ياسوناري كاواباتا.. كلمة السرّ لعالمية الأدب الياباني

ياسوناري كاواباتا.. كلمة السرّ لعالمية الأدب الياباني

معتز محسن
خمسون عاماً على فوز الأديب الياباني العالمي ياسوناري كاواباتا الذي تربطه صداقة عميقة بأول أديب شرقي حصل على جائزة نوبل للآداب الهندي الشهير رابراندنث طاغور، والذي جعل من اللغة اليابانية رمزاً من رموز عالمية اللغة الوطنية عبر كتاباته الروائية التي عبّرت عن العقلية اليابانية الثرية من حيث الإنسانية والعملية ومفهوم الارتباط بالوطن.

ولد ياسوناري كاواباتا يوم 11 حزيران من العام 1899 بأوساكا لأب كان من أقطاب الفيزياء والثقافة باليابان، وفي العام الثاني من عمره فقد أبويّه ليقوم جدّاه بتربيته وتقوم عمته القاطنة في مكان بعيد بتربية أخته الكبرى، ويأتي في السابعة من عمره ليواجه وفاة جدته ويواجه صدمة كبرى وهو في العاشرة بفقدان شقيقته التي لم يرها إلاّ مرة واحدة ويفقد جدّه وهو في الخامسة عشرة من عمره.
ينتقل كاواباتا إلى بيت عائلة أمه (آل كورودا) ثم انتقل في العام 1916 إلى بيت داخلي قرب المدرسة الثانوية، حيث يدرس وبعد تخرجه منها في العام 1917 انتقل إلى طوكيو أملاً في تجاوز امتحان المدرسة الثانوية الأولى التي كانت تعمل بإدارة جامعة طوكيو الإمبراطورية، ونجح في الامتحان ودخل كلية الدراسات الإنسانية ليتخصص في اللغة الإنكليزية، وفي العام 1920 ألتحق بجامعة طوكيو الإمبراطورية ليدرس اللغة الإنكليزية.
أعاد كاواباتا وهو طالب إصدار مجلة (اتجاهات الفكر الجديدة) الأدبية والتي كانت معطّلة لمدة أربع سنوات، وفيها نشر قصته القصيرة الأولى (مشهد من جلسة الأرواح) وفي سنوات دراسته تحول كاواباتا من الأدب الإنكليزي إلى الأدب الياباني، ليقوم بعمل أطروحة بعنوان (تاريخ موجز للروايات اليابانية) وتخرج في مارس / آذار من العام 1924، وقام بتأسيس مجلة في أكتوبر/ تشرين الاول، من نفس العام مع صديقه يوكوميتسو ريتشي وعدد من كتّاب اليابان بعنوان (عصر الأدب) كرد فعل للمدارس الأدبية اليابانية القديمة الراسخة خصوصاً المدرسة الطبيعية، وفي نفس الوقت وقفت تلك المجلة ضدّ أدب العمال أو المدارس الإشتراكية / الشيوعية.
كانت مدرسة كاواباتا وريتشي الأدبية تنظر لمفهوم الفن للفن، وتأثرت بالتكعيبية والتعبيرية والأنماط الأوروبية الحديثة مع ابتكار مصطلح (شينكا نكاكوها) لوصف الحركة الانطباعية الجديدة المعتمدة على منظور أحاسيس مختلفة في الكتابة الأدبية.
عمل كاواباتا كمراسل صحفي بطوكيو وأوساكا لصحيفة (ماينيتشي شيميون) ورفض المشاركة في التعبئة العسكرية اليابانية بالحرب العالمية الثانية، وعانى كاواباتا من موت أفراد عائلته بالحرب، ليعلن للجميع أنه لن يكتب إلاّ المراثي البكائية.
قام كاواباتا بنشر أوّل أعماله الروائية بعنوان (راقصة آيزو) في العام 1927 وهي رواية غرامية تعبّر عن مفهوم المجتمع الياباني للحب وأصدر في العام 1935 روايته (بلد الثلج) التي عبرت عن محلية المجتمع الياباني بعاداته وتقاليده وتلك الرواية ساهمت في شهرة كاواباتا ووصفه برائد الرواية اليابانية ووصفها إدوارد ج. شايدنسترايكر بأنها تحفة كاواباتا الأدبية.
صدرت لكاواباتا في العام 1949 رواية بعنوان (طيور الكركي الألف) وفي نفس العام، صدرت له رواية (صوت الجبل) وفي العام 1953 أصبح كاواباتا عضواً بالأكاديمية الأدبية اليابانية، وفي نفس العام، ترأس رابطة القلم الدولية باليابان، ليجد فرصته في ترجمة الأعمال اليابانية إلى الإنكليزية ولغات أخرى كخطوة قوية من أديب يسهم في عالمية أدب بلاده بشكل فعلي وعملي، وشارك كاواباتا في مؤتمرات رابطة القلم الدولية التي أقيمت ببلاد عدّة، وفي العام 1959 حصل على ميدالية جوتة الأدبية بفرانكفورت.
صدر له أيضاً أعمال أدبية ساهمت في إبراز ملامح الدولة اليابانية:
- البحيرة 1954.
- منزل الجميلات النائمات 1961.
- العاصمة القديمة 1962
- قصص بحجم راحة اليد.
- جمال وحزن 1964.
جاءت رواية (العاصمة القديمة) كبانوراما روائية أعطت للعالم انطباعاً جديداً عن اليابان بملامحها المختلفة كأمّة لها العديد من الإنجازات والإسهامات في تاريخ البشرية قبل وأثناء وبعد الحرب.
أعلنت الأكاديمية السويدية يوم التاسع عشر من أكتوبر/ تشرين الاول من العام 1968 عن فوز الأديب الياباني ياسوناري كاواباتا بجائزة نوبل للآداب كأوّل ياباني يحصل عليها وذلك:
(لريادته الروائية وإحساسه غير العادي والقوي في التعبير عن العقلية اليابانية بعمق شديد).
تسلّم كاواباتا جائزته يوم 10 ديسمبر/ كانون الاول العام 1968، وأصرّ على الحضور بملابسه اليابانية بعد استئذان الأكاديمية التي رحبت بهذا المطلب ليتسلّم الجائزة بزيّه وقلبه وعقله الياباني وسط تصفيق الجميع.
جاء العام 1972 ليصدم العالم بخبر انتحار الأديب الياباني الكبير يوم السادس عشر من أبريل/ نيسان، وجاء الانتحار بخنق من الغاز و تناثرت الاستنتاجات وكانت أقربها هو شعور جيل كاواباتا بالفشل في تجنيب اليابان الدخول في الحرب العالمية الثانية، مع مأساة القنبلة الذرية التي تجرعتها الأجيال المتتالية ليقوم بخنق نفسه كنوع من التكفير عن الذنب.

موقع وكالة الاخبار العالمية