القاعدة التي ينطلق منها المجدد

القاعدة التي ينطلق منها المجدد

مؤيد شكري الراوي
ظل الفنان العراقي قاصراً عن أداء مهمته دون ((جواد)) وخلال سنوات طويلة ألحقت بالفن خاصية التحريك دون أن يكون لهذه الخاصية من وجود غير الجانب الإعلاني وهو يستعرض الخواص الأكثر إثارة الناس، عندما تقوم من خلال سيكولوجية رديئة تقر واقعهم القائم دون تغيير أو تشذيب، وفي الجوهر كانت المحاولات تلك خاضعة لرؤى مقطوعة الجذور عن إدراك طبيعة القطاعات البشرية وأساس علائقها وجوهر تكوينها.

بهذا فقد الفن معنى الإدامة. وكان ينهض على أرضية هشة، سرعان ما زاغ فألقى ظهره للجمهور، ولم يأت الابتعاد من خلال تعميق مفهوم الفن الحقيقي – المفهوم الذي يمتنع عن التشبث بالعواطف الآتية والانفعالات اليومية، بل جاء من خلال القحط الذي أصاب الفن عندما أنسلخ عن الناس.
أن حركة الردة – الفنية – عمدت إلى الركوع أمام جمهور جديد يقيم كل شيء تقييماً تجارياً بحتاً، وهذه الحركة خانت نفس الفنان قبل كل شيء ودفعته على سلالم المهنة لينتهي صانعاً مجرداً.
من هنا فقد الفن العراقي معناه وتحول إلى مجرد أشياء: لون وخط وتركيب سقيم يعرض في الظاهر بضعة ملامح عراقية فجة، أو ينقل طريقة غريبة تلحق بمشاهدات إقليمية دون حرارة.

* * *
لقد ولد التجريد تمرداً على الخطوط البائسة للفن وتثبيتاً للمفهوم الذي ينطلق من العصر بكل أبعاد إنسانية وموقفه: الإنسان الباحث عن أزمته في كل حركة وجودية، ومن كل انتماء يحدد عمق الموقف وانفتاحه على الكون.
وعلى خلاف الآخرين، يحاول المجدد أن يطرح نفسه ككائن واحد لصيق، دوماً بالتجربة، دون أن يحدث انفصالاً بين مفهوم وآخر، ويدق إسفيناً بين حياته كفرد وحياته كفنان يعيش رؤى خاصة.
أن الفن العصري قد للفن العراقي وسائل تعبير غنية، ووضعه على أعتاب التمكن من تحليل نظرته إلى الأشياء وإعادة بناءها وفق مفهومه الخاص. فالتمكن بالتكنيك وضبط الشكل ومختلف القضايا الحرفية الأخرى إزاحة عن الأتباع وطرح عنده قاعدة للخلق دون أن ينفصل عن ذاته وعن أرضه وجعل من هذه الخامات البنائية وسيلة لتجسيد الرؤى ومحاولة لخلق فن غير متمسح.
بيد أن المجددين يجمعون قطب الذات والآخرين تحت محور واحد، دون أن تغطى الوصولات الانتهازية لتبرر موقعهم. على خلاف مفاهيم أرستقراطيي الفن الذين عاشوا دوماً في مياه الآخرين.
أن الزمن الحالي يلح جذرياً ليكون الإنسان نفسه، وينظر إلى وسائله بحرية واحترام، بهدمها وبعيد بنائها تحت شروطه الخاصة. لا أحد يعرض على الفنان شرطه القبلي. وليست ثمة وسائل محددة وقسرية تضعه على طريق معين. أن الفنان يبدع داخل ملابساته الخاصة ويبدع عندما يحل أزمته بحرية وبجرأة دون أن يكون ظلاً للآخرين وللقوالب.)


* نموذج كتبه مؤيد الراوي، يوضح مدى اهتمامه بالرؤية الفنية