انقلاب بكر صدقي ومديرية الدعاية العامة

انقلاب بكر صدقي ومديرية الدعاية العامة

بشرى سكر الساعدي
وعلى إثر نجاح الانقلاب تألفت الوزارة الجديدة، التي تولَّى حكمت سليمان رئاستها ووزارة الداخلية، وجعفر أبو التمن وزارة المالية، وكامل الجادرجي وزارة الاقتصاد والمواصلات وهي حينذاك من أهمّ الوزارات. وبعد تشكيل وزارة الانقلاب تحرّك أعضاء جماعة الأهالي لملء الفراغ السياسي، فتقدَّموا بطلب لتأسيس جمعية باسم (جمعية الإصلاح الشعبي).

أجازت الحكومة الجمعية بتاريخ 15 تشرين الثاني عام 1936 وانتسب إليها من الوزراء جعفر أبو التمن ويوسف عز الدين ابراهيم، ومن الموظفين حسين جميل ومحمد حديد وعدد من المحامين. وبهذا أصبحت الجمعية حكومية أكثر منها شعبية. وكانت غايتها الأساس السعي إلى القيام بإصلاحات سياسية و اجتماعية و اقتصادية تعود بالمنفعة على عامة أفراد الشعب، وتحقّق التقدم وتقضي على الاستغلال. أثارت خطط الجماعة مخاوف بكر صدقي وأنصاره، كما أثارت مخاوف القوميين الذين قالوا: إنّ نزعة الحكومة ليست عربية.

تولَّى حسين جميل منصب مدير الدعاية والنشر في وزارة الداخلية، اذ استدُعي من مقر عمله في عانة بناءً على اقتراح من كامل الجادرجي. وعندما وصل بغداد عرض عليه كامل الجادرجي منصب مدير الدعاية والنشر، فوافق وقبِل المنصب، ولاسيَّما عندما علم أنّ هناك موظفين ذوي كفاية من رجال الإعلام يومذاك سيقومون بمساعدته، فقد تولَّى حسين الرحال ملاحظية المطبوعات الأجنبية، كما تولَّى ابراهيم حلمي العمر ملاحظية المطبوعات العربية. وهذا الأمر سَّهل عليه العمل كثيراً، وكانت الدائرة التي يشغل بها حسين جميل المنصب تقع في بناية وزارة الداخلية المجاورة للقشلة، وابتدأ العمل في منصبه يوم الرابع من تشرين الثاني عام 1936. وعدّ حسين جميل أول من شغل هذا المنصب، لأنّ المنصب كان قد شُغل منذ تشكيله حتى مجيء حسين جميل بطريقة الوكالة من قبل إبراهيم حلمي العمر، الذي رجع إلى وظيفته الأصلية بعد تولّي حسين جميل هذا المنصب. وعلى الرَّغم من قصر المدة التي شغل فيها حسين جميل هذا المنصب، إلاّ أنّه قام ببعض الأعمال المهمة والضرورية، وأول تلك الأعمال هو اعادة الصحف المعطّلة، إذ نظمت مديرية الدعاية والنشر قائمة بأسماء تلك الصحف والمجلات، ورفعتها إلى حكمت سليمان رئيس الوزراء ووزير الداخلية بالوكالة لغرض إصدار أمر بالعفو، وقدّمت المديرية المذكورة طلب رجاء إلى رئيس الوزراء من أجل أن يعمّم منشوراً على الوزارات كافة يدعوها لتسهيل مهمة مندوبي الصحف ومساعدتهم على استقصاء الأخبار والمعلومات من منابعها الأصلية، لإيصالها إلى الرأي العام بأسرع ما يمكن، وبالصورة الصحيحة، لأنّ مهمتهم غدت شاقة وصعبة، لعدم تعاون تلك الوزارات معهم، وعدم تزويدهم بالأخبار لنشرها في صحفهم. فأصدر مجلس الوزراء قراراً بالافراج عن جميع الصحف المعطّلة، وذلك في 12 كما أبدت مديرية الدعاية والنشر في وزارة الداخلية اهتماماً جديّاً بالصحافة، إذ نظـرت في أمر رفع الطوابع البريدية عن الصحف، وإلغاء بعض القيود ورفع العراقيل عن طريقها، وأول الأمور التي باشرت بها هو إعفاء ورق الصحف المحلية من رسم الكمرك، وهذه بادرة حسنة من بوادر اهتمام الحكومة بالصحافة، لكّن الأمر الأهّم من ذلك كلّه، والذي دعت الصحافة إلى إعادة النظر فيه، فداحة رسم الطوابع البريدية على الصحف في الداخل و الخارج، إذ إنّ سعر الطابع البريدي للصحف داخل القطر كان (فلسين)، هذا بعد إتمام معاملة التسجيل ودفع الرسم المقرر لها. أمّا في خارج القطر، فإنّ إرسال عددٍ واحدٍ من جريدة الانقلاب على سبيل المثال، للمبادلة مع الصحف الخارجية يكلف (ستة فلوس) أجرة طابع بريدي فقط. ومن الأمور المهمة التي ساعدت مديرية الدعاية والنشر في حِلّها في 22 كانون الأول عام 1936، عند قيام فريق من العمال المشتغلين في شركة بلفور بإضراب عن العمل، بسبب تشغيلهم من قبل الشركة عشر ساعات ونصف الساعة يومياً، ولصعوبة عبور النهر، التمسوا مـن مديرية الدعاية والنشر تبنّي موضوعهم، ونشر واقع حالهم وشكواهم، وفعلاً تمَّ ذلك، لذا أخذت الحكومة الأمر باهتمام كبير فور وقوعه، وطلبت من العمال المضربين إرسال من يمثلهم، كمـا طلبت ذلك مـن الشركة، فأرسل العمال شكواهم المتضمّنة كونهم يعملون أكثر من ثماني ساعات في اليوم، وأنّ الشركة تنقلهم إلى الضفة الاخرى من نهر دجلة في سفينة لاتستوعبهم جميعاً، وهذا ما يسبَّب تأخيرهم في العبور، وهم يطالبون بتخفيض ساعات العمل إلى ثماني ساعات في اليوم، وتسهيل أمر العبور، ونتيجة المداولة مع ممثل الشركة تمَّ الاتفاق على تقليـل ساعات عمل العمال إلى ثماني ساعات في اليوم يدءاً من 9 كانون الثاني عام 1937، من غير الاتفاق على تخفيض الأجور، مع معالجة أمر النقل، وقد تمّ تأييد الاتفاق مع ممثل الشركة، ووافق العمال على الحلّ المذكور، وعادوا لاستئناف العمل.
ومن الأعمال الاخرى التي قام بها حسين جميل، من خلال منصبه مديراً للدعاية والنشر، هو الاهتمام بالاذاعة العراقية، وإعادة البث اللاسلكي إلى محطة بغداد، اذ هُيِّئت جميع الترتيبات اللازمة، التي من شأنها إتمام العمل في مدّة قياسية، وأعلن أنّ الاذاعة ستباشر البث في الأول من شهر شباط عام 1937، على مرحلتين، وفعلاً تمّ استئناف البث في المرحلة الأولى، من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة العاشرة ليلاً، ولأجل تنظيم العمـل في تلك الاذاعة تألفت لجنة خاصة قوامها وزير المعارف ووزير الخارجية ومدير البرق والبريد العام ومديـر الدعاية والنشر وغيرهم من الأشخاص الفنيين، لوضع الخطة والمنهج اللذين بموجبهما تعمل الإذاعة المذكورة، وعندما اجتمعت اللجنة، تداول أَعضاؤها في جميع ما يخصّ هذه المهمة، وتمّ انتداب فؤاد جميل، الذي نقل من ملاك التدريس، لهذهِ الغاية لتنظيم المناهج، وكلّهم أمل بأن تقوم الحكومة باتخاذ كلّ التدابير الفعّالة لجعلها تظهر بصورة فنية، تقوم بتهذيب الشعب وتثـقيفه بما تبثّه من الأحاديث الاجتماعية والعلمية والصحية، وقد عزم وزير المعارف على توجيه كتاب إلى سائر الأدباء والعلماء العراقيين يحثهم على إرسال نتاجاتهم كـلّ حسب اختصاصه، علماً أنّه تم تأليف لجنة خاصة لفحص كلّ ما يرد إليها من الخطب والأحاديث، واختيار المناسب منها، كما تقوم بوضع منهاج شهري كامل يُذاع على الجمهور بواسطة الصحف والمتصرفين.
وعندما اشتدت الانتقادات والطعون في العديد من الصحف العربية أمثال الاهرام والبلاغ والشباب والمقطم وغيرها، وفي الصحف العراقية أمثال صحيفة البلاد والهداية وغيرها، لوزارة الانقلاب، ولاسيّما بعدما ساءت أوضاع الحكم، لتدخل بكر صدقي في الشؤون السياسية من جهة، وقيامه باحتضان خصوم جماعة الأهالي، وتصريحاته في الصحف بصيغة لا تتلائم وتلك الأهداف التي سعت الجماعة إلى تحقيقها وترجمتها إلى واقع عملي مؤثر في العراق من جهة أخرى، وبعد قيام بعض الصحافيين في السير في ركاب بكر صدقي، وإطلاق التصريحات غير المسؤولة، التي عجزت مديرية الدعاية والنشر عن الحدّ منها وإيقافها، وجد حسين جميل أنّ دوره في توجيه مسار الدعاية والنشر قد بدأ يتضاءل، لذا قدّم استقالته بعد أن شغل هذه المديرية زهاء ستة أشهر.
عن رسالة (حسين جميل ودوره .....)