«حميد المطبعي»الكبير في كلِّ شيء

«حميد المطبعي»الكبير في كلِّ شيء

عالية طالب
أكثر من ثلاثة عقود مرّت وأنا أحمل صداقة فريدة من نوعها تربطني بالمفكر الكبير"حميد المطبعي"صداقة تشبه الانتماء والتجذر والتوحد والإلفة العجيبة، في بدايات تعرّفي به بعد عودتي من سنوات غربة في بيروت كان صديقاً ودوداً ثم أصبحنا مع الأيام ثنائياً مترابطاً ثم بات عاكساً لذاكرتي بأوقات وأشخاص وأمكنة وأحداث وحوارات لا تنفك عن ملازمتي أينما أكون،

وبعدها أصبح هاجساً من قلق أخشى عليه من ويلات زمن بدأ يصدأ في أغلب زواياه، ولاحقاً أصبح أبناً اتفقده وأنا اشعر بأنني أمٌ تغدق حنانها على كائن من مزايا لا يحمل توصيفات الزمان والمكان بل يتعداها الى مديات أعرف حجم تكويناتها جيداً في نفسي، يحمل الوداعة والضحكة المجلجلة والمعرفة والفكر والذاكرة النشطة والرؤية الاستبصارية والتحليل الواعي والفهم المتجدّد والمقدرة على انتزاع ما نتوقف عن البوح به لأنفسنا، لكننا معه نصغي لذواتنا التي تريد أن تقول كلَّ شيء دون تردد.
إنه صديقي الأثير وأخي الكبير وأبني الغالي وروعة تفقدي لذاكرتنا المشتركة التي تختلف ولا تفترق عن نقطة هائلة تحمل أسم محبة العراق، دمت كما أنت وكما يبحث عنك الآخر فيجدك في كل المرافئ الآمنة التي نحطّ فيها في زمن الوصول لنردم صدأ الزمن المنكفئ بجمال ودعة وتألق.
حميد المطبعي هذا الكائن المتفرد بالمعرفة والتحليل والاستكشاف والتجديد والبراعة واللغة المطواعة والخيال المبدع.. يعيش وحيداً، مريضاً، لا يغادر منزله، ينتظر صوت الأصدقاء عبر الهاتف وزيارتهم عندما تسنح الفرص، يعاني توفير ثمن الدواء وزيارة الطبيب والرعاية الصحية الحقيقية، لا يسأل عنه الكثيرون، فالكل في سباق مع البحث عما يؤمن العيش، لا تتفقده وزارة ثقافة ولا نقابة ولا اتحاد ادباء إلاّ بما تسمح لها ميزانياتها المتباينة بين واحدة وأخرى بالإمكانات التي لن نتحدث عنها، لا يعتب على أحد، فتلك ليست طريقته بل يجد الأعذار لمن ينشغل عنه، صومعته في أعلى بيته بلا تبريد وتدفئة والهواء من شبابيكه المفتوحة يعيد له رائحة البراري التي يشتاق لجولاته فيها.
إنه"حميد المطبعي"الذي تناسته المؤسسة الرسمية وترسخ في بصمة المشهد الثقافي والفكري والإعلامي العراقي بكل ثبات وصلابة. تحية لك أيها المتميز بالكثير.

ذات صلة