د.هـ. لورنس وقضية التجاوز في الشـــــعر

د.هـ. لورنس وقضية التجاوز في الشـــــعر

ياسين طه حافظ
1
في مقالة "بلاكمور" عن د. هـ. لورنس والشكل التعبيري، هجوم عقلاني على شعر لورنس المبكر بوصفه"شعرا بلا قناع". وكان الرأي أن القناع في الشعر ضروري لكل شعر جيد. فملتون له قناع من التهذيب، وتنيسون له قناع من الابتسام الساخر، مثل ذلك الذي كان لـ"بوب"، أو قناع من الشذوذ والاختلاف مثل قناع برن أو سكلتون.

وطبعا قد يسقط كل من هؤلاء الشعراء قناعه في بيتين أو ثلاثة أو في قصيدة كاملة. الذي يهمنا من هذا أن مسألة القناع هذه هي أول نقطة يختلف فيها د. هـ. لورنس الشاعر عن الموروث الشعري.

ويؤاخذ لورنس على ما في شعره من تجاوزات على نظام الايقاع والشكل الرسمي، للقصيدة. ويعلن بلاكمور عن ذلك بلفة لا تخلو من حدة وهو يقتبس هذه العبارات من ملاحظة لورنس نفسه عن طبعا لكتاب يضم مجموعتين من شعره سنة 1928 يقول لورنس:

"الشاب يخشى شيطان شعره ويضع يده على فم شيطانه أحيانا… فالأشياء التي ينطق بها الشاب ناذرا ما تكون شعرا."

يعلق بلاكمور على ذلك الشاب الذي تحدث عنه المقتبس هو تماما، وقد اعتقد لورنس أنه غيره.."هذا القول يعني فيما يعنيه أن أشعار لورنس المدانة ليست شعرا!

مقابل هذا هنالك رسالة مبكرة (18 آب 1913) كتبها د.هـ. لورنس الى ادوارد مارش Edward Marsh، الذي اعترض هو الآخر على إيقاع بعض قصائد لورنس، فرد لورنس عليه:

"… أظن أن إيقاعاتي تناسب حالاتي الشعرية بصورة جيدة. فإذا كان المزاج أو الحالة خارج المسار، فغالبا ما يكون الايقاع كذلك اني أحاول دائما أن (أخرج) عاطفة وهي في مسارها الخاص بها دون أن أغيرها. انها تحتاج الى أجمل لحظة يمكن تصورها ومتكون تلك أفضل كثيرا من براعة الحرفيين. هذا ما حاوله الياباني"يون توجوشي". هو لم يحقق ذلك. أنا غالبا لا أحققه وأحيانا أتمكن منه."ويتمان"يحقق ذلك بصورة كاملة تذكر أن الشعر المعتمد على الصنعة يموت خلال خمسين ويقول كاتبا مقدمة أعماله الشعرية الكاملة:

"من المؤسف أن لورنس استعمل كلمة حرفي"في هذه القطعة من كلامه، فما بحان يعنيا لا"الاعتراض"على المهارة، ولكنه قصد نوعا من الحرفية التي يمتلك مهارتها التقليديون من محترفي الشعر.. لقد أدرك لورنس أن الشعر أمر آخر أكثر صعوبة و"يحتاج الى أفضل بكثير ما يمكن تصوره من دقة، والى قدرة أفضل بكثير من براعة أي صانع من أولئك الذين يتقنون النظم ولكنهم لا يقتربون من الشعر أو من فن الشعر إن جدلا أو خلافا مثل هذا يصار عادة. مع نحل حركات تجديد الشعر وفي أكثر بقعة من بقاع العالم. قد يكون سبب ذلك ما يصحب نتاج المجددين – وهم غالبا شباب – من هنات وعدم إتقان بعض أساسيات الموروث، أو غرابة ما يجيئون به عما هو معروف مألوف. فلنتتبع مقومات شعر لورنس لنستنتج ما يمكن أن نستنتجه منها باعتبار بعض هذا الشعر أنموذجا لما يعترض عليه، مثلما هو أنموذج للسعي والتجاوز.

قصائد لورنس المبكرة أكثر ما تكون قصائد سيرة، سيرة ذاتية autabiographic، وليس هذا جديدا، فهو مألوف عند سلفه من الشعراء، واضح مثلا عند هاردي.. وقد فتبت قصائد لورنس هذه بالشكل الذي لحان سائدا، وعلى نمط الشعر في انجلترا العقد الثاني من القرن العشرين. انها قصيدة الطبيعة القصيدة القصيرة المقفاة والتي وراءها الجورجيون من هاردي ووردرورث.. وقد استخدم لورنس هذا الشكل بما لا يكفي من الاتقان. وكثير من هذه الأشعار المبكرة تضمنت تجارب، عبر عنها بنجاح أكثر في رواياته الأولى وقصصه. وقد كان هو نفسه يعلم بعدم الاتقان الذي تتصف به أشعاره الأولى.

في مقدمته لمجلد مجموعتيه الشعريتين الأوليين كتب بحياء، يذكرنا بكيتس الشاب، يقول"إن هذه القصائد تكافح لكي تقول شيئا يستغرق من المرء عشرين سنة ليكون قادرا على قوله."ومن هذا الكلام يبدو لنا هذا الشاعر الشاب، لا كما قال بلاكمور لا مباليا غير آبه بالمهارة. بل إن قراءة قصائده تلك تعطي دارس الشعر الانجليزي الكثير من الامتاع. انها تظهر لنا نباهة شاعر شاب يحاول جاهدا التعبير عن جو شخص شبيه بما في"تخطيطات شعرية Poetical Sketches لوليم بليك بالنزهة المسائية The Evening Walk لوردر ورث"، حيث نجد مزايد ملحوظة يقر بلاكمور نفسه بأن شعر لورنس يمتلكها. أولى هذه المزايد الدقة وصدق الملاحظة ومزية دينية خاصة تتسم بها أشعاره (فان د. هـ. لورنس، كما يلاحظ بلاكمور، شاعر ديني -بمعنى الصوفية في الشعر، و"إن شعره محاولة للاعلان والكشف الرمزي عن فهمه غير الدنيوي لمادة الحياة."ويمكن أن تضاف مزية ثالثة هي ذلك المزيج من الرقة الشعرية والتبجيل – نوع من الورع الكوني.. المزيتان الأوليان توضحهما قصيدته،أحب في المزرعة Love on the Farm التي قد توصف بأنها قصيدة طبيعة، وهي فعلا تكشف عن ملاحظة ذكية للحياة في الطبيعة، في مزرعة في"مدلاند"Midland. لكن الطبيعة، في القصيدة ليست رؤية لضاحية أو مشهد ريفي مما نجد التعبير اللطيف عنه في العديد من القصائد الجورجية، بل هي مزيج من الرعب والجمال والقسوة، ملأي بالصراعات وتكشف عن شيء مربك غامض وراء حقائق الأمكنة العامة في الريف الانجليزي. ان وسط القصيدة يبين لنا رجلا يقتل أرنبا اصطاده بصنارة:

اه أنت يا دجاجة الماء – جوار المجرى

إخفي رأسك وخجلك القرمزي،

ما يزال ذنبك، استقري كميتة

حتى تطوي المسافة سيرة المشؤوم!

الأرنب يدفع أذنيه الى الخلف،

يدير للوراء عينيه المتعبتين الدامعتين

ويخمد. ثم باندفاعة وحشية يحاول

الخلاص من رعب اقترابه.

يقتل الرجل الأرنب، وبأصابع ما تزال عليها الرائحة الثقيلة لفرو الأرنب الذبيح، يدخل الصائد داره ليعانق زوجته. وهكذا جعلنا الشاعر نحس بارتعاب الأرنب، بحضور الرجل، حضور قاتل في المزرعة وراغب في المرأة ولذلك انسجام المرأة ملتذة بعناقه، راضية بكونها الحيوان المصطاد مبتهجة بقبضته على عنقها و"بالصنارة التي نشبت":

يا الهي أنا اصطدت بصنارة!

لم أدر أي سلك لطيف حول عنقي

لم أدر، إلا أني تركته ينشب هناك

حيث تنبض حياتي، وتركت أنفه.

مثل الفقم يتشمم بمتعة، قبل أن يشرب دمي

لم يخبرنا لورنس في هذه القصيدة أن الجنس والموت يلتقيان معا في الطبيعة. لكنه تركنا نشعر بالحال الخارقة لتلاحمهما، برعب الحال وغموضه، وكل ذلك من خلال اللحظة الشعرية، أو كما يصفها"أجمل لحظة يمكن تصورها". ونحن بهذا لا نشيد بايقاع القصيدة ولا نعني بركاكة تقفيتها وبلفتها الميلودرامية الخشنة، لأنه جعلنا بتلك الأمور – التي لا نرضى عنها نشعر بحيوية التجربة، بما يصفه هو"البلازما الحية تختض دون كلام".

لن تجرنا هذه القصيدة للحديث عن فلسفته، لحذا، فلسفة اللحم والدم، التي أثرت رواياته والتي صارت من بعد صفة ملازمة لأدب لورنس وفنه الروائي، إنما أردنا الاشارة الى ما يستجد من موضوعات في ذلك الوقت، في الشعر الجورجي، ولنرى ان كانت هذه الموضوعات الجديدة تتطلب إيقاعات جديدة أو تدفع للتمرد على بعض أنظمتها الموروثة والتي كانت ملائمة لموضوعات الشعر المألوفة المستقرة، والأشكال الشعرية المتفق عليها.

مازلت أعتقد، وقد بدأت متابعتي لأعمال هذا الشاعر – الكاتب،قوي الشخصية، بأن هناك مسألة أهم من هذه الأحكام وراء عمله. حتى إذا قرأت دراسة الاستاذ في. ر. ليفز F.H Leaves: د.هـ.لورنس روائيا D.H. Lawrence/ Novelist، توقفت عند قوله في ص 30- طبعة بنجوين:"ولكن ليس في طبيعة لورنس الارتياح الى العدمية، إنه كان يألف الرعب ويلازمه هاجس الشعر وحالة الاقتراب من اليأس."فنحن قبل كل شيء أمام شخصية فنان له تكوينه النفسي ومواجهاته الخاصة للظواهر. والآن نستطيع أن نجد تفسيرا آخر للجدة والسوداوية والانفعال والأجواء الصعبة والغامضة في كتاباته. و"حب في المزرعة"يمكن فهمها الآن في ضوء هذا التفسير، وفي هذا الضوء أيضا يمكن تفسير الصراعات والتضادات، وأيضا الارتعاب من ظواهر العصر، كما سيأتي الحديث عن هذا. انه يريد تفسيرا من رد فعل دمه إثر الاقتراب أو المشاهدة أو الوعي! في مقال له عن الرواية يقول:"حين يموت الرجل تخمد المرأة، يمكنك أن تستكشف من ذلك غريزة حياة بدلا من نظريات الصواب والخطأ والخير والشر.."هذا إذن كلام جديد يأخذ بيدنا الى عالم د.هـ. لورنس ويحرك ذهن الدارس خارج الحدود المرسومة له في النظريات السالفة.

وبين رعبه وهواجسه وغموضه وحركات شخوصه الجريئة والساخنة، تظل الحياة والرغبة بالالتحام الأشد بها، أمام أعيننا، وكأنه يكتب من أجل ذلك وحده! ولكن ما هو مصدر مثل هذا النوع من الأفكار أصلا؟ أعني الاندفاع باتجاهات مختلفة من أجل الحياة والهلع من المصير، ومجاورة الجنس والموت واستعادة الحياة من خلال ما تبقى بين أيدينا منها، مما نجده يشغل رواياته ويواجهنا نثارا أو كتلة في أشعاره؟

اجواء لورنس هي اجواء عوائل عمال المناجم، اي الطبقة دون المتوسطة في بريطانيا – بريطانيا الصناعات الأولى والمناجم والمحرمات الاجتماعية واجواء ما بعد الحرب الأولى. اذن نبحث عن جواب لسؤالنا في التفسير الاجتماعي دون ان ننسى التكوين النفسي للشاعر. نستعين هنا بالدراسة التي كتبها الاستاذ ريموند وليمز Raymond Williams"كتابات لورنس الاجتماعية Lawrence,s Sacial Writings. تقول لنا هذه الدراسة العميقة: من يمض في قراء لورنس يتذكر"كارليل"ان هناك اكثر من شبه بين لورنس وهذا المفكر. ومن يقرأ كار ليل يجد استمرارا لكتاباته في مؤلفات لورنس ومن ضمنها ادانة الحركة الصناعية وتهديدها للانسان. فهذه الحركة المادية الصرف"ليست مقبرة للآمال البشرية فحسب، لكنها دمرت النقاء والبراءة في كل مكان… إن هذا الذعر من شر الصناعة وممارسة العيش آليا بلا فهم، تجسد ليني لورنس وتابعه في نزول الناس في منطقته، الى المناجم وانسحاقهم أجساما وطاقات وغرائز. وكان يرى عن كثب كيف تمتص حيويتهم وتتسرب حياة الانسان منهم حيث تنشب هذه المادية الخشنة مخالبها. كل ذلك جعل الحياة مهددة وحياة الانسان تصادر كل يوم،"فجن جنونه بين تشبثه بالحياة وبين هلعه من مخاطرها."الانسان مصير، أو كما قال لورنس نفسه الشخصية مصير"؟Character is fate.

فهل نحن نريد الحياة أم نريد الموت؟ الضحية تدعو المضحي اليها والقتيل ينادي القاتل وحيوية الانسان وغرائزه تريد الحياة بينما الحياة بمثل هذا الحال الغامض والمخيف! فماذا يفعل؟ كل هذه الأفكار والتساؤلات واضحة في رواياته، وكل هذه الموضوعات تشير اليها أشعاره بصورة أو بأخرى. فهو مرة يفجر العواطف ومرة يتشبث بالحياة التي مضت أو التي تتسرب من بين يديه، ومرة يستكشف غوامض الحياة الحالية، ومرة يبحث عن حياة خافية في قصيدته"بيانو"بكاء مرير على الطفولة وحنين جارف للبراءة الضائعة، أو هي حاجة للنعم المفقودة:

بهدوء تغني لي امرأة

تأخذني لسنين مضت. ماأزال

أرى ذلك الطفل يجلس تحت البيانو

وشبكة الأوتار فوقه ترن

يضغط على القدم الصغيرة الثابتة

لأم تبتسم وهي تغني.

وبالرغم مني، أخذتني لها الاغنية المغوية

ثم عادت لتخدعني ثانية

بقي القلب يبكي ليعود الى

أيام الأحد القديمة في المنزل

والشتاء في الخارج والتراتيل في الغرفة الدافئة

والبيانو الرنان هو الدليل

الآن سدى ينطلق المغني مع لهفة

البيانو الأسود الكبير

يظللني سحر أيام الطفولة

فزمن رجولتي اكتسحه طوفان التذكر

وأنا الأن أبكي كطفل على الماضي.

ومن حيث الشكل، ما تزال قصيدة لورنس قصيدة جورجية تنبض بشيء جديد، وهي تحاول الخروج من المعتاد حينا وحينا تعود الى طبيعتها الأول."حب في المزرعة"اختلفت لكن"البيانو"حافظت على انسجامها مع ما حولها من شعر. الموضوع، كما قال لورنس، هو الذي يتحكم بالشكل والايقاع. سنرى بعدئذ، في"أكف الذئب البافاري"اختلافا كليا عن الشعر الجورجي السائد آنذاك، روحا وشكلا لغة وايقاعا سنرى لورنس الباحث عن"غير الاعتيادي"والرافض للنمطية في الزمن المتغير.. عموما كان لورنس"ضمن الحياة"الساخنة المربكة ومستجداتها من وسائل عيش وصناعة وسكن وعلاقات اجتماعية في اعقاب الحرب العالمية الأولى. في هذه الفترة كانت الحقول والمراعي وكانت مناجم الفحم والقطارات والمصانع.

وبين هذه وتلك كانت الموسيقى الكلامية وغنائيات الجورجيين ومشاهد الطبيعة والعواطف البدائية"في قصائدهم القصار وفي هذا الصخب الكبير كانت تتسلل أصوات المستقبليين Ffuturists والصوريين lmagists وكان عقل لورنس يريد الجديد بل يحتاج اليه، لكنه لم يكن سهلا ليأخذه المستكلبليون أو ليستلبه إغراء الصوريين بـ ربما لأن تعبيرهم أكثر بعدا من المباشرة مما يحتاج اليه في تلك المرحلة في حين كان إعجابه وتأثرا شديدين ودائمين بـ"ويتمان"Whitman:"هذا الشاعر ذو الروح الفاضحة منه طول الوقت". مع ذلك تظل مجموعة الصوريين الا نجلو – أمريكان مجموعة ازرا ياوند، وآمي لويل Amy Lowell. اوالمستقبليون الايطاليون هما دليله الى التجديد في الفترة المهمة 1914- 1916."وكان ديران ويتمان"أوراق العشب"Leaues of Grass أحد كتبا العظيمة ومن المستقبليين التقط بذرة الشعر الحر، ومن مقالة باولو بزي Poola Buzzi على وجه التحديد… لقد كان يبحث عن خلاص من نمطية التعابير والموضوعات والأشكال ويباس حدود الايقاع الموروث. لكنه، كما قلنا، ظل قويا بإزاء ما اعتبره ضعفا في الاتجاهات الجديدة، استفاد منهم كثيرا دون أن يتزحزح كثيرا لكن ويتمان"ظل نجمه الرفيع المستقر"."ويتمان شاعر عظيم يعني الكثير بالنسبة لي"وهو"المحرر الكبير.. وسر إعجابه بويتمان هو أن ويتمان شاعر"اكشف له كيف يستعمل الايقاعات الواسعة والحرة المعتمدة على إيقاعات الكلام الاعتيادي، وتأتي القصائد مليئة بموسيقى لا توجد في ذلك الكلام..".

اتضحت الآن العلاقة بين هذا الكلام وبين ما ذكرناه في أول المقال عن ايقاعات اشعاره المبكرة ورده على ملاحظات"بلاكمور"عنها. بإيجاز، كان يحاول بقدرات محدودة وبعون قليل من المؤثرات الجديدة، التعبير عن إيقاع العصر. ولعل هذا هو ما قصده حين قال: تحاول هذه الأشعار ان تحقق ما يحتاج الى جهد عشرين سنة لكي يتحقق.. والسؤال الآن: هل أدى ذلك المسعى الطويل الى قصيدة مختلفة قادرة على التعبير عن أغرار ومواجهات الانسان في عصره؟ أو هل استطاع التعبير عن ايقاع العصر الجديد المختلف في زمنه؟ هذا أنموذج من مجموعته"قصائد أخيرة"Last Poems-، بعد أن قدمنا أنموذجين مختلفين من مجموعته الأولى"قصائد مقفاة"Rhymin Poems

كف الذئب البافاري

ما لكل امريء كف ذئب في منزله

وفي ايلول الناعم، في يوم القديس ميخائيل مزهرة كف الذئب البافارية كبيرة ومعتمة، معتمة هي حسب تقتم ضوء النهار مثل مصباح يدوي أزرق، بزرقة داخنة من كابة بلوتو)1)

مضلعة، ومثل مصباح يدوي تلمع ظلمتها تنشر الزرقة الى أسفل، فتنبسط

بقعا تحت حركة النهار الأبيض.

الزهرة المصباح اليدوي ذات الدخان الأزرق، لمعان بلوتو الأزرق،

أحد مصابيح سود من قاعات دس (2)

تتوقد، تبعد الظلام،

الزرقة المعتمة، مثل مصابيح ديميترا الشاحبة(3) تعطي ظلاما، ظلاما أزرق مثل مصابيح

ديميترا الشاحبة التي تعطي ضوءا

فخذ بيدي ودلني الطريق. أوصلني

لزهرة كف الذئب أعطنيها مصباحا

يدويا ودعني أقد نفسي مع المصباح
الأزرق لهذه الزهرة
تحت السلالم الأشد عتمة والأشد عتمة
منها، الى حيث الأزرق يظلم فوق الزرقة

والى حيث برسفون (4) تمضي الآن تماما،

من ايلول المنجمد الى مملكة اللارؤية، حيث

تستيقظ الظلمة فوق الظلام وبرسيفون

برسيفون نفسها تحول صوتا، أو ترى

ظلمة مطوية في الظلام الأعمق لذراعي

بلوتو، تنفذ بعاطفتها الدنسة وغمها

بين مشاعل الظلام،

تمد الظلام على العروس الضائعة وعريسها.

إذن تطور فن الشاعر من تأثيرات روسيتي وهاردي ووردز ورث الى مشارف الحداثة. وقد قطع مسافة الى ما أراد أن يحققه. فهو هنا كما يقول كوكوس ودايسون C.B.COX & A.E. Dyson في كتابهما"الشعر المعاصر"Modern Poetry يحاول أن يجعل التعبير عن الحالات الصعبة ممكنا يحاول النفاذ وراء الوعي الاعتيادي الى المناطق المظلمة للروح."صار شعره ورواياته يشعراننا بالتوتر في أسلوب يندفع نحو ما يصعب التعبير عنه."وطبيعي أنما يصعب التعبير عنه لا تتمكن منه تماما، أو لا ترضيه. الانماط السائدة من البلاغة والصور، والايقاع. ولعل في قول كرا يام هو Graham Hough، في مقالته"الشمس المظلمة"The Dark Sun"حين ينجح الشعر الشكلي (بمعنى الملتزم بالشكليات والأصول) حينها يمكن تقييم نوع الشعر وجودته بسهولة في النقد الشكلي. فكل ما في ذلك الشعر يتخذ نمطا يعرفه النقد ويحدد قيمته. وحين يبدو الشعر الجديد مختلفا في بعض جوانبه، من وجهة النظر السائدة أو الرسمية، يبقى فيه، مع ذلك، شيء مؤثر لا يبدو النقد الشكلي – أو الرسمي – كافيا لتعليله."

وهذا ما حصل تماما للاستاذ بلاكمور – فهو في آخر ملاحظاته عن سآخذ في الايقاع والصيغ الشعرية وعامية بعض التعابير في شعر د.هـ. لورنس، قال عن تلك القصائد: قصائد لورنس"خرائب، لكننا نتأملها وتثير اعجابنا"!

بقيت لنا ملاحظة تدعونا للتفكير ثانية، تلك هي أن قصائد لورنس الأخيرة كانت خالية من العيوب التي أدانها بلاكمور

الهوامش:

* – كف الذئب gentian نبات:و زهور زرقا، معتمة.
1- إله الجحيم والموتى عند الأغريق
2- إله الجحيم عند الرومان
3- إلا الخصب والغلال عند الا غريق
4 – برسفون: ملكة العالم السفلي وابنة ديميترا – عند الأغريق.