الكــاتــب والمدينــة.. إسطنبول.. لدى التركي أورهان باموق

الكــاتــب والمدينــة.. إسطنبول.. لدى التركي أورهان باموق

ترجمة/ عادل العامل
ظل أورهان باموق على مدى العقود الثلاثة الماضية وجه الأدب التركي الحديث في الداخل و الخارج. و قد جلبت له رواياته، المترجمة إلى العديد من اللغات الأجنبية، جائزة نوبل للأدب عام 2006، لكنها جلبت عليه أيضاً وضعاً غير مرحَّب به أحياناً كصوت أخلاقي لأمةٍ سريعة التغيّر. صصو قد أوضح باموق لوكالة فرانس بريس، التي أجرت مقابلة معه في بيته بإستنبول،

أنه كان يود لو يُنظر إليه كروائي و ليس كخصم علماني للرئيس رجب طيب أردوغان."فأنا لا يتوجب عليّ فقط المناورة للتقاتل مع الحكومة بل وعليّ كذلك الاستماع لطلبات الناس"، كما قال."و كل مَن له مشكلة أو يشعر بأن الحكومة لا تقوم بعمل جيد لهم يريد مني أن أعبّر بحق عن مشاكله. فجائزة نوبل لم تجعل حياتي سهلة لكنني بطبيعة الحال سعيد للتعامل مع جميع هذه المشاكل".
و مقارنةً مع"أجيال الكتّاب"في تركيا الذين سُجنوا، أو تعرضوا للنفي، أو حتى قُتلوا، فهو يشعر بأنه محظوظ جداً. وأعرب عن استيائه من مقابلات وسائل الإعلام، قائلاً إنه و بعد مناقشة الأدب ساعةً و نصف و السياسة عشرين دقيقة، فإن ما يُذاع في آخر الأمر دقيقة واحدة من الأدب و 20 دقيقة من السياسة.
كان يقول هذا وهو يجلس وراء مكتب عليه أكداس من الكتب، و تحيط رؤيته بألفي سنة تقريباً من التاريخ البيزنطي و العثماني في إستنبول ــ القرن الذهبي، و آيا صوفيا، و الجامع الأزرق.
و قال إن روايته المنشورة الأخيرة (غرابة في عقلي A Strangeness in My Mind) كانت محاولة لإظهار إستنبول المتغيرة من خلال عينَي شخصية الرواية. و تدور القصة حول أحد باعة الشوارع الذي يبع مواد منها البوضة boza، و هو شراب تقليدي معمول من القمح المخمر،"يستمتع به الناس ليلاً و يرتبط بعالم العثمانيين، و الوسط التركي، و الأحلام الرومانسية في الحياة العثمانية.. و من ناحية أخرى، تبيّن شخصيتي هنا للقارئ كيف تتغير هذه المدينة شارعاً فشارعاً، و دكاناً فدكاناً، و نافذةً فنافذة". ففي بداية الرواية في السبعينات، كان عدد سكان إستنبول مليونين فقط، لكنه الأن يصل إلى 16 مليوناً، كما قال. و سواء كان باموق يكتب عن تركيا القرن العشرين (كما في"متحف البراءة") أو زمن القرون الوسطى (كما في"اسمي أحمر")، فإن مدينة إستنبول قد أصبحت تقريباً الشخصية الرئيسة في أعماله.
و هو يقول عن ذلك،"إن إستنبول، بالنسبة لي، بوسفور، تاريخ، لوح حضارة، بمبانٍ تذكارية، و إنشاءٍ متواصل حيث كان الناس يبنون و يتذمرون و يتذمرون لكنهم يتمتعون.. بحياتهم الحديثة. و يمثّل ذلك كله التناقضات التي تحدد إستنبول". و يمكن أن يكون باموق معارضاً للنظر إليه كشخصية سياسية، لكنه يبقى ناقداً بشكل صريح لأردوغان الذي تباهى بتحويله البلد إلى"تركيا جديدة"ذات مشاريع بناء طموحة. فحزب العدالة و التنمية الحاكم"يدمر توازن القوى، الذي هو في الواقع المفتاح إلى أية ديموقراطية"، كما قال باموق."و بذلك المعنى، ليست تركيا سوى ديموقراطية انتخابية، لكنها الديمقراطية التي يُنتهك فيها احترام حقوق الإنسان، و الكلام الحر في كل يوم".
و باموق يغادر تركيا كل عام لتدريس فصل دراسي في نيويورك بجامعة كولومبيا، و يمكنه أن يحس بالتغيير الحاصل هنا حين يعود أخيراً."فعندما كنت أرجع، كنت أشعر بجوٍ من الخوف، فالناس يتهامسون"، كما قال. و أضاف معلقاً على تاريخ تركيا الحالي، من الجنرالات الانقلابيين إلى أردوغان،"لقد أُبعد العسكر الشموليون عن السلطة، و حلت محلهم حكومة إسلامية شمولية".
و قد هيمن أردوغان و حزب العدالة و التنمية على المجتمع الشديد التنوع في تركيا لأكثر من عقد من الزمن لكنهم يواجهون تحديات لم يسبق لها مثيل بعد احتجاجات عام 2013 الجماهيرية التي أعقبتها اتهامات بفساد مذهل للنخبة الحاكمة."بمعنى أن غموض الإسلام السياسي قد تلاشى بسبب القوة المقنعة للمزاعم المتعلقة بالفساد"، كما قال باموق. و كان أكثر تكتماً حين طُلب منه التعليق على أحداث القتل الجماعي للأرمن التي ارتكبتها القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، و هي المأساة التي كان باموق قد صنّفها عام 2005 بـ"الإبادة الجماعية". فقد جلبت عليه تلك التعليقات تهديدات بالموت إضافة لإجراءات قانونية تم التخلي عنها في نهاية الأمر."و قد عشت قدراً كبيراً من المشاكل مدة ثماني إلى عشر سنوات مضت لأني تحدثتُ بحرية حول الموضوع".
أما الآن، فإن باموق يركّز على وضع اللمسات النهائية لرواية جديدة يقول إنها ستكون مفاجأة لبعض القراء. و هي تروي، بأسلوب باموق المعروف، قصة حفّار آبار في إستنبول و غلامه المتمرّن لديه، و هي"مجازية". لكن هناك فرقاً هذه المرة."فالمشكلة هنا أنّي أريد هذه المرة أن أكتب رواية قصيرة و أكسر بخاطر قرائي التقليديين الذين يقولون لي على الدوام أن أكتب رواية طويلة"!

عن / Hurriyet Daily News