شيءٌ عن مصلحة نقل الركاب..ماهي سيارات المصلحة وخطوطها الأولى؟

شيءٌ عن مصلحة نقل الركاب..ماهي سيارات المصلحة وخطوطها الأولى؟

إعداد: رفعة عبد الرزاق محمد
لم تعرف بغداد وسيلة حديثة للنقل داخل المدينة سوى مشروع الترامواي أو الكاري منذ وليها المصلح في العهد العثماني مدحت باشا سنة 1870. غير أن النقل بالكاري تدهور منذ منتصف الثلاثينيات، وأخذت الشركة تقل أرباحها، بسبب شيوع وسائط نقل أخرى حديثة كالنقل بـ(الفراكين). فضلاً عن النقل بالسيارات، فأدّى ذلك إلى تكبد الشركة خسائر كبيرة،

فتمَّ إلغاؤها وتصفية أعمالها في 15 كانون الأول 1946. وتأسيساً على ما تقدم، ظهرت الحاجة إلى تنظيم النقل بالسيارات في أواخر الثلاثينيات نتيجة لتوسيع بغداد بصورة كبيرة، وفتحت شوارع جديدة وتطلب ذلك وجود مؤسسة مستقلة لنقل الركاب في العاصمة لحل مشكلة النقل فيها، فصدر قانون رقم 38 لسنة 1938 (قانون مصلحة نقل الركاب)، وتم ربط المصلحة بوزارة الداخلية وتحت إدارة أمانة العاصمة وحدّدت منطقة عمل المصلحة بـ(الدائرة). وكان مركز هذه الدائرة في ساحة الباب الشرقي .

واجتمعت اللجنة لأوّل مرة بتاريخ 4 حزيران عام 1938 في ديوان أمانة العاصمة، وعقدت الجلسة برئاسة مدير الهيئة أرشد العمري أمين العاصمة وعضوية السيد يوسف غنيمة والمستر كاربارن [Karbarn] إضافة إلى السيد مصطفى أحمد والسيد ماجد القرة غولي، ولابد من الإشارة إلى أن السيد صالح جبر وزير الداخلية آنذاك، قد حضر الجلسة بناءً على طلب المدير.
استطاعت أمانة العاصمة من الحصول على قرار من وزارة المالية في عام 1939 لـتسليف مصلحة نقل الركاب. ومن الجدير بالذكر، أن الهيئة الإدارية لوزارة المالية قررت بعد اطلاعها على تقرير للجنة الفنية المؤلفة لغرض فحص العطاءات قبول عطاء شركة نوفيكود، المقدّم بواسطة وكلائهما في بغداد إبراهيم وشفيق عدس. وبسعر ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين ديناراً عراقياً. وبذلك تم اعداد نظام إدارة مصلحة نقل الركاب في العاصمة.
إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية أدّى إلى عدم إخراج المشروع إلى حيز التنفيذ، ذلك لاستحالة الحصول على الباصات من الأسواق العالمية. وخلال الحرب العالمية الثانية تقدمت شركة (كرنك لبنان)، وصاحب هذه الشركة من أصل فرنسي يحمل الجنسية اللبنانية، بالإضافة إلى الجنسية الانكليزية، وكان وكلاء هذه الشركة (لاوي وحسن مخزومي وعباس التميمي). حيث كانت الشركة تمتلك ثلاثين سيارة نوع شوفرليت من دون أبدان، فحصلوا على امتياز من الحكومة لتشغيل هذه السيارات في شارع الرشيد لمدة خمس عشرة سنة من دون الحاجة لاستيراد السيارات، وقد طرحت الفكرة على أمين العاصمة أرشد العمري، فقام بالاتصال بالمسؤولين لإلغاء امتياز وكلاء شركة (كرنك لبنان)، وتشغيل هذه السيارات لحساب أمانة العاصمة بعد استملاك هذه السيارات، وهذا ما تم واستحصل أمين العاصمة موافقة الحكومة، وبذلك أصبحت أول مديرية لمصلحة نقل الركاب. وقد واجهت صعوبة في الحصول على السواق، وكانت تطبع تذاكر المصلحة على الآلة الكاتبة. ومن الجدير بالذكر، أن السيارات سمّيت (أمانة) نسبة إلى أمانة العاصمة. ومن ثم تمّ تأسيس شعبة النقليات لتتولّى نقل الركاب.
وفي شهر آب 1943 سيّرت مصلحة نقل الركاب مجموعة من باصاتها في شارع الرشيد، وكانت مؤلفة من (21) باصاً من نوع (الفورد والدوج والشوفرليت)، وكانت معظمها من مبيعات الجيش البريطاني في الشعيبة ثم وضعت لها أبداناً. وباشرت بتشغيل عشر سيارات كدفعة أولى لتقوم بنقل الركاب في شارع الرشيد، وأن خدمة النقل بالسيارات على شكل خطين، الخط الأول ينقل الركاب من باب المعظم إلى باب الشرقي، والخط الثاني ينطلق من باب المعظم إلى منطقة البتاوين لتأمين راحة المواطنين، ثم تقرر توسيع مشروع الباصات، نتيجة التوسع العمراني الذي جعل مدينة بغداد ذات أطراف بعيدة، وليستوعب هذا التوسع بالنقل أيضاً.
كما أن أمانة العاصمة قد اتخذت التدابير اللازمة وأضافت عدداً من الباصات إلى الباصات العاملة في العاصمة. وبهذا قررت أمانة العاصمة فتح خطوط جديدة لسياراتها يبدأ من دائرة البرق والبريد في الكرادة الشرقية حتى سبع قصور والزويّة. وتجدر الإشارة إلى أن أمانة العاصمة أخذت في تحديد أجور ما يتناسب مع بعد المسافات، فجعلت الأسعار كما يأتي الدرجة الأولى (10) فلوس والثانية (6) فلوس والثالثة (3) فلوس.
جلبت المصلحة مطبعة عصرية تحتوي على أحدث مكائن الطباعة لتأمين احتياجات المصلحة من البطاقات والاستمارات والمجلات، وكذلك أسّست معملاً للخياطة لإعداد ملابس السواق والجباية وغيرهم، فضلاً عن أن المصلحة قامت بتأسيس مستوصف لها بكامل التجهيزات لهذا الغرض وتم شمول الموظفين بقانون التقاعد بعد عام 1958، وأنشأت المصلحة دار استراحة لها يقضي فيها منتسبوها أوقات فراغهم ويتناولون وجبات الطعام في باب المعظم. وأسّست نادياً رياضياً أصبح فريقها لكرة القدم من أشهر أندية العراق في الستينيات.