في ذكرى رحيل الدكتور هاشم الوتري  18 شباط 1961

في ذكرى رحيل الدكتور هاشم الوتري 18 شباط 1961

اعداد : ذاكرة عراقية
في مثل هذه الايام من عام 1961 رحل عنا عميد الطب العراقي وابرز رجاله العاملين المؤسسين.. ولم يكن الدكتور هاشم الوتري الذي تخلد اسمه مع قصيدة الجواهري الكبير من اعلام الطب فحسب، بل يعد من اعلام نهضته العلمية مع اسماء طبية اخرى كصائب شوكت وفائق شاكر وشاكر السويدي وسواهم من الرعيل الاول الذين تأسست على ايديهم المؤسسات الطبية الاولى في العراق، تلك التي عرفت برصانتها وعظمتها..

ينتمي الدكتور هاشم الوتري الى اسرة بغدادية عريقة هي من العوائل المعروفة والتي تحفل بعلماء الدين والادب ومن الأسر العربية والعريقة التي كانت تقطن المدينة المنورة بالسعودية وهي من أسر العلم والأدب في تلك الديار. أشتهر منهم محدث الديار الحجازية الشيخ أحمد الظاهر الوتري شيخ علم الحديث في الحرم النبوي، وهاجر قسم من أفراد هذه الأسرة إلى العراق وأتخذوا من بغداد سكنا لهم، ولقد كان لهم مجلس في بغداد يعرف أسم مجلس آل الوتري وهو من المجالس المشهورة في محلة سوق الغزل في بغداد. المعروف انها اسرة علوية النسب عرفت بتفرغها لعلوم الدين، وقد ظل الدكتور هاشم حريصا على الاحتفاظ بلقب (سيد) على رقعة العيادة وعلى اوراقها، وكان لمراجعيه شعور بالراحة لهذا اللقب الشريف.
ولد هاشم يحيى قاسم الوتري في بغداد في اسرة علوية النسب عرفت بتفرغها لعلوم الدين.
في بغداد سنة 1893.أكمل دراسته الأبتدائية والاعدادية المحلية في بغداد.درس في كلية حيدر باشا الطبية في أسطنبول وتخرج منها سنة 1918.عمل في سوريا في الخدمات الطبيه للفرقه العربيه في الحجاز.عاد إلى العراق وكان بالإضافة إلى كونه طبيباً، كان يدَرس في موضوع الكيمياء في الصف الثاني في الثانوية الجعفرية.تعين طبيب في الطب الباطني في سنة 1925 واثر هو العمل السريري فانضم الى كادر اطباء المستشفى الملكي الجديد عام 1925 وبعدها صار رئيس الوحدة الباطنية في المستشفى الملكي وحتى تقاعده في سنة 1959. وقد عمل مع زملائه الاطباء العراقيين والبريطانيين لاعداد المستشفى ليكون تعليما ملحقا بالكلية الطبية المزمع انشاؤها، فاوفد الى بريطانيا للتخصص بالطب الباطني العام ولما عاد في عام 1932 عين استاذا للطب الباطني السريري وانتخب عضوا في الهيئات الادارية للجمعية الطبية العراقية التي تأسست على انقاض الجمعية الطبية البغدادية..
وقد اوكل اليه منصب عميد كلية الطب عام 1937 فكان ثالث عميد عراقي يشغل المنصب بعد الاستاذ حنا خياط والدكتور احمد قدري، وهو الذي انشأ مجلة الكلية الطبية الملكية العراقية «لفائدة الطلبة المتخرجين» يساعده في تحريرها معاون العميد الدكتور معمر خالد الشابندر، والتي حوت اعدادها مقالات في الطب السريري وما استجد في الطب مع اخبار العائلة الطبية، كما انه انتخب رئيسا للجمعية الطبية العراقية عام 1938 ومن بعدها لسنين طويلة بدون انقطاع تقريبا بين الاعوام 1943- و 1954.
وصفه احد تلامذته في الكلية الطبية فقال :
كان الاستاذ الوتري متوسط الطول كبير الرأس واسع العينين يرتدي قبعة افرنجية سوداء شتاء واخرى بيضاء اللون صيفا ويمشي بخطوات بطيئة واقدام متباعدة، وكان يكره المشي ويفضل الانتقال بالسيارة بين المستشفى وبناية الكلية الطبية، وكان ان تكلم، فهو قليل الكلام، فبدون ان يحرك شفتيه فتخرج الكلمات من بين اسنانه بطيئة وثقيلة. وكان يرتدي الروب الجامعي الأسود عند ألقاء المحاضرات وذلك حفظاً على تقاليد الكلية وأساتذتها. كان يرغب في أن تكون لغة التدريس في الكلية هي اللغة العربية بدل الأنكليزية وقد نشر آراءه في مجلة الكلية هذا مع العلم إن نظام الكلية ينص على إن لغة التدريس الرسمية في الكلية هي العربية ولكن ممكن أن تكون بلغة أخرى إلى حين توفر المصادر والكتب الطبية باللغة العربية وهذا القرار نافذ حتى الآن في نظام الكلية. و نشر أول كتاب حول تاريخ الطب العراقي الحديث في سنة 1939 مع الدكتور معمر الشابندر

وفاته
في صبيحة يوم الثامن عشر من كانون الثاني 1961 اتصلت كريمة الأستاذ هاشم الوتري بزوجتي واخبرتها ان الاستاذ قد سقط مغشيا عليه وطلبت حضورنا حالا. فتوجهنا الى داره الرواف قرب شارع السعدون ووجدنا زميلنا علاء الدين الخالدي قد سبقنا اليه. وكان الاستاذ في غرفة تقع بمقدمة داره الكبيرة وقد فارق الحياة. وبعد هنيهة حضر الأستاذ مهدي فوزي والدكتور شوكت الدهان، وقد اخبرت عميد الكلية الأستاذ احمد عزت القيسي فحضر معنا تشييعه الى مثواه الأخير في مقبرة الغزالي بالرصافة في يوم شتائي ممطر وعاصف.

قصيدة الجواهري
انتهز الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي كان يكن بالغ الاحترام والتقدير للدكتور الوتري الحفل التكريمي لهاشم الوتري عميد كلية الطب آنذاك (1949) بمناسبة انتخابه عضو شرف في الجمعيّة الطبيّة البريطانيّة، ليبين موقفه من الجوّ السياسي المحتدم حينئذٍ ويهاجم السلطة هجوما عنيفا في قصيدة اشتهرت شهرة كبيرة وتناقلتها الصحف على الرغم من قرار المنع الذي اصدرته السلطات، وتلك قصة مثيرة من قصص الحركة الوطنية ومعاركها في سبيل الحرية والديمقراطية. ومنها :

وقضيْتُ فَرضاً للنوابغِ واجِبا
مجَّدْتُ فيكَ مَشاعِراً ومَواهبا
شتَّى عوالمَ كُنَّ قبلُ خرائبا
بالمُبدعينَ"الخالقينَ"تنوَّرَتْ
بُوِّئْتَها في الخالدين مراتبا
شرفاً"عميدَ الدارِ"عليا رُتبةٍ
تعبُ الدماغ يَهُمُّ شهماً ناصبا
جازَتْكَ عَن تَعَبِ الفؤادِ، فلم يكن
تعيا العقولُ بحلِّها. وغرائبا
أعْطَتْكَها كفٌّ تضمُّ نقائصاً
وهوتْ لصفعِ الأعدلينَ مَطالبا!
مُدَّتْ لرفعِ الأنضلينَ مَكانةً
في كيفَ يحترمونَ جيلاً واثبا
ومضَتْ تُحرِّرُ ألفَ ألفِ مقالةٍ
يَهدي مَواطنَهُ، وتُزِهق كاتبا
في حين تُرهِقُ بالتعنّتِ شاعراً