العبّلي.. شهيد الحركة الوطنية

العبّلي.. شهيد الحركة الوطنية

اعداد : رفعة عبد الرزاق محمد
لم تزل احداث الانقلاب الاسود في 6 شباط 1963، ولا سيما الجانب الدموي والانتقامي الذي تميز به الانقلابيون، جديرة بكشفها خدمة للحقيقة والتاريخ على الرغم من الكثير مما كتب عنها من مقالات وذكريات وانطباعات، الا ان اروع ما فيها المواقف البطولية للكثيرين ممن تعرضوا لانتقام الانقلابيين المتوحشين. ان مواقف الضباط المعدومين في دار الاذاعة جديرة بالخلود،

كما ان مواقف سلام عادل وتوفيق منير وعبد الرحيم شريف ومحمد حسين ابو العيس وجمال الحيدري وابو سعيد وعدنان البراك ومتي الشيخ وسواهم من شهداء الحركة الوطنية الذين واجهوا الانقلاب بكل شجاعة وعنفوان اهل للتحقيق والتسجيل وتذكير الاجيال الطالعة بها. ومن هذه المواقف البطولية، موقف الشهيد محمد صالح العبلي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الذي قاد المقاومة الباسلة ضد الانقلاب في مناطق باب الشيخ وعكد الاكراد والصدرية.
ومن المعروف ان جماهير الحزب الشيوعي قامت بتظاهرات حاشدة امام وزارة الدفاع ومناطق مختلفة من بغداد مقاومة للانقلاب استجابة لنداء الحزب الشيوعي بان مقاومة الانقلاب هي الحل الوحيد قامت مجموعة من الشيوعيين بمحاولة احتلال مقر إذاعة بغداد في الصالحية مع جموع جاءت من منطقة الشاكرية لكن كتيبة الدبابات الرابعة اطلقت عليهم الرصاص أوقعت بينهم خسائر بالأرواح ونظم الحزب الشيوعي مركزين لمقاومة الانقلاب الأول في عكد الاكراد قاده الشهيد محمد صالح العبلي وحسين الوردي ولطيف الحاج وفتاح حمدون ومحيي خضر وإبراهيم الحريري اما المركز الثاني فكان في الكاظمية فتمكنت العناصر الشيوعية من الهجوم على افراد الحرس القومي بعد سيطرة الشيوعيين على مركز شرطة الكاظمية والاستيلاء على الأسلحة الموجودة فيه ومن خلال هذا التصدي للانقلاب صدر البيان رقم (13) السيئ الصيت الذي يدعو بأبادة كل من يتصدى للقوات المسلحة والشرطة والحرس القومي فقام الحرس القومي بإبادة ومطاردة الشيوعيين وقتلهم بشكل جماعي وعشوائي في أي مكان من العراق..
ولد العبلي عام 1929في محلة (قمبر علي) في بغداد وبدأ حياته السياسية بالأنضمام إلى (الحزب الوطني الديمقراطي) عام 1946، وأنتمنى مع رفاق آخرين إلى (الحزب الشيوعي العراقي) وأصبح شيوعياً وبدأت مسيرة النضال الصعب الذي لايعرف الهوادة".وقد تدرج محمد العبلي في المسؤوليات الحزبية، حيث اختير عضواً في اللجنة المركزية للحزب، وفي تشرين الثاني 1961أصبح عضوا في المكتب السياسي. وكانت آخر مآثره، إنه أسهم مع الشهيد جمال الحيدري في قيادة الحزب ومقاومة انقلاب شباط الاسود بعد أستشهاد قائده سلام عادل حتى اعتقاله واعدامه والاعلان عن اعدامه في 20 تموز 1959 مع الشهيدين جمال الحيدري وعبد الجبار وهبي (ابو سعيد بعد ان تعرضوا لتعذيب لا اريد ان اذكره لبشاعته.

يذكر الاستاذ حمدي التكمجي : سوف أطلق على صداقة محمد صالح العبلي ومحمود صبري وحافظ التكمه جي أسم (جماعة الطريق).
لقد عملت (جماعة الطريق) على تأسيس نادي في مدرسة المأمونية في العطلة الصيفية لمكافحة الأمية. وبالفعل تم فتح مثل هذا النادي في الصيف، وأنضم إليه عشرات من العمال الذين لا يعرفون القراءة والكتابة. و من جملة من عمل في تدريس الطلاب عبد الله عباس ويحيى الوادي وعبد الرحمن الدايني وسعد شريف وداود سلمان والشاعر الراوي... الخ، وأنتخب محمود صبري رئيساً أو مديراً لهذه المدرسة. وقد علّمت هذه الدورات الصيفية عشرات العمال القراءة والكتاب.
وطبعاً في هذه الدورات الصيفية كانت هناك توجهات وطنيه. فمن خلال التدريس يتم التطرق الى الحرية والديمقراطية، والاستقلال التام، وحقوق العمال، والمرأة مما تسبب في إغلاق هذه الدورات.
وكان محمود صبري ومحمد صالح العبلي يجتمعان في دارنا، في صبابيغ الأل، مع أخي حافظ يتداولون في شؤون التعليم وكتابة الصفحة الجدارية التي كانوا يتعاونون في أخراجها. وكان محمود، بالإضافه الى كتابته فيها، يجيد تنظيمها بشكل فني مع رسومات معبرة.
وبالمناسبة، وعلى ذكر مدرسة المأمونية، أذكر مسألة مع الأسف بعض المسرحيين لم يتطرقوا إليها وهي أن مسرحية قيس وليلى باللغة العبرية الدارجة ألفها محمد صالح العبلي وأخرجها ومثّلها. وكنت على اطلاع بكل تفاصيلها، حيث قام محمد بدور"قيس"وذلك في ساحة مدرسة المأمونية. وقد نالت هذه المسرحية إعجاب الكثيرين... حتى أن أحد مفتشي وزارة المعارف (لا أتذكر أسمه) وكان يهودياً، علق عليها قائلا: إنها في منتهى الإبداع والروعة... و أقترح تمثيلها في مدرسة الإعدادية. هذا مع العلم أن محمد صالح العبلي قد ألف وأخرج ومثل مسرحيات أخرى مع شهاب القصب في مدرسة المأمونية، سوف لا أتطرق إليها لأنها ليس هي موضوعنا الآن.
وبالمناسبة أذكر الحادثة التالية. في حوالي سنة 1956 أعلمني محمود بأن والدة محمد صالح العبلي ترغب في رؤيته إن أمكن لأنها لم تراه منذ 4 – 5 سنوات. وكان العبلي يتردد ليلا على دارنا الواقعة في"عرصات الهندية"، وأخذته الى دار محمود صبري حيث كانت والدته بانتظاره هناك، وكنا نتوقع أن يهجم أحدهم على الأخر بالقبل المعتادة بين الأم و الإبن بعد فراق طويل. و لكن عندما دخل محمد ووقف أمام والدته بادرته والدته متساءلة: كيفك يا أبني؟ أجابها محمد: أنا بخير... أنتِ كيفك؟ ودار بين الاثنين حديث عام وبسيط. لقد كانت أماً رائعة لأبنٍ رائع. و بالمناسبة كانت علاقتي بمحمد العبلي علاقة صداقه فقط منذ 1945 ولم يتكلم أمامي بأية أمور حزبية، وكما لم أعلم بأنه عضو في اللجنة المركزية أو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي إلا بعد استشهاده عام 1963. وبالمناسبة، أشير أيضاً الى ان العبلي كان يأتي الى دارنا ليلاً على دراجة هوائية"بايسكل"فيها صندوق مشبك في المقدمة وفيه صمون، وكان يخرج مبكراً صباحاً ويوزع الصمون.. ولم نسأل محمد لماذا يوزع صمون وما هو في داخل الصمون؟

بقى العبلي طليقا مع الشهيد جمال الحيدري والشهيد عبد الجبار وهبي الى شهر تموز وخلال هذه الفترة استطاعوا اعاده مايمكن اعادته من التنظيمات كما انهم تمكنوا من اصدار جريدة الحزب طريق الشعب.ولكن بعد حركة الشهيد حسن سريع تم اعتقالهم في بيت الخطيب ودليل الحرس القومي كان هادي هاشم ايضا. وكان قبل هذا قد اعتقل ثلاث مرات وافلت من المعتقلين كما يذكر نجله الاستاذ سلام العبلي.

حالوا معهم كل صنوف التعذيب الوحشية ولكن بدون جدوى واستشهد من جراء التعذيب الرفيق جمال الحيدري وعبد الجبار وهبي وبقى العبلي حيا الى ما بعد اذاعة بيان اعدامهم وقد اتى اليه صالح مهدي عماش براديو واسمعه البيان وخير بين الاعتراف وتسفيره الى الخارج او تنفيذ البيان فلم يذعن لهم الى ان قام المجرم سعدون شاكروخالد طبره بحفر قبر له ووضعوه في القبر وهدوده بالمسدس المسلط على راسئه وطلبوا منه الاعتراف لكنه اجابهم بالسباب وبانه لايعترف لعملاء وبهذا اطلق عليه الرصاص وكانت النهاية.. طبعا لم يدفنوه بذالك القبر ويقال انهم رموا جثثهم في نهر دجلة او ديالى.