جسور بغداد في الثلاثينيات.. متى تقرر بناء جسري الشهداء والاحرار؟

جسور بغداد في الثلاثينيات.. متى تقرر بناء جسري الشهداء والاحرار؟

د. عباس فرحان الزاملي
حازت الجسور أهمية كبيرة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لمدينة بغداد لانشطارها الى نصفين غير متماثلين، فساهمت في الربط بين نصفيها، وحددت مواقعها اتجاه الشوارع في المدينة.
ومن الجدير بالذكر أن مدينة بغداد كانت قد عانت من مشكلات معقدة، لعدم وجود جسور ثابتة كافية فيها تربط بين نصفيها، اذ لم يوجد فيها سوى جسرين، أولهما جسر مود.

وثانيهما الجسر العتيق (جسر المأمون). وفي سنة 1924 أنشئ جسر الاعظمية الخشبي الذي شيد على جنائب كبيرة لا تستطيع مقاومة تيارات مياه نهر دجلة إلا بعد وضع أكياس مملوءة بالرمل على الجانب الأخر لمنع غطسها وغرقها وتنظم طريقة عبور الأشخاص والعربات بوساطة شرطيين يقف كل واحد منهما في جانب ويستعملان (الصافرة والعلم الأبيض للمرور والأحمر للتوقف).

كانت الجسور تعطى بالالتزام السنوي لمتعهد يدفع للدولة مبلغاً محدداً، لذلك يقوم بأخذ آنة واحدة ذهاباً واياباً عن (الاشخاص والدواب) التي تعبر الجسر، ويدفع اصحاب السيارات والعربات آنتين أي نصف قران في كل مرة، وتمنع سيارات الحمل من العبور لعدم تحمل الجسر، وقد الغيت رسوم العبور على الاشخاص سنة 1925.
واجهت السيارات والعربات صعوبات كبيرة عند عبور الجسور ولاسيما جسر الاعظمية نظراً لارتفاع مقترباته لذلك يضطر سواق السيارات والعربات الى السير بأقصى سرعتها بهدف العبور او تضطر الى تفريغ الحمولة في منتصف الجسر.
كانت ادارة الجسور بيد الخبراء والمستشارين البريطانيين المعينين لدى الدوائر المختصة، إذ كانوا يشرفون على ادارة الجسرين (العتيق، ومود) ومن هؤلاء الخبير (سرجنت) وفي بداية الثلاثينيات تم الاستغناء عنهم لان (الجسارة العراقيين تدربوا على العمل واتقنوه).
كان للتطور الكبير الذي شهدته المملكة العراقية في مختلف مجالات الحياة بعد عام 1932 اثر كبير في الاهتمام بزيادة وسائط النقل وتعبيد طرق المواصلات وتشييد الجسور الثابتة، فأهتمت الوزارة الهاشمية الثانية (17 اذار 1935 – 29 تشرين الاول 1936) بانشاء جسرين حديديين ثابتين في العاصمة، وتعاقدت مع شركة (هولواي اخوان الانكليزية المحدودة) لتشييد الجسرين ونصت المقاولة على ان تدفع الحكومة العراقية مبلغاً قدره (400.000) دينار عراقي نقداً للحكومة البريطانية لإنشاء الجسرين.
بدأ العمل في الجسرين سنة 1937، وصرف حوالي (500) طن من الفولاذ وبلغ ما صنع من الكونكريت (304) متر مكعب، عرف الجسر الاول بجسر المأمون. في موقع الجسر القديم الذي يربط الكرخ بالرصافة طوله سبعمائة قدم وعرضه خمسيناً قدماً افتتح في 15 تموز 1939 كان يستعمل للعربات والسيارات والمارة في ان واحد. اما الجسر الثاني فكان يعرف بجسر الملك فيصل الاول (في موقع جسر مود) تم انجازه عام 1940 بطول (303) متر وعرض (15) متر مع الارصفة وكانت دعامته تزيد على الجسر الاول بدعامتين مصبوبة كلها بالخرسانة وبلغت تكاليف إنشائه (208) ألف دينار. الجسرين كانا على إتقان وضبط كبيرين إذ أنجز العمل فيهما حسب المواصفات المتفق عليها وبالوقت المحدد.
قامت الحكومة العراقية بتسلم الجسر بعد فحصه من قبل الشركة المذكورة التي اجرت عليه عملية الفحص بامرار مكائن ثقيلة تتكون من (18) سيارة لوري و (6) محادل، و(1500) جندياً. لمراقبة انحناء الجسر الذي كانت طاقة تحمله (260) طن حسب الاتفاقية، واشرف المهندسين على ذلك لمدة ساعة فكانت النتيجة مرضية.
افتتح الوصي عبد الاله جسر الملك فيصل الاول في 15 اذار 1940 وكان يصحبه امين زكي وزير المواصلات والاشغال وعدد من الوزراء فضلاً عن بعض النواب والاعيان وكبار موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين وقد القى احمد شوقي الحسيني مدير الاشغال العامة خطبة الافتتاح وسط حشد كبير من سكان بغداد الذين اصطفوا على جانبي شارع الرشيد.
وفي عام 1950 تم نصب جسر الصرافية الحديدي [ جسر القطار ] الذي يتكون من ممرين احدهما للسيارات والاخر لعبور القطارات، كانت الحكومة العراقية قد اشترته كاملاً من الحكومة الهندية بمبلغ (اقل من مليوني دينار عراقي). بوساطة شركة كودفوغان لي فرانك وكويدز البريطانية التي قامت بنقله ونفذت شركة هولواي اخوان عملية نصبه.
كان لجسر الصرافية أهمية كبيرة تتمثل في امكانية تسيير القطارات بين بغداد والبصرة واربيل.ويمثل اضخم واطول جسر في العهد الملكي يمتد لمسافات طويلة استمر العمل بانشاء قواعده ودعاماته لمدة سنتين متتاليتين وهو أول جسر للاستعمال المزدوج (السيارات والقطارات). فضلاً عن السابلة افتتحه الوصي في 20 تشرين الأول 1950.
وبعد تنوع وسائط النقل وازدياد إعدادها في الخمسينيات ظهرت الحاجة الى انشاء جسور اخرى بهدف تخفيف حالات الازدحام على الجسور القائمة في بعض جهات المدينة. فشرع بانشاء جسر الملكة عالية في تشرين الثاني 1953 الذي يقع في منطقة الباب الشرقي ويصل جانب الكرخ بالرصافة بلغ طوله (454) متراً وعرضه اكثـر
من (18) متر وكلفة انشائه مليون وستمائة الف دينار وهو يقوم على عشر دعائم من السمنت المسلح تتخللها تسع فتحات.
افتتح الملك فيصل الثاني جسر الملكة عالية عام 1956 وقام ولي العهد عبد الاله بالنزول على سطح هذا الجسر بطائرته الهليكوبتر وكانت اول طائرة تهبط على جسر في بغداد.
ونظراً لتكرار حدوث سقوط الاشخاص والسيارات من جسر الاعظمية فضلا عن عدم قدرته على استيعاب حركة المرور الكبيرة والازدحام الدائم عليه لزيارة المراقد المقدسة في الكاظمية وانقطاعه لمدة نصف ساعة يومياً من الساعة (11-11.30) لغرض عبور السفن والاكلاك التي ترسو على الشاطئ حتى تتمكن من الانحدار الى بغداد. دعت الحاجة الى انشاء جسر ثابت بين الاعظمية والكاظمية بعد تذمر الاهالي من ذلك ومراجعتهم للجهات المختصة، لعدم محاسبة المسؤولين عن تسرب الاموال المعدة لاقامة جسور جديدة او اصلاح القديمة منها، ولم تتخذ اجراءات حكومية سريعة لمعالجة ضعف الجسر.
لذلك تكررت الحوادث شهرياً الامر الذي دعا الحكومة الى اتخاذ خطوات جدية لحسم هذه المشكلة. وقامت الجهات الفنية بالتعاقد مع شركتي (سمنسن وكتانه) لانشاء جسر الاعظمية وتم الاتفاق على انشائه بمبلغ مليون وثلاثمائة دينار وهو يقوم على ثمان دعائم من السمنت المسلح تتخللها سبع فتحات يبلغ طوله (317) متراً، وعرضه (15) متر، ويتسع لمرور ثلاث سيارات في وقت واحد، وقد عرف بجسر الائمة وانجز بناؤه عام 1957.