رواية أورهان باموق الأخيرة  (ثمة غرابة في عقلي)

رواية أورهان باموق الأخيرة (ثمة غرابة في عقلي)

أحمد الزبيدي
في مقابلة له مع وكالة الصحافة الفرنسية يذكر الكاتب التركي اورهان باموق الحائز على جائزة نوبل للاداب في العام 2006انه يعكف منذ بداية هذا العام على وضع رواية جديدة عن مدينة اسطنبول بعد صدور روايته الاخيرة (شيء غريب في رأسي) في كانون الاول 2014 وصدرت مؤخرا ترجمتها الى الانكليزية،ويقول (لكن هذه المرة ساكتب رواية قصيرة..ساكسر قلوب قرائي المخلصين، ولنر ماذا سيحدث).

كانت مدينة اسطنبول على الدوام واحدة من الموضوعات الرئيسية في اعمال أورهان باموق. فرواية (اسمي احمر 1998) كانت رواية تاريخية تجري احداثها في المدينة في عهد الامبراطورية العثمانية.وكتابه اسطنبول: الذكريات والمدينة (2005) يسرد بالتفصيل علاقته مع اماكنها والكتّاب فيها خلال سني عمره كلها. وقبل ان يكتب كتابه متحف البراءة (2008)، اشترى باموق منزلا في اسطنبول يجعله يتمكن من أن يتخيل بطلته، سيبل، حيةً..
رواية باموق التاسعة والثانية له منذ فوزه بجائزة نوبل في عام 2006 (شيء غريب في رأسي) هي كتاب ضخم،: مليء بالفهارس وقوائم الشخصيات والعبارات المقتبسة. ولكنه كتاب ممتع يلخص تناقضات اربعين عاما من الاضطراب السياسي والديمغرافي في اسطنبول مع التجارب اليومية العادية لبعض سكانها..
(شيء غريب في رأسي) تروي قصة مولود كاراتاش، الذي كان يسكن قرية فقيرة في الأناضول ثم انتقل الى اسطنبول مع والده حينما كان طفلا. عند وصولهم كان الاثنان لا يحملان سوى مصباح يدوي مكسور، وغلاية وحصيرة من القش.
عنوان الرواية مأخوذ من قصيدة الشاعر وليم وردزورث (المقدمة)، و(شيء غريب في رأسي) يركز فيها الشاعر على ما يسميه"ومضات من الزمن": تلك اللحظات التي نعود اليها خلال حياتنا والتي"تنعشنا". والومضة المركزية في حياة مولود هي حين يلتقط ومضة عن زوجته المستقبلية في حفل زفاف. مبهورا بعيونها الجميلة،و يمضي ثلاث سنوات في كتابة رسائل حب لها. ورغم عدم ردها على رسائله إلا أن ابن عمه سليمان يقول لمولود أنها مهتمة به. عندما يلتقيان في النهاية مرة أخرى، لاجل الهرب الى اسطنبول، يدرك مولود أنه قد ارتكب خطأ: انه لم يكن يكتب للفتاة الجميلة سميحة ولكن لشقيقتها العادية الجمال راحية. ولكونه محرجا من الاعتراف بخطئه - حتى لنفسه – فان مولود يقرر ان يتزوجها برغم ذلك، لكن هذا الحدث الذي نتعرف عليه في الصفحة التاسعة من الرواية لا يفسد علينا متعة القراءة.
وعلى الرغم من هذه البداية غير المتوقعة، فان مولود وراحية يعيشان سوية في سعادة، ويسكنان في ضاحية فقيرة في المدينة. بعد فشله في المدرسة، يصبح مولود بائعا متجولا، يمشي في شوارع المدينة يبيع البوظة،وهذا الشراب التقليدي الذي يحتوي على قليل من الكحول.والذي يشربه الناس لتجنب قيود الشريعة الاسلامية يعتبر ايضا رمزا للتقاليد العثمانية التي عفا عليها الزمن.
كان عمل مولود يتقدم: فيشتري عربة طعام ويبدأ ببيع الدجاج والأرز قبل أن يصبح قارئ مقاييس في شركة الكهرباء المخصخصة حديثا. ولكن في النهاية وبسبب انه شخص قنوع، وعلى الرغم من تراجع شعبيتها، فان مولود يواصل بيع البوظة. والتي كانت بالنسبة له أكثر من وظيفة، فقد كانت العمل الذي احبه.
(شيء غريب في راسي) هي ايضا دراسة عن التحديث الحضري لمدينة اسطنبول، ورثاء لتلك الايام التي سبقت عمليات تحديث المدينة والتي شرع بها عدنان مندريس رئيس وزراء تركيا 1950-1960،حين كان يتجول في سيارته الكاديلاك"وكان كلما يمر عبر أي من المنازل والقصور التاريخية المتبقية، يطلب هدمها لافساح الطريق لانشاء طرق حديثة واسعة". فاختفت معالم المدينة القديمة وحلت محلها ناطحات السحاب.
كان باموق في الرابعة والخمسين فقط من عمره عندما،اصبح في عام 2006، اول كاتب تركي ينال جائزة نوبل.وقد كتب عدة روايات بعد نيله تلك الجائزة،على عكس الكثيرين ممن نالوا الجائزة في اواخر عمرهم،ولم يكتبوا شيئا بعد ذلك.وكما يقول محرر صحيفة الاندبندنت :
(مكافأة الكاتب ليست بالضرورة ان تحب عمله فورا. عندما علمت منذ ثلاث سنوات أن باموق كان يكتب رواية طويلة تمتد احداثها لنحو 40 سنة من التاريخ، من خلال عيون أحد الباعة المتجولين في اسطنبول، بدا الامر لذيذا مثل احتساء كوب من الشاي التركي. الآن يسرني أن أعلن أن النتائج كانت رائعة. إذا لم تكن قد تمتعت بكتب باموق في الماضي فان رواية شيء غريب في رأسي ستجعلك تقرأه.)
احداث الرواية تدور بين عامي 1969 و 2012، وتصف روايته الجديدة التغيرات الديموغرافية عندما زاد عدد السكان في اسطنبول من ثلاثة إلى 13 مليون نسمة. ينسج باموق طريقه من خلال هذا المشهد المتحول، حيث يلتقي القديم بالجديد والشرق بالغرب،.وفي هذه الرواية تقنيات متعددة في السرد،حيث تروى الاحداث مرة بلسان الراوي،ومرات يروي الاشخاص قصصهم بانفسهم ويعلقون عليها مما يعطي الرواية ديناميكية معينة.
رواية (شيء غريب في رأسي)مثل رواية اورهان باموق الاولى(جودت بيك وابناؤه) الصادرة عام 1982تروي قصة عائلة على مدى اربعين عاما،وهي ملحمة عائلية باكثر من 500صفحة.