بداية كل سنة من أجل إنعاش أدب القصة في العراق وبدأت الأعداد القصصية تفعل مفعولها في انماء روح الفن القصصي، هذا ما أشار إليه صاحب الجريدة في العدد الأخير من السنة الرابعة.
سعى الخليلي في أثناء مدة صدور الجريدة - في مدة البحث - على اصدار(379) عددا من أصل(527) عدد صدرت في النجف الاشرف، أن يكون منبرا أدبيا فكريا اصلاحيا معتدلا في عرض نتاجها وموضوعاتها، التي حققت نجاحا كبيرا على الصعيدين: الأدبي والصحفي، من خلال اهتماماتها بالقضايا الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية،مثلا: في الحرب العراقية البريطانية 1941، وقد عبّر الخليلي عن هذا الاضطراب في مقال جاء فيه((لقد مرّ على العراق دور لم نرَ له شبيها في جميع الأدوار التاريخية... وعدنا اليوم جاعلين الحكمة المأثورة»ما تهدمه السياسية يبنيه الأدب»)).
كشفت جريدة (الهاتف) عن تعدد وجوه المثقفين في مدينة النجف وحاولت أن تنشر المشاكل التي واجهت المدرسة النجفية ودعت إلى اصلاح المدارس من خلال نشر نواة أفكار المثقفين الداعين إلى هذا الاصلاح.

عن رسالة (الصحافة النجفية دراسة تاريخية..)