تيد هيوز يعيد كتابة علاقة الانسان مع الطبيعة

تيد هيوز يعيد كتابة علاقة الانسان مع الطبيعة

سعدي عبد اللطيف
عرضت الروائية جانيت ونترسون لتأثير عناصر الطبيعة على شعر تيد هيوزوقالت ان:"تيد هيوز نشر عام 1998، قبل وقت قصير من موته، مجموعة شعرية بعنوان"رسائل عيد الميلاد"مهداة الى زوجته الراحلة سيليفيا بلاث التي انتحرت عام 1963. واثار صدور المجموعة موجة من الا حتجاجات من انصار الحركة النسوية الذين وجهوا اصابع الاتهام الى تيد هيوز على اساس انه السبب وراء انتحار سيليفيا.

وتضيف جانيت ان"هيوز يعتقد ان القصيدة تولد من لقاء/تلاقح بين عناصر مختلفة من الطاقة – البدائية النقية لحياة الغرائز والامكانيات الكامنة عميقا في الوعي. وهناك اصداء لشعر هيوز تعود الى كولردج حين تدخل القصيدة والشاعر في حوار مع الروح الحارسة للطبيعة. ومثل كولردج و وردسورث، فان علاقة هيوزمع الطبيعة مفعمة بالحيوية وضرورية تماما. وهيوز، كشاعر وليس كواعظ، يترك للقصيدة، ذاتها، الحرية في ان تلعب دور الطباق، لتذكر العالم بوجود نوع آخر من الحياة حيوي في طاقته. وتلتقط عضلات لغته الأشياء العادية او التجربة التي لا ينتبه لها احد، تستدير بها ثم ترفع بها عاليا باتجاه الضوء، تحملها الينا وتحط بها، بعدئذ، في مكان لن ننساه ابدا. لكن يضل من يظن ان هيوز شاعر للطبيعة ليس الا، توصيف كالتوصيفات الاخرى يؤدي الى خنق حقيقة ديناميكية شعره، فهو شاعر يحاول اعادة التماس مع قارتين للتجربة جرى فصلهما معماريا. فهيوز يعتقد ان عالم الطبيعة وايقاعاته ضروري للأنسانية مثل اي كم للتقدم، لذلك فهو يستخدم جسده ذاته كجسر، شاعرا باي شيئ يكتبه عبر صدمة وجوده هناك – فهو يصطاد الاسماك في الانهار، يربض تحت الاشجار ويدخل في مغامرة روحية كاي رجل بدائي، وبعدئذ يترجم لغة الطبيعة السحرية الى قصيدة نستطيع قراءتها. ويقول هيوز"لنتذكر اننا خلقنا من التراب". لذلك بدأ مبكرا في اعادة كتابة علاقة الانسان مع الطبيعة، لأعادة الوشائج معها حقا، دون اللجوء الى النزعة العاطفية او المرواغة. فقصائده ليست عبارة عن تراتيل تبسيطية تخاطب الماضي، بل انها بالاحرى قصائد تستشم سلسلة الاسلاف المباشرين لأرثنا. وكان هيوز يؤكد قائلا: (لنتذكر اننا نهضنا من التراب)".
وتوجه جون بانفيل بتوجيه تحية نقدية الى رفيق وطنه ايرلندا الشاعر شيموس هيني قائلا:"قلة من الشعراء وجدوا طريقة للنفاذ في التغلغل الى آذان الجموع. فمن كا يتصور ان فنانا بجدية هيني، نخبويته و رقته سيروق مباشرة تماما لا الى رعاة الأيائك المهمومين فحسب بل وحتى ابسط القلوب ايضا. وساعدته معرفته باللغات اللاتينية، الآيرلندية والانكلو- ساكسونية بموسيقاها الارضية، الحنجرية واصواتها الساكنة على العثور على صوته الشعري الخاص. ويريد هايني منا ان لا نرهف السمع الى الاغنية التي يغزلها الشاعر داخل تجاويف راسه بل الى انغام العالم المألوفة، أي الى"موسيقى مايحدث"كما كتب مرة. وتحدث هيني في ختام كلمته بعد تسلمه جائزة نوبل للأدب عن"قدرة الشعر، دوما، في عمل الشيء الذي يعتبر شرفا القيام به"،"الا وهو قدرته على اقناعنا بان جزءا حساسا من وعينا يؤمن بعدالة الشعر برغم شواهد الظلم في كل ما يدور حولنا، سطوة الشعر في تذكيرنا اننا صائدوا القيم وجامعوها، وان وحدتنا وعذاباتنا بالذات جديرة بالاكبار، وهي بالتالي عربونا لوجودنا الانسانس الحقيقي".
وكتب الروائي وليم بويد مقدمته عن حياة سيغفريد ساسون وشعره (سيغفريد اسم البطل الآري في اوبرا فاجنر) الذي كان جنديا اثناء الحرب العالمية الاولي عامي 1914-1918 والذي اسس لما يعرف اليوم بشعر الحرب قائلا:"ان الحدث الذي ترك جرحا نازفا طول حياته واحدث تحولا في في تفكير ساسون يتمثل في الحرب العالمية الاولى. فالشعر الذي كان يكتبه قبل الحرب كان يدور حول القبرات المغردة بين الشجيرات والتجوال في الحقول وتناول البيرة في حانات الريف... الخ. لكن جحيم الجبهة الغربية والمذبحة التي وقعت فيها كشفا له عن واقع بديل مرعب ودراماتيكي. كان ساسون رجلا شجاعا في أتون الحرب ومنح جراء شجاعته الصليب العسكري، وقاتل في معركة سوم المشهورة ببشاعتها وجرح جرحا خطيرا عام 1917، وعصفت به فكريا وعاطفيا حرب الخنادق، فطبع شعره بواقعية اكثر كآبة وتهكمية وهجائية فقد شاهد بأم عينيه عبثية الصراع وجميه الشباب يتساقطون ميتيين من حوله.
وبعد اندمال جروحه عام 1917 تعرض لأنهيار عصبي ورفض مواصلة القتال في الحرب التي ادرك انها"يجري اطالتها عمدا". وبتدخل، في الوقت المناسب، من الشاعر الضابط روبرت كريفس تم ارساله الى المستشفى بدلا من احالته الى المحكمة العسكرية لرفضه الالتحاق بوحدته. هناك التقى سيجفريد وألهم شاعر ضابط آخر كان جريحا هو شاعر الحرب المشهور وليفريد اوين الذي تحمس لشعر سيجفريد الى حد انه (اعتبر شعر شكسبير"مضجرأ"بالمقارنة لشعره). وخلق لقاء هذين الشاعرين شيئا ما استثنائيا وطويل الامد في الشعر الانجليزي. وهكذا ولد شعر الحرب كما نعرفه الآن.

ورغم ان شعر أوين اكثر تعقيدا من شعر سيجفريد ومكتوبا بشكل افضل، الا ان هناك نقمة وحشية ومرارة قاسية في قصائد سيجفريد. فشعر سيجفريد عن الحرب كانت الدعامة التي بني أوين عليها قصائده. فسيجفريد هو القابلة الوحيدة التي ولدت صور الخراب والمجازر في الحروب التي تدور في ارجاء العالم. وكنا عبر فيليب لاركن مرة بان قناعات سيجفريد وأوين والتي عبرا عنها في شعرهما تغلغلت في كامل وعينا الوطني. وما تزال.
وضم كل كراس مقالات قصيرة نشرت في صحف تلك الايام عن هؤلاء الشعراء الذين لم يبق منهم على قيد الحياة غير الشاعر شيموس هيني.
وجدير بالذكر انه رغم توطد سمعة هؤلاء على اعتبارهم من الشعراء الكبار، الا ان ثلاثة منهم وهم: هيني، لاركن واودن لم يتلقوا في بداية حياتهم الشعرية الا مديحا باهتا من جريدتي الغارديان والاوبزرفر. واهدت"الغارديان"لقرائها مجانا قرص سي دي ضم قصائد بأصوات هؤلاء الشعراء.
ولم تبد الشاعرة الانجليزية فرانسيس ليفستون أي دهشة أو سخط للأعتراف بشاعرة واحدة فحسب بين هؤلاء الشعراء الكبار في القرن العشرين. وعللت ذلك بأن ّ% بالمائة فقط من النساء الشاعرات جرى ادراجهن ضمن آخر طبعة لأنطولوجيا نورتون للشعر الحديث والمعاصر. أما نسبة الشاعرات التي يجري تدريسهن ضمن المنهج الوطني للمدارس الثانوية فلا يتعدى نسبة ال 21% بالمائة فقط. أما الشعراء الأكثر شعبية للفترة مابين جيوفري تشوسر (1340- 1400) وتوماس هاردي (1840 – 1928) فلم تحز في الاستطلاع مرتبة الشعبية الا الشاعرة الامريكية اميلي ديكنسون (1830- 1886). وابدت ليفستون رضاها عن الاسماء لكنها أعربت عن تفضيلها استبدال الشاعر سيغفريد ساسون بالشاعرة اليزابيث بيشوب واستبدال فيليب لاركن بالشاعر الآيرلندي ييتس. وبررت فرانسيس أهمية سيليفيا بلاث بسعة الخيال في شعرها وقدرتها على لجم وتوجيه طاقاتها المثيرة للجدل عبر استخدام نظام تقني صارم. أما بالنسبة لاليزابيث بيشوبن فان فرانسيس اعلنت صراحة بالنفور من شعرها بادئ الأمر، لكنها تعلقت بها لاحقا لأن شعرها كشف لها عن اعتبار اخلاقي عميق بالدقة البالغة: فشعرها يصور التجربة كما تحصل بالضبط. فهي مثل بلاث فعلت كما ينصح المهاتما غاندي المصلحين القيام به:"يجب ان تجسدوا التغيير الذي ترغبون في ان تروه في العالم". وقصائد بيشوب مليئة وواضحة وعوالمها مترامية الاطراف كما نرغب في ان يكونه الشعر سواء كتبه رجل أم أمرأة. فهي تكتب الشعر بـ"برود"تام كاي رجل أو بأي طريقة ترتاح لها. وشرحت فرانسيس طريقتها الخاصة في كتابة شعرها بالقول: اضع اعتبارات القصيدة قبل مشاعري الشخصية سواء في مجالي السياسة او الدين او لكوني أمرأة.
وهكذا فعلت بيشوب حتى انها رفضت ادراج قصائدها في أي انطولوجيا أقتصرت على الشعر النسوي فقط. فهي رفضت ان تحط من كلانية شعريتها.