المؤرخ و المناضل  فيصل السامر فى ذكراه

المؤرخ و المناضل فيصل السامر فى ذكراه

على عجيل منهل
فيصل السامر-- ارتبط اسمه -- بثورة الزنج-- فعندما يذكر-- اسمه-- تذكر معه --ثورة الزنج --وعندما تذكر ثورة الزنج - يذكر كتاب-- فيصل السامر - كونه أهم مصدر كتب عن هذه الثورة وبرغم مرور- ستة وخمسين عاماً -على صدوره -إلا انه الكتاب الأول في دراسة هذه الثورة باعتراف جميع الباحثين العراقيين والعرب والمستشرقين

وهو -علم من أعلام المدرسة التاريخية المعاصرة،-- وصاحب منهج واضح في كتابة التأريخ.- تتلمذ على يديه أجيال كثيرة --، فتعلمت منه الصدق والتسامح والمحبة والتواضع والبساطة وحب العلم والوطن والخير.
مؤرخ لامع لأنه – في ما كتب – كان شجاعاً منصفا صادقا, وليست هذه الصفات بغريبة عن مناضل وطني كان يرى نفسه ليس راوية للأحداث, بل طرف نشيط في تفسيرها وبوعي, لأن المؤرخ الموضوعي – حسب رأيه – فضلا عن واجبه أن يكون من القوى المنظمة للحياة الحاضرة ومساعداً على دفعها الى الإمام, فأنه – أي المؤرخ – مدعو أن يسلط الضوء على الحلقات والعلامات الدالة في الحضارة, كي يكون التاريخ حافزاً من حوافز نضالنا ونهوضنا الجديد.
كتابه - ثورة الزنج- مرجع راق على الصعيد العالمي, حتى استلهمت منه أعمال أدبية عدة، من أشهرها مسرحية بالعنوان-- نفسه -- لمعين بسيسو.
والكتاب هو الدراسة الاكثر رصانة وتأصيلا من حيث دقة المصطلح -- لاسيما العنوان --، ومن حيث جدة الطرح وشموليته عن الثورة, بل هو الدراسة الوحيدة عنها حتى وقت صدورها. وهو رؤية للثورة من زاوية جديدة، كما يقول المستشرق اليوغسلافي ألكسندر بوبوفتش...
الدكتور فيصل السامر - واحد من الذين وظفوا جل اهتمامهم وتفكيرهم-- في خدمة قضايا شعبهم --وقد نظر إلى --التاريخ-- بهذه الكيفية العلمية في - ثورة الزنج- و-- تاريخ الدولة الحمدانية- واحسب أنه يمتلك نظرة نقدية الى التاريخ ---كالنظرة النقدية ---التي يراها --الدكتور طه حسين --وربما قد تزاملا ردحاً من الزمن.
الدكتور فيصل السامر هو الذي أنشأ-- نقابة المعلمين --وكان - أول رئيس فخري لها.
والدكتور فيصل السامر يمكن اعتباره مثقفا من طراز -غرار كرامشي
وفيصل السامر هو الأديب والباحث والمثقف الموسوعي الذي رفد المكتبة العربية والعراقية بعشرات البحوث وأبرزها (ثورة الزنج). هذا الكتاب الذي فتح الباب أمام الدارسين والباحثين في الحضارة العربية والإسلامية على أساس المنهج العلمي.. -..

ثورة الزنج -والدكتور فيصل السامر

موضوع --ثورة الزنج --في التاريخ العربي عالجه -كثيرون منهم جرجي زيدان،- وبطرس البستاني -وفيليب حتي-- وعبد العزيز الدوري --وغيرهم وكلهم كانوا غير عالمين او متناسين الحقائق، غير ان ماجاء في كتاب الدكتور فيصل السامر - ثورة الزنج- - كان الاكثر دقة من اي من الآخرين. ذلك لان دراسة الدكتور السامر كانت مجردة دون اي اعتبار تاريخي او ديني او عرقي-وانما التركيز على الحقائق التاريخية -.
كان الدكتور السامر تقدمي الفكر لهذا جائت دراسته عن ثورة الزنج رصينة لا انحياز فيها ولا عبث.- اختاره عبد الكريم قاسم وزيرا للاعلام -مات في وقت مبكر من حياته. لكنه -خلف دراسة موضوعية --رصينة عن ثورة الزنج - تذكرنا به.
كثيرون من المستشرقين كتبوا وحللوا ثورة الزنج بتجرد موضوعي ومنهم على الاخص --نولدكه- اما المؤرخون القدامى المعاصرون للحدث الذين سجلوا وقائع ثورة الزنج فهم ---الطبري -والمسعودي --والجاحظ --والذي قيل عنه انه كان اسودا في - كتاب فخر السودان على البيضان-.
في القرن الثالث الهجري كانت الدولة العباسية في اعلى قوتها وكانت تجارة العبيد في اوج عزها، كانت عصابات ممتهنه تغير على اوطان السود في البلدان الافريقية وخاصة السودان وياسرون الرجال والنساء ليبيعونهم في اسواق النخاسة.
وكانت تجارتهم تدر ذهبا فانتشر الزنج في الحقول كعمال بلا اجر وكانوا يشدونهم بالزناجيل ويسوقونهم مشينا بالسياط في قوافل الى البصرة وغيرها من الاقطار والامصار. وكانت هذه التجارة تشكل حجما كبيرا لمداخيل العصابات القائمة في ذاك الزمان.
والجدير بالذكر ان ---امتلاك العبيد كان سائدا في البصرة -- حتى العصر الحديث فى العراق - -فقد كان --آل السعدون -وباش اعيان - والنقيب-- - يحتفظون بالعبيد في قصورهم وبعض-- ابناء السيد طالب النقيب-- كانوا من ام سوداء.
وفي البصرة القديمة كانت تقوم محلة يسمونها-- محلة العبيد --وهم بقايا عهد العبيد والرقص-
كان الكويتيون والسعوديون قبيل عهد النفط يمارسون امتلاك العبييد.
وكانوا في نلك العهود لايتقاضون اجرا بل مجرد الاسكان واطعامهم فضلات السادة من الطعام والخلقان من الملابس. قامت ثورة الزنج زمن العباسيين على ارض السواد وهي من لواحق البصرة بين غابات النخيل في - جيكور-، قرية الشاعر بدر شاكر السياب وحيث تمتد غابات النخيل حتى--ابي الخصيب- ثم --الفاو- الذي تولى صدام المهووس قطع رؤوسها في الحرب السوداء مع ايران -.
كانت - جيكور- تسمى في التاريخ --(المختارة) ----العاصمة التي قامت به--ا ثورة الزنج --برآسة --علي بن محمد صاحب الزنج حتى المؤرخين المعاصرين للانتفاضة كانوا يسمون قائدهم --بصاحب الزنج-- وليس رئيس الزنج، الكلمة كانت دائرة غير مناسبة لان الزنجي لا يمكن ان يكون رئيسا بل مملوكا او عبدا في التاريخ.
ومن رؤسائهم ايضا --سليمان بن جامع مولى --بني حنظلة وآخرون قاموا ضد الدولة العباسية في عهد الخليفة المعتمد واخيه الموفق بسبب الظلم الذي كان قائما نحوهم. قاموا بانتفاضات ومعارك طحنت جنوب السواد لعشرين عاما دوخت الدولة العباسية --- كما فجرت انتفاضات اخري في المناطق الاخرى بمنطلقات فكرية وسياسية مختلفة وخاصة ثورات الهاشميين، فقد ثارت الكوفة وطبرستان وامتدت الى جرجان ثم ثارت الري - وثارت قزوين.
وكان أخطرها الثورة التي قام بها-- رئيس الزنج علي بن محمد الذي كان شاعراً وعالماً،-- يمارس تعليم الخط والنحو والنجوم ثم سجن لانه كان قريبا من الخليفة المنتصر بالله الذي سممه الجندرمة الأتراك ثم حدث تمرد من فرقة- الجند الشاكرية- في بغداد، شارك فيه العامة، فاقتحموا السجون فأطلقوا سراح علي بن محمد فيمم شطر البصرة. وكان الزنج --يتولون اشق الاعمال في البصرة المليئة بالرقيق يعملون في الارض السباخ ويجمعون الملح ويقومون بالعمل الشاق في ظروف قاسية غير انسانية، تحت اشراف وكلاء غلاظ قساة، لحساب ملاك الأرض من أشراف العرب ودهاقنة الفرس وكان بعضهم من فقراء العرب الذين يسمونهم - -الفراتين--.
يذكر الطبري - أن صاحب الزنج ادعي أنه عرف ما في ضمائر أصحابه وما يفعله كل واحد منهم وأنه سأل ربه بها آية أن يعلم حقيقة أمره فرأى كتابا يكتب له وهو ينظر إليه على حائط ولا يرى شخص كاتبه- -- وبعد أن استقر سنة واحدة في مدينة السلام توجه للبصرة مرة أخرى، يدعي-- حسن الأمين --إن البطر والبذخ الزائد -- الذي عاشه أهل البصرة كان سببا في ظهور هذه الحركة.
ويبدو أن الأمة التي اعتادت على ترف الحكام وظلمهم أصحبت هي الأخرى تعاني من هذه الحالات، وعلى أساس ذلك يبدو أن ثورة الزنوج كانت ثورة على-- وضع الأمة الفاسد- قبل أن تكون على الحكام الظالمين.
انها ثورة قام بها الزنج من اجل --ازالة التفرقة العرقية واللونية التي كانت سائدة آنذاك -وان كان قد اشترك فيها الموالي الفرس وانصار آل البيت وكان العباسيون في أوج تدهورهم بتحكم العسكر المغول والخصيان فاصبح قائد الجيش هو الخليفة وعندما حاول الخليفة المعتمد الهروب من سامراء الى مصر، ألقوا القبض عليه وأعادوه الى قصر الخلافة سجينا-حتى قيل (خليفة في قفص بين وصيف وبغا يقول ما قالا له كما تقول الببغا).
يدعي سيد أمير علي في كتابه مختصر تاريخ العرب أن صاحب الزنج أباح لأتباعه أرذل أنواع الخلاعة والفجور فاسمي صاحب الزنج بالخبيث. انه النفاق والكذب على التاريخ، ويقول متبجحا أن صاحب الزنج انضم تحت لوائه العبيد من مختلف أنحاء البلاد فقوي بهم ساعده وأعلن نفسه سيدا على كلدة والأحواز.
. لا يخلو التاريخ من إنصاف، حيث صُنفت في شأن السُّمر ودورهم الحضاري عدة كتب منها (تنوير الغبش في فضل السُّودان والحبش) لابن الجوزي و (أزهار العروش في أخبار الحبُوش) لجلال الدين السيوطي و (الطراز المنقوش في محاسن الحُبوش) لمحمد عبد الباقي البُخاري وغيرها.
قيل ان الجاحظ البصري كان اسودا وهو ما رواه ابن اخته (كان جد الجاحظ أسود) كما ورد في (تاريخ بغداد)، وتجده معترفاً عندما صَنف رسالته -- فضل السودان على البي
هكذا كان يرى د. فيصل السامر واجبات المؤرخ.
-
وفي رأيه أيضاً انه -اذا كان من واجب المؤرخ أن يكون بين القوى المنظمة للحياة الحاضرة والمساعدة على دفعها الى الامام، فأن مؤرخينا مدعوون الى ان يسلطوا الضوء على الحلقات المضيئة والعلامات الدالة على حيوية الحضارة العربية، كي نجعل التأريخ حافزاً من حوافز نضالنا ونهوضنا الحديث».
كان يرى -على المؤرخين ان - تبقى الحقيقة ناصعة ولا تمر التواريخ بلحظات زيف.. فأي نبع بصري حمل لنا هذا الوطني من اقصى النبل والوفاء لشعبه وتاريخه.
كان د.السامر من العلامات الفارقة في عالم البحث، فمسيرة تنطلق من"ثورة الزنج"مرورا بعشرات البحوث والتحقيقات والدراسات والترجمات، يبدو من الضروري الوقوف عندها واعادة طبعها، خاصة وان النظام المقبور صادر العديد منها ابان حكمه المباد.
د. السامر بمنجزه ومقولاته يثبت طريقته العلمية في البحث. فحين يدعو المؤرخين الى عدم الاكتفاء برواية الماضي، فانما يدفعهم للتغيير حتى يكونوا الطرف النشيط في هذه المعادلة، إيمانا منه بان المثقف لا يكون مثقفا عضويا بمنجزه، انما باشتغاله وسط الأحداث التي يدفعها بادواته الى أمام.
كان السامر وطنيا حرا شجاعا، حاربته الانظمة التي تعاقبت على حكم العراق بدءا من الملكية الفاسدة، - بعد قيام ثورة 14 تموز 1958، حيث شغل السامر عام 1959 منصب- وزير الإرشاد.-- بعدها تواصلت رحلته مع الاضطهاد غداة انقلاب شباط الاسود 1963، ليغادر العراق ويحط الرحال في تشيكوسلوفاكيا، ويصبح عضوا فعالا في"اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي"التي ترأسها الجواهري. وقد اسقط عنه الانقلابيون-- الجنسية العراقية لغاية --عام 1969، حين عاد إلى الى بلدة

لد في البصرة (12 / 1 / 1924).
• حصل من جامعة القاهرة على البكالوريوس (1947), الماجستير (1950), الدكتوراه (1953).
• أحد مؤسسي مجلة"الثقافة الجديدة"التي صدر عددها الاول في تشرين الاول 1953.
• منذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي أسهم في حركات المعلمين واضراباتهم، وهو من الداعين لتأسيس نقابة لهم. ولما تشكلت أول نقابة بعد ثورة 14 تموز 1958، صار أول رئيس لها.
• في بداية الخمسينات ـ أيضا ـ أسهم بفعالية في حركة السلم التي انطلقت آنذاك, وحضر مؤتمرها السري الأول عام 1954.
• عام 1954 أصبح مرشح الجبهة الوطنية الانتخابية عن البصرة الى البرلمان.
• أيلول 1954 فصل من الخدمة مع الأساتذة والمعلمين والموظفين التقدميين, بسبب مواقفهم المناوئة لحلف بغداد والنظام الملكي.
• تسنم منصب وزير الارشاد (الثقافة والإعلام) في 13 / 7 / 1959.
• ابان استيزاره، أسس وكالة الأنباء العرقية، والفرقة السمفونية، ودار الأوبرا.
• بعد انقلاب 8 شباط 1963 اضطر للإقامة مع أفراد أسرته في براغ.
• عمل أستاذا في جامعة براغ، وفي أكاديمية علومها. وحصل على عدة أوسمة تقديرية لكفاءته العلمية.
• أسقطت حكومة انقلاب شباط الجنسية والجواز عنه وعن أفراد أسرته.
• عرضت عليه الحكومة التشيكية جنسيتها له ولأسرته, فاعتذر عن قبولها.
• عام 1969 عاد مع أسرته الى الوطن.
• آثر التفرغ للبحث العلمي والتدريس والإشراف على طلبة الدراسات العليا.
• حصل على لقب ما بعد الأستاذية ـ أستاذ كرسي.
• توفي في لندن (14 / 12 / 1982).