لينا هويان الحسن
روائية سورية
استغرقت كتابة «رسائل عيد الميلاد"أكثر من ربع قرن، وصبّ هيوز كلّ ما جمعه في كتبه المبكرة من خبرة بالطبيعة وتجلياتها، وباللغة الملغزة وما تستطيع أن توحي به من أبعاد، في هذا الكتاب، الذي يعتبره النقاد تحفة هيوز المتكاملة، حيث قام الشاعر الراحل سركون بولص باختيار بعضها وترجمتها والتقديم لها في كتاب"رسائل عيد الميلاد وقصائد أخرى"، الصادر حديثا عن دار الجمل.
عندما أصدر تيد هيوز"1930-1998"كتابه الأخير"رسائل عيد الميلاد"لم يكن أحد يتوقع حدثاً بهذه الجسامة، له هذا الوقع المثير، وبهذه الصراحة في كشف أسرار علاقته بسيليفيا بلاث، الشاعرة الأميركية التي تزوجها في 1959، والتي انتحرت في 1963، خصوصاً أنّ هيوز عاش سنواته الأخيرة في عزلة تكاد تكون شبه كاملة، مصرّاً على الصمت في كل ما يتعلق بحياته وتفاصيلها الحميمة. ولم يسبق لشاعر انكليزي آخر أن هزّ عالم الأدب بهذه القوة وبهذا الحسّ الفضائحي، منذ أن نشر اللورد بايرون ملحمته الشهيرة"تشيل هارولد"، في سنة 1812. وكان هيوز قد نشر قبله دراسة تصوّفية ضخمة تستقصي أسرار عالم شكسبير الشعري بعنوان"شكسبير وربّة الكينونة الكاملة".
كل هذه الأعمال أنجزها هيوز على مدى السنوات الأخيرة من عمره، في دفق متواصل هائل من العطاء كأنّه كان يحس باقتراب النهاية.
في هذه النصوص يعيش الشاعر كل شيء مرّة أخرى: من أول لقائه بسيلفيا بلاث حتى موتها، مرورا بالرحلات التي قاما بها في كل من فرنسا وإسبانيا وأميركا، واللحظات الحميمة والمرعبة التي عاشاها معاً، سواء في الواقع أو الحلم. هنا، في هذا الكتاب، تتواشج حياتهما في نسيج واحد، و«يتقمص"هيوز حبيبته باللغة إلى ما وراء الموت. وقد يأتي ذلك تحقيقاً لما كانت سيلفيا بلاث قد روته في قصيدة لها، موجّهة إلى هيوز، بعنوان «هدية عيد الميلاد"و(«الهدية»، هنا كما هو واضح، ما هي سوى الموت):
«أعرف لماذا لا تريد أن تعطيني إياها/
إنّك خائف/
فالعالم سينفجر بصرخة، ورأسك معه،
مزيّناً، متخوماً، كدرع عتيق/
أعجوبةً لأحفادك./
لا تخفْ، فالأمر ليس هكذا"
في هذه القصيدة الغريبة التي تُنْكر فيها بلاث نيّتها القاتلة مع أنّها توحي بها، ليس الهدف المعلن تيد هيوز الشخص وحده فحسب، بل تيد هيوز الشاعر أيضاً. فهي حتى ما وراء القبر، كانت تريد أن تستحوذ على حياته ومصيره، وأن تكون البؤرة التي يدور حولها شعره وكيانه. وهكذا كان.
إنه نشيد مطوّل ينقذ كل ما كانته بلاث من النسيان، تفاصيل حياتها، وأشياءها الحميمة، كلماتها وأقوالها، مرضها وجنونها.
كل القصائد التي تضمنتها المجموعة منسجمة مع رأي تيد هيوز بالشعر: (ربما لم يكن الشعر بمطلقه، وذلك في قدرته على التأثير فينا والتواشج معنا، سوى كشفٍ عن شيء لا يريد الكاتب أن يكشف عنه في الحقيقة، لكنه في يأسه يحتاج إلى التواصل عن طريقه، وإلى أن يتخلص منه. لعلّ الحاجة إلى إخفائه هي التي تجعله شعريّا، أي تجعل منه شعراً.
عن جريدة الاخبار اللبنانية