من وثائق الوثبة: لئلا تذهب اهداف الوثبة سدى (واجبات وزارة الوثبة...)

من وثائق الوثبة: لئلا تذهب اهداف الوثبة سدى (واجبات وزارة الوثبة...)

كامل الجادرجي
استقبل الاستاذ كامل الجادرجي زعيم الحركة الديمقراطية وزارة السيد محمد الصدر التي تألفت عقب الانتصار الوطني في وثبة كانون الثاني 1948 بتفاؤل نسبي، فكتب في جريدة الحزب الوطني الديمقراطي (صوت الاهالي) مقالا افتتاحياً شهرياً بعنوان(واجبات الوزارة الحاضرة) يوم 10 شباط 1948، نود هنا ان ننشر نصه:

لاشك في ان الظروف التي انجلى عنه الوضع بسقوط وزارة صالح جبر وقيام هذه الوزارة ظرف دقيق غاية في الدقة يختلف عن ظروف تأليف الوزارات السابقة فقد نادى الشعب اثناء مظاهرته الكبرى بمطاليب معينة سواء مايتعلق منها بالاحداث الاخيرة او بحقوقه الاساسية المهضومة وهي مطاليب انية لايمكن لايمكن ان يحيد عنها قيد شعرة بعد ان قدم تلك التضحيات الغالية من اجل تحقيقها وقد عبر بيان الاحزاب المشترك الذي صدر قبل تاليف الوزارة الجديدة عن هذه المطاليب اصدق تعبير وهي:
1- ابطال معاهدة بورتسموث الجائرةواعلان ذلك دون ابطاء
2- اجراء التحقيق الدقيق عن اطلاق النار ضد ابناء الشعب وتعيين المسؤولين عنه (وليس القصد هنا البحث عنهم فقط , وانما معاقبتهم).
3- حل المجلس النيابي القائم , واجراء انتخابات حرة.
4- احترام الحريات الدستورية.
5- افساح المجال للنشاط الحزبي.
6- حل مشكلة الغذاء بشكل يوفر للشعب قوته
فعلى الوزارة الجديدةان تبادر فورا الى تحقيق تلك المطاليب دون ابطاء.
والحق ان الشعب قد ارتاح لما جاء في بيان رئيس الوزراء فيما يخص معاهدة بورتسموث كل الارتياح اذ جاء مطمئنا لامانيه الوطنية باعلانه ابطال تلك المعاهدة ولكن هناك مطاليب بقي مسكوتا عنها بالمرة كقضية المجلس النيابي فعدم الاشارة الى قضية المجلس في بيان رئيس الوزراء بعد ان فوجيء الناس بصدور الملكية بتأجيله مما اقلق الرأي العام الذي كان يأمل من الوزارة الحاضرة حل هذا المجلس فالشعب لايرتضي مطلقاً ان يلتئم هذا المجلس مرة اخرى وهو الذي كان رمزاً لطغيان صالح جبر ورمزاً لابرام المشاريع الاستعمارية بل رمزاً للمجالس النيابية المزيفة التي سبقته تلك المجالس التي كانت اساس فساد ماكنة الدولة ومصدر كل بلاء حل بالعراق فالتراخي والتماهل في هذه القضية الحيوية واتباع سياسة القاء الحبل على الغارب في هذا الظرف الدقيق ممايجعل الشعب في قلق لايأمن معه على مستقبله ومصير قضيته الوطنية.
ولذلك يجب على الوزارة الحاضرة ان تبادر الى حل هذا المجلس وتمهد لاجراء انتخابات حرة لمجلس جديد يمثل الامة تمثيلاص حقيقياً لتنبثق منه حكومة تحقق لاجراء رغبات الشعب ومن واجب الوزارة الحاضرة ان تتشدد في التمسك بقضية العراق الوطنية بعد ان اقدمت على رفض معاهدة بورتسموث فلا تسمح لنفسها ان تنجر وراء خطط ان اقدمت بريطانيا وتهديدها ووعيدها للعراق بعد رفض هذه الوزارة فعلى الوزارة الحاضرة ان تحتاط لكل ذلك وان تتخذ مايلزم للمحافظة على حقوق البلاد في سيادتها الوطنية وان لاتسمح لنفسها الدخول في اية مفاوضة لعقد معاهدة جديدة قد لاتختلف عن معاهدة بورتسموث الا اختلافا شكليا انما يجب عليها ان تطمئن الشعب بانه لم تعقد اي معاهدة تتضمن شيئاً من معاهدة بورتسموث من مشاريع مضرة للعراق كل الضرر اذ ان كل مفاوضة حول تثبيت العلاقات بين العراق وبريطانيا يجب ان تكون من قبل هيئة تمثل الشعب بأسره وعلى اسس يبدي الشعب رايه فيها.
ومن واجب الوزارة الحاضرة ان تكون على حذر تام من الدسائس التي تحاك ليلا ونهارا وفي الخفاء والعلن للرجوع بالعراق الى الوراء الى معاهدة بورتسموث.
ومن واجب الوزارة الحاضرة ان تبادر حالاً الى معاقبة المسؤولين عن الحوادث الدامية ويظهر من تشكيل اللجنة التي تالفت للتحقيق في هذه الحوادث انها سوف لاتقوم الابتحقيقات شكلية قد لاتؤدي الى الغاية المطلوبة وهي انزال العقاب الصارم في المسؤولين الرئيسيين فيجب اذن ان تشترك في هذه اللجنة هيئات شعبية وان تشترك وان تستمع اللجنة الى شهادات الذين شهدوا هذه الوقائع وان تزود الراي العام بالمعلومات الوافية عن تحقيقاتها فيكون الشعب مطمئناً من ان هذه التحقيقات ستسفر عن نتيجة ايجابية والحقيقة ان الشعب لايمكنه ان يطمئن في الوقت الذي يرى فيه المسؤولين مباشرة عن اطلاق النار على الناس العزل وهم باقون في مناصبهم يسرحون ويمرحون وفي الوقت الذ يرى فيه اولئك الناس الذين اصدروا الاوامر باطلاق النار لايزالون احرارا بل اكثر من احرار بعضهم دائب على حبك الدسائس والبعض الاخر مكب ليلاً ونهاراً على الموائد الخضراء يلهو غير مكترث بما اقترفت يداه من اثام فعلى الحكومة ان تتخذ الاجراءات القانونية لتأمين سوقهم الى القضاء دون ان تدع لهم المجال للاختفاء داخل العراق او الهروب الى خارجه.
وهناك مسألة جمع التبرعات لعوائل الشهداء المفجوعة فيجب القيام بذلك باسرع وقت وبنطاق واسع وهذا مايترتب على الحكومة والمنظمات الشعبية معاً فهذه العوائل التي حرمت من معيلها ومعقد امالها الى الابد ينبغي العناية بامرها وعدم السماح بتركها فريسة لغوائل الجوع والفقر وهناك قضية اقامة نصب تذكاري للشهداء الابرار يعبر عن تقدير الامة لتضحياتهم الغالية فيجب على الحكومة الحاضرة ان تساهم في وضع تصميم هذا النصب التذكاري وان تهيأ له المحل المتناسب مع قيمة هذه الذكرى الخالدة والملاحظ ان بيان رئيس الوزراء جاء خلوا من قضية فسح المجال للنشاط الحزبي مع انها قضية حيوية جداً والامر يتطلب من الحكومة وعداً صريحا بتحقيقها فالاحزاب التي عانت ماعانته حتى الان من جمود بسبب حرمانها من فتح الفروع والتضييق على حرياتها في عقد الاجتماعات ومنعها من مزاولة سائر حقوقها السياسية يجب ان ترفع عنها جميع القيود التي فرضتها عليها الوزارت السابقة لتستطيع اداء واجبها الوطني على اكمل وجه ولاسيما في هذا اللظرف الدقيق الذي يحتاج فيه الى التنظيم السياسي اشد الحاجة وطبيعي ان ضمان حرية العمل للاحزاب يستلزم في الوقت ذاته تأمين حرية الصحافة ورفع كابوس التعطيل الكيفي والتعطيل القضائي الشكلي عن الصحف الحرة سواء الحزبية منها او غير الحزبية لمجرد انها تبدي رأيا في موضوع معين يخالف رأي الفئة الحاكمة.
والواقع ان الوزارة الحاضرة قد اظهرت عقيب تأليفها شيئا من التسامح فيما يخص حرية النشر فيجب ان يكون التسامح مستنداً الى حقوق الشعب الاساسية من جهة والى عقيدة المسؤولين بعدم جواز التطاول على تلك الحقوق من جهة اخلرى لا ان يكون تسامحا طارئا املته الظروف الحاضرة لايلبث ان يزول اذا اشتدت الصحافة الحرة في معارضتها للوزارة القائمة ان بدر منها مايستوجب المعارضة والانتقاد وقد اثبتت التجارب ان كل وزارة تالفت في العراق عقيب استياء وتذمر عم البلاد قد اباحت شيئا من الحرية للصحف لمدة مؤقته مالبثت ان زالت من جديد فعادت الرقابة الشديدة على الصحف وكان السبب الحقيقي لذلك كون المسؤولين الجدد لايعتبرون الحريات الدستورية على الصحف حقا من حقوق الشعب ولان الدائرة ذات العلاقة بالمطبوعات نظمت على شكل لايمكن ان تكون معه الا وسيلة لخنق الصحافة فما لم تعتقد هذه الوزارة اعتقاداً جازما بأن حرية الراي حق اساسي من حقوق الشعب وان الاصرار على سلب هذا الحق هو من جملة العوامل التي ادت الى الانفجار وما لم تقم الوزارة الحاضرة بتطهير هذا الجهاز الذي اعد لخنق الصحافة الحرة لا لتسهيل مهمتها فسوف تعود الحالة بعد مدة وجيزة الى ماكانت عليه وتعود العوامل والاسباب تتجمع للانفجار مرة اخرى.
وفي الوقت ذاته يجب ان تعير الوزارة الحاضرة مشكلة توفير الخبز للشعب ومكافحة الغلاء قسطاً روافرا من عنياتها واهتمامها بعد ان تفاقمت هذه المشكلة الى الحد الذي اصبح فيه الشعب يتضور جوعا ومما لاشك فيه ان كل معالجة لا تكون ناجحة مالم تتخذ التدابير الفعالة لإزالة نفوذ المهربين والمحتكرين الذين ازداد نفوذهم في دواوين الحكومة في عهد صالح جبر.
هذه هي مطاليب الشعب الانية الملحة التي لايجوز ان يكون ثمة ابطاء في تنفيذها في عهد هذه الوزارة كي تؤدي الحركة المباركة التي قام بها الشعب الى تتناسب مع قيمتها ومع من قدم فيها من تضحيات.

عن كتاب (صوت الاهالي) والذي ضم مقالات
كامل الجادرجي السياسي الراحل