هيوز يفاقم الجدل حول حياته بعد مماته..حجر الشاعر في اعتق كنائس لندن

هيوز يفاقم الجدل حول حياته بعد مماته..حجر الشاعر في اعتق كنائس لندن

كرم نعمة
فاقم الشاعر الانكليزي تيد هيوز الجدل حول حياته وبعد سنوات من رحيله عندما احتفل بوضع حجر تذكاري يحمل اسمه في زاوية الشعراء بكنيسة ويستمنستر وسط العاصمة البريطانية لندن، في تقليد يعود الى 600 سنة. وحمل الحجر بلونه الاخضر الفاتح جوار نخبة من تذكارات تخص أهم الشعراء البريطانيين الراحلين مثل"تشارلز ديكنز"و"صامويل جونسون"و"روديارد كبلنغ"و"ت. س. اليوت"و"وليام بليك"و اللورد"تينيسون"و"روبرت براوننغ"، تاريخ ميلاد ورحيل هيوز ومقتطفات من شعره.

وقرأ في الاحتفال الذي حضره 300 شخصا من المهتمين بأدب هيوز من بينهم ارملته كارول وابنته فريدا، الشاعر شيموس هيني الحائز على جائزة نوبل للاداب عام 1995 والممثلة جوليت ستيفنسون كلمات استذكارية وقصائد من شعره.
ونقش على الحجر في رواق الكنيسة العتيقة مقاطع من قصيدته"هذا الصباح"، التي تقول"وهكذا وجدنا في نهاية رحلتنا / لذا وقفنا على قيد الحياة في نهر من الضوء/ وكان من بين المخلوقات من المخلوقات، وعلى ضوء من الضوء".
وتيد هيوز شاعر بامتياز، لكن ذلك لا يمنع من التشكيك بانسانيته بعد الأسى الذي سببه لزوجته الشاعرة الاميركية سيلفيا بلاث ودفعها إلى الانتحار في حادث لن يغادر ذهن ابنته فريدا وابنه الاخر نيكولاس الذي انتحر هو الاخر بداية العالم 2009.
ولم يكن قرار كنيسة ويستمنستر في تخصيص ركن للشاعر تيد هيوز لتخليده كأعظم الادباء البريطانيين، موضع خلاف مع أية جهة، لذلك أصبح هيوز أول شخصية أدبية يتم اختيارها بعد جون بيجامين ومنذ عام 1984، لتوضع له لوحة تذكارية في ركن أكبر الكنائس الانكليزية وأهمها مع نبذة عن حياته ومقاطع من أهم قصائده.
وكان الشاعر شيموس هيني الحاصل على جائزة نوبل للاداب من بين أهم الاسماء التي استشارها قس كنيسة ويستمنستر في هذا الاختيار الباعث على الجدل، على الاقل بين المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة. اضافة إلى اسماء أدبية ومؤرخين وأكاديميين بارزين، منهم اللورد أندرو موشن الذي حضر الاحتفال والاكاديمي لورد براج.
شيموس هيني الذي ذرف الكلمات بدل الدموع في جنازة تيد هيوز عام 1998، كان أكثر المدافعين عن هذا الاختيار غير مبال بأي انتقادات دينية أو انسانية، اذ يرى هذا النوبلي ان هيوز يستحق ان يكون له ركن في هذا المكان التعبيري لانه كان شاعراً للبصيرة باحساس عال، ارتقى بفنية القصيدة وحلق باجوائها.
وقال هيني"تيد هيوز كان وصياً على الارض في شعره، مثلما كان وريثاً للغة شكسبير ووليم بليك وتعبيريتهما، وأضاف إليها نضجاً معاصراً وحسية خلاقة، كما أنه أحد أهم الشعراء الذين كانول مسكونين بمصير هذا الكوكب في قصائده".
ويرى هيني ان تيد هيوز أكثر من جسّد المعنى الشامل للحياة على الارض، واصبح واحداً من طبيعة الوجود الحيوي والحسي للشعر في القرن العشرين.
وقال السير أندرو موشن"ان الامة اعترفت وباعجاب بشعر هيوز عندما خصصت له مكانا في ركن الشعراء، ومن المرجح أن يستمر هذا الشعور بالاعجاب في جميع الأوقات".
ويأتي تخصيص هذا الركن في أعرق كنيسة بريطانية بعد 13 عاماً من وفاة تيد هيوز بمرض السرطان، واستحصال موافقة أرملته كارول، وشقيقته اولون وابنتة فريدا من زوجته المنتحرة سيلفيا بلاث.
ولا يخضع قرار تكريم الشخصية الادبية بوضع نبذة عنها في أحد أركان الكنيسة التاريخية لاعتبارات سياسية أو دينية أو أكاديمية، بل يقتصر الامر على عميد الكنيسة الذي غالباً ما يتشاور من دون الحصول على إذن من أحد.
واستقطب تيد هيوز المولود في يوركشاير عام 1930 الاضواء إلى كلماته مع صدور مجموعته الشعرية"الصقر في المطر"عام 1957، وعد بعدها من بين أهم الشعراء وأصدر أربعين كتابا في الشعر والنقد وأدب الاطفال منها"الغراب""أزهار وحشرات""شكسبير وربة الكائن الكاملة""وقت صناعة الشعر"وتحولت قصته المكتوبة للاطفال"الرجل الحديدي"إلى فيلم سينمائي.
وتبدو سيرة تيد هيوز مع زوجته الشاعرة سيلفيا بلاث، أشبه بنهر شعري من الحزن، هو الشاعر النزق اللامبالي والقلب الصلد تجاه المرأة والرقيق تجاه الكلمات، وهي المسكونة بالقصيدة الساكنة وأملها البعيد والباحثة عن النصف الانساني في زوجها الشاعر.
وكل الدلائل تشير إلى ان هيوز كان السبب في انتحار سيلفيا بعد ان تركها من اجل علاقة مع امرأة اخرى غير مبال بالزمن الذي عاشاه معا وبطفلين تركهما في عهدتها.
عندما فقدت سيلفيا الأمل بعودة هيوز لها قررت الانتحار بطريقة حمت بها طفليها من الموت معها.
بعد انتحار سيلفيا بلاث، كالت الحركات النسوية اتهامات لا تُحصى إلى الشاعر تيد هيوز، الذي رأت فيه"الذكر العدو"و"قـاتل المرأة"وهي تعابير تلخص الصورة المريرة التي ماتت فيها زوجته.
وتجنّب تيد هيوز على مدى سني حياته، الكلام الصريح عن موت زوجتيه انتحاراً. لكن في كتابه الاخير"رسائل عيد الميلاد"المنشور في عام 1998، كسر هيوز صمته الذي اعتبره البعض سعياً لوفاء دين ثقيل قبل موته من دون ان يفيه.
وكتب عن عينيّ نيكولاس"اللتين غدتا جوهرتين بليلتين/ أقصى بلورتين لأنقى ألم/ فيما كنت أطعمه وهو على كرسيّه الأبيض العالي".
بعد ستّة أعوام على انتحار سيلفيا بلاث وعلى تولّي آجيا ويفيل، الزوجة الجديدة التي ترك هيوز سيلفيا من أجل عيونها، رعاية الطفلين نيكولاس وفريدا، حتّى قرّرت هي الأخرى الانتحار بدورها مع ابنتها شورا، البالغة من العمر أربعة أعوام.
وفي استحضار بالغ الأسى لذكرى بلاث التي كانت تزورها في منزلها لتخطف منها زوجها، شاءت آجيا ويفيل الموت بطريقة مشابهة، مستخدمة جهاز الغاز.
وفي شهر آذار- من العام 2009 أقدم الابن الوحيد للشاعر تيد هيوز من زوجته الأميركية سيلفيا بلاث على الانتحار في منزله بولاية الاسكا.
وقالت شقيقته فريدا هيوز التي عاشت معه انتحار أمهما سيلفيا بلاث ومن بعد انتحار زوجة أبيها آجيا ويفيل أن شقيقها نيكولاس هيوز (47عاما) كان يصارع الاحباط منذ سنوات.
وأضاف هذا الحادث فصلا مأساوياَ اخر إلى قصة حياة هيوز وبلاث الحزينة التي خنقت نفسها بالغاز وعمرها 30 عاما في شقة الزوجية بلندن عندما كان نيكولاس وفريدا طفلين صغيرين.
ولا أحد سيتحدث عن كل تلك الدموع المنهارة والموت المتفاقم في العائلة عندما يمر لاداء الصلاة والدعاء قبال ركن تيد هيوز في كنيسة ويستمنستر، الا ان النساء لن يغفرن أبداً لقلب الشاعر الذي ترك المرأة وحيدة يقتلها الاسى ومن ثم الموت.

عن موقع ميدل ايست