من تراث بشرى برتو..العراقيات وحقوقهن في قرارات الأمم المتحدة

من تراث بشرى برتو..العراقيات وحقوقهن في قرارات الأمم المتحدة

ترى ما وضع المرأة العراقية بالمقارنة بما دعت إليه الحركة النسائية في العالم، لا بل عموم المجتمع الدولي بشأن حقوق النساء؟ نساء العراق يعشن وضعاً متناقضاً جداً، فهن من جهة يشكّلن ربع السلطة التشريعية التي تتخذ القرارات، لكننا لا نستطيع القول إن عضوات المجلس النيابي يساهمن فعلاً في صنع القرارات لكونهن يشكّلن نسباً ضعيفة ضمن كتلهن النيابية وأغلب هذه الكتل لا تعترف جدياً بدورهن، فالقرار بالتالي لقادة الكتلة.

وهن من الجهة الأخرى، لم يزلن يعتبرن مواطنات من الدرجة الثانية. ورغم أن المرأة حصلت على بعض المكتسبات في الجانبين السياسي والاقتصادي، إلاّ أنها مهضومة الحقوق بشكل عام، ومن السهل جداً أن تخرق جميع حقوقها دون رادع، وأن يصل العدوان على حقوقها الى حد القتل ويقوم بعض المسؤولين بتبرير قتلها. والسبب في ذلك كما أعتقد، هو أن مكانتها الاجتماعية غير معترف بها. فوضعها الاجتماعي بائس. ومما يزيد الطين بلة، هو أنها رضيت واستكانت لوضعها الثانوي هذا. وهذا البؤس في أوضاعهن الاجتماعية ليس وليد اليوم، وإنما كان عموماً بهذه الصورة منذ عقود طويلة.
لكن عند حديثي عن المرأة العراقية، فإنني لا أقصد به نخبة النساء، وإنما أعني بشكل عام النساء اللواتي يعانين الفقر والنساء غير المتعلمات والأرامل اللواتي أصبحن يعلن عائلاتهن دون استعداد مسبق، والمرأة الريفية والنساء الشعبيات كما يسمين أحياناً، ونساء العوائل المهجرة. والعراقيات لم يشهدن وضعاً متردياً كالذي يعشنه الآن على مختلف الصعد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. فبرغم تردي الأوضاع بالنسبة للرجل أيضاً، إلاّ أن وزرها يثقل كاهل المرأة بشكل مضاعف. ويكفي أن نشير بسرعة الى ما تعانيه من أوضاع الأمن والتهجير ومستوى الخدمات المتدني والبطالة وعدم توفر السكن اللائق ومحاربتها من قبل بعض من يستخدمون الدين حجةً ومبرراً للاعتداء عليها بحجة الحجاب والتزيّن وغير ذلك من أشكال التدخل بشؤونها الخاصة والاعتداء على حقوقها كإنسان. ووصل الأمر الى استغلال النساء والبنات في سوق الدعارة الذي ورد ذكره في حديث مسؤولة في المفوضية العليا للاجئين التي زارت سوريا مؤخراً، ووصفت هذا الاستغلال بشكل جديد وهو"زواج نهاية الأسبوع"الذي تستغل فيه الفتيات حتى من قبل أهاليهن في بعض الحالات بسبب الحاجة الى لقمة العيش.
إن قضية المرأة إضافة الى كونها من قضايا حقوق الإنسان، فهي قضية حضارية قد وعتها شعوب وحكومات مخلصة لشعوبها، إذ أن الاعتراف للمرأة بالحقوق التي مرّت آنفا والعمل على تطبيقها وضمان هذه الحقوق عن طريق التشريع والمحاكم والجزاء، كل ذلك يتطلب قبل كل شيء إصلاحاً ثقافياً لمفاهيم المجتمع تجاه المرأة وموقعها ودورها. وهذا الاصلاح الثقافي يتطلب بالاساس تغييراً أساسياً في برامج التعليم على المستويات كافة، ومحاربة المفاهيم البالية تجاه المرأة، والوقوف بحزم عند أيّ عدوان على حقوقها، ووضع برامج سريعة لتثقيف النساء وتأهيلهن لمختلف الأعمال ومحاربة التمييز ضدهن. ولاشك أن الشروع بتحقيق هذه المتطلبات سيكون صحوة اجتماعية ترفع المستوى الحضاري للمجتمع ككل.
إن هذا هو بالضبط ما تخشاه قوى الظلام التي تسود شوارع العراق اليوم. فمساواة المرأة بالرجل تعني تغييراً كاملاً في المجتمع، وانهيار هذه القوى. لذا نراها تتوجه بكل قواها ضد المرأة وما تشكله من عنصر أساس للتطور. إن الاعتداء على حقوق المرأة والتقليل من قيمتها ووضعها ودورها في المجتمع، هي من أسلحة أعداء التطور والحداثة للعراق، لذا ينبغي كما اعتقد أن يعي ذلك كل دعاة التطور والحياة الكريمة واحترام حقوق الانسان والمؤمنين به رجالاً ونساءً، وأخص منهم الرجال، وأن يشجبوا أيّ حط من شأن المرأة العراقية. وإن كل نظام لا يعمل بجد على تحسين وضع المرأة واشراكها واحترامها سيفشل في تحقيق النجاح والازدهار للبلاد. إنني لا أتوقع دوام الحال على ما هو عليه الآن، فذلك مغاير للمنطق وللتطور الذي يفرض نفسه مهما استخدمت من وسائل ضده. وسيجد معرقلو التطور مكانهم خارج المجتمع الذي ينشد الحياة الكريمة.
بقيت لديّ نقطة أود الحديث حولها وهي المنظمات النسائية ودورها. فاليوم أصبح عدد المنظمات النسائية في العراق كبيراً نسبياً وهذا مفرح ونعتز به. وتقود هذه المنظمات نساء واعيات بذلن منذ سقوط النظام السابق جهوداً كبيرة من أجل تحسين أوضاع المرأة العراقية، والدفاع عن حقوقها والحصول على مكتسبات جديدة لها. وقد حصلت بالفعل على بعضها، لكنها لاتزال حبراً على ورق، أي في الدستور فقط، إذ لم تفَعّل حتى بقوانين رادعة للمعتدين. وقد ركزت المنظمات النسائية معظم جهودها على حقوق المرأة السياسية، ربما عدا حملاتها في الدفاع عن قانون الأحوال المدنية، ومتابعتها مؤخراً لشؤون المهجرات، ولم تنل أمور مهمة اخرى منها اهتماماً كافياً، مثل المشكلات العديدة التي تعانيها جمهرة نسائنا. وقد يكون ذلك مبرراً بسبب الأوضاع الأمنية في العراق عامة.
انني أتوجه الى هذه المنظمات واقترح عليها، في مجال موضوعنا، أفكاراً لبرامج عملها المقبلة:
1-وضع أولويات في برامجها وخططها ومتابعاتها. واعتقد أن من أهم هذه الاولويات هو العمل على تعزيز دور ومكانة المرأة في مجتمعنا والوقوف بوجه اي امتهان لحقوقها مهما كان جزئياً، فالوضع السائد يشجع العدوان على المرأة وحقوقها.
2-التأكيد على مسؤولية الدولة في إعداد برامج تعليمية سريعة للكبار وبرامج التأهيل المهني للنساء، ولاسيما النساء الريفيات والمعيلات لعوائلهن والمحتاجات اقتصادياً للعمل. صحيح أن هناك بعض الجمعيات التي تقوم بنشاط في هذا المجال، ولكنه مهما بلغ، فإنه قطرة في بحر، وذلك ما لم تأخذ الحكومة على عاتقها هذا الأمر.
3-تفعيل ما نص عليه الدستور من مكاسب للمرأة بإصدار القوانين الرادعة لخرق ما نصّ عليه الدستور.
4-مطالبة الحكومة بالالتزام باتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة، فالعراق احد الموقعين عليها، وبخطة عمل (مؤتمر بكين) والاعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة ومقررات الجمعية العامة في جلستيها الخاصتين بمتابعة خطة عمل (مؤتمر بكين) عامي 2000 و2005. ومن الضروري أن تعمل المنظمات النسائية على مراقبة التزام الحكومة بذلك.
5-تسلّح المنظمات ذاتها بالوثائق والخطط التي أقرها المجتمع الدولي لنصرة المرأة من أجل تطوير أوضاعها في العراق، وشن حملات واسعة لتثقيف العراقيات بما يتمتع غيرهن به من حقوق ومكانة، وما تكفله لهن هذه الوثائق من حقوق.
ومن أجل تعزيز مكانة المرأة في مجتمعنا ادعو مجدداً، كما دعوت سابقاً، الى تشكيل مجلس أعلى يرتبط بمجلس الوزراء مباشرة، وتكون له صلاحية مراقبة كافة اجهزة الدولة في ما يتعلق بضمان تطبيق حقوق المرأة، وإزالة التمييز ضدها في الواقع العملي، وكذلك مراقبة المؤسسات غير الحكومية في هذا الشأن بالتحديد. وتكون قراراته بعد تصديقها من مجلس الوزراء ملزمة للأجهزة والمؤسسات كافة.

من مبحث طويل لبرتو بعنوان
(قضية المرأة والأمم المتحدة و لماذا أدعو
الى جعل الوثائق الدولية أساساً للتشريع؟)